(الموت قاسٍ لا يرحمُ) على حدِّ تعبير (كلكامشَ) في ملحمتِهِ.  ولسنا هنا لنرثي حبيبنا الشاعر موفق محمد، بل لنحتفي بخلوده الثقافي والإنساني. فقد غادرنا جسدا، غير أنه مازال حيا بيننا ابداعيا ومعرفيا، وسيطول وجوده لأنه يعيش ويتحرك في قصائده التي لم تمت، بل تتكلم من شفاه محبيه الذين أصغوا اليها كثيرا وهي تحكي لهم أوجاعهم وجوعهم، وتبكي معهم عن خساراتهم المتواصلة، وعن الموت الملاصق لبيوتهم، والمسيل لدموعهم، والمثير لأحزانهم والمعادي لأفراحهم. هو حي في قصائده التهكمية الساخرة من اللصوص القابعين على رقابهم، الذين مازالوا يتقافزون بخفة قطط، بحثا عمّا يشبع كروشهم التواقة للمزيد. لم يمت أبدا، فهو حي في ضمائر الناس، الذين أحبوه كثيرا، وسيبقى بينهم دوما ولن ينسوه، فقصائدُهُ تظلُّ ساخرةً من المتزلِّفين. 

(من رأى منكم عراقيا فليذبحهُ بيدهِ

فإنْ لمْ يستطع

فبمدفعِ هاونٍ وإنْ لمْ يستطعْ

فبسيارةٍ مفخَّخَةٍ

وذلكَ أضعفُ الايمانِ،

رواهُ القَرَضاوي).

- قصيدة (فتاوي للإيجار) 10/ 12/ 2004-

وشاعر مثله لا يغادره محبوه، بسبب أنه لم يكتب لمنفعةٍ أو لغاية شخصية، بل كتب دفاعا عن حقوق الشعب في العيش بكرامة في وطنٍ يتمتع بحرية الرأي والتعبير والمعتقد. كانت قصائده تتحدث عن كل شيء، ولا تتهيب من أي شيء، وبجرأةٍ لا توصف، كانت كلماته تدوي أصداؤها بين أروقة المتحكمين بمصائر الناس ومستقبل البلاد دون واعزٍ من ضمير. وقصائده التي كان يفجرها بين المتلقين، تتصيد في البرك الآسنة لعوالم الساسة الخدّج، من النفعيين والطارئين والتابعين لأجندات ما وراء الحدود. وكان شاعرا لافتا ومتفردا في قدرته على منح قصائده طاقة اتصالية ذات كفاءة عالية الأداء لما تنطوي عليه من كوميديا سوداء مشاكسة ُللراسخ والمتقنع بالهالات المزيفة.

(أَ لأجلِ أن يبقى الخرابُ يصولُ بالبلدِ انحِرافا؟

صالَ الخرابُ

وَعَجَّ بالبلدِ اضطِهادا واختِناقا

فَتَّ المرائِرَ والمصائرَ

لمْ يدعْ شيئاً مُطاقا

ضَعْ وردةً في الصَّدرِ واقرأْ آيةَ الكُرسي

وقُمْ نبني العِراقا).

- قصيدة (ما بعدَ الليلةِ الأخيرةِ) 5/ 9/ 2004-

ربما نودعهُ الآن، غير أننا نلتقي معه حتما، في جنانِ قصائده.

عرض مقالات: