صدر للصديق الباحث والمترجم الجاد (أمير دوشي) كتابا جديدا بعنوان: (هل يستطيعُ المُلْحَقُ أن يتكلم !) عن دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع/ طبعة أولى/ بابل2025. والكتاب هو ترجمة لرسالته الأكاديمية التي قدمها الى (مجلس المؤسسة الدولية للبحث في الجرائم ضد الثقافة) في روما عام 2023.
والكتاب برمته قائم على تساؤل مركزي هو: هل بإمكان الصحفي وعالم الآثار (المُلْحَقَيْنِ) أي التابعين لسلطةِ الاحتلال، قول الحقيقة؟!.
وضمَّ الكتابُ مقدمةً وثلاثةَ فصول وثلاثة ملاحق. وجاء في المقدمة (لا شكَّ أن ما حدثَ في نيسان 2023، للمتحف الوطني العراقي بشكلٍ خاصٍ، وللتراث الثقافي العراقي بشكل عام، كان كارثةً. وقد لعب الإعلامُ دورا فعّالا في فضحِ هذه الكارثة وإيصالها الى العالم أجمع، حيث لمْ يعد الإعلامُ مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل صانعا للحدث).
وتناول الفصل الأول المواضيع التالية:
- من الخريطة العسكرية الى الخريطة الآثارية.
- بلاد ما بين النهرين والحرب: (الأضرار الجانبية).
- المُتحف والاستعمار والاستشراق.
- المُتحف الوطني العراقي. والجدول الزمني لمأساة نهبه في نيسان 2003.
- نهب المُتحف الوطني العراقي. وفيه تفاصبل عن التحقيق الأمريكي حول الكارثة. ويقول دوشي: (في أعقاب أعمال النهب، كان العالمُ واضحا في إدانته للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لفشلهما في حماية المتحف. حتى أنّ رئيس المجلس الدولي للآثار والمواقع، إدَّعى أن الولايات المتحدة مذنبة بارتكاب جريمة ضد الإنسانية لفشلها في حماية المتحف الوطني العراقي).
- التجاذب. والذي يعني: (التعايش بين المشاعر أو المواقف المتضاربة أو المتناقضة تجاه شخصٍ أو شيءٍ أو موقف).
- مقارنات بين علم الآثار والصحافة والجيش.
بينما تناول الفصل الثاني، ما يلي:
- الصحفي المُلْحَقُ: وهو (الشخصُ الذي يبقى مع وحدة من القوات المسلحة أثناء الحرب لتقديم تقارير مباشرة عن الأنشطة القتالية).
- قراءة نقدية في وسائل الإعلام. وتضمنت أدلة القراءة النقدية التي أوردها (ميشيل كولون) في كتابه (إحذروا الإعلام) الصادر عام 1992. وهي (المصادر/ الدّقة/ التناقض/ المناقشة/ المواجهة/ الخبراء/ المنطق/ كلمات/ التورية/ الأسلوب/ الأرقام/ التاريخ).
- التغطية الإعلامية لنهب المتحف العراقي عام 2003.
- قراءة وسائل الإعلام.
أما الفصل الثالث فتناول المواضيع التالية:
- عالم الآثار الملحق: (هو عالم آثار تطلب منه مؤسسة دفاعية العمل في حالة قتالية جنبا الى جنب مع القوات المسلحة).
- قائمة الممنوعة من القصف.
- رسالة الى الرئيس بوش من منظمات التراث.
- عسكرة علم الآثار.
- الخاتمة.
أما الملاحق الثلاثة فهي:
- أولا: يوميات آثاري عراقي في المتحف الوطني العراقي، نيسان 2003. بقلم الدكتور المرحوم دوني جورج/ مدير عام المتاحف العراقية. ومن يومياته ننتقي: (كنت أخشى أن تكون بعض الأشياء قد تمَّ إخراجها بالفعل من البلاد، وقد تحققت هذه المخاوف. ولكن تمَّ إعادة الكثير من القطع، لدينا أكثر من 4000 قطعة من تلك التي نهبت من المتحف، ولدينا أكثر من 17000 قطعة تمَّ تسليمها، والتي تم نهبها من المواقع الأثرية).
- ثانيا: من يوميات آثاري في سلطة الائتلاف المؤقتة 2003.بقلم عالم الآثار الأمريكي د. جون مالكولم راسل. وهو مستشار أقدم في وزارة الثقافة العراقية. وحول التفجيرات المتواصلة آنذاك يقول (آملُ أن يتمكنَ العراقيون من فهم الرسالة التي مفادها، أن هذا النوع من الأمور ليس خطأ التحالف، ولا خطأ الإرهابيين الأجانب، فهم بحاجة الى مواجهة واستئصال الإرهاب المتبقي في وسطهم).
- ثالثا: من يوميات صحفي مستقل (ميكا كارن وماري هيلن كارلنتون) وهذان الصحفيان كانا مهنيين في عملهما، وحريصين جدا على توثيق الدمار الذي حلَّ في التراث الثقافي العراقي، والجهود المبذولة للحفاظ عليه. وقد أنتجا فلما فديويا يوثق ذلك بعنوان (الطريق الى الناصرية).
وفي آب 2004 (انتهت رحلة الصحفي كارن بالخطف مع صديقه أمير دوشي على يد جماعة مسلحة، واعتقال وتوقيف د. عبد الأمير الحمداني لمدة 82 يوما بتهم باطلة، إذْ لمْ يمنح ترخيصا لإحدى الجماعات السياسية المتنفذة لإنشاء معمل طابوق على موقعٍ آثاري). كما أنهما أصدرا كتابهما المعنون (الرهينة الأمريكي) باللغة الإنكليزية عام 2005. وتميزت يومياتهما بسرديات شيقة ومهمة عن معاناتهما خلال الظروف الصعبة التي واجهتهما. وضمَّ الكتاب الماثل أمامنا، شرحا تفصيليا عن (قناع الوركاء) الموناليزا السومرية. كما عُزِّزَ بملحق صور. ونحن نرى أن الباحث والمترجم الجاد (أمير دوشي) أضاف لذاكرة التراث السومري، كتاباً لافتا بسؤالِ عنوانه، ومثيراً بأسئلة متنه المحتملة. لذا فهو كتابٌ جدير باهتمام المتلقي، وبفطنته في الإجابة عن أسئلة ما بعدَ القراءة. كي تتسعَ جدلية التأويل وتعلو أشجارُها، نشدانا لقطافِ أنضج الثمارِ وأشهاها، وأكثرها ألقاً ولذّةً وعبقاً وجدوى.