رواية “معارك الصحراء” نوفيلا قصيرة، جميلة، خفيفة.. تتكون من (12) فصل وعلى مدى (65) صفحة فقط. صدرت عن (الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 2016) من ترجمة: سمر عزت ومراجعة الدكتور إبراهيم علي منوفي.

بأسلوب سردي متميز يتسم بالعفوية والسلاسة يروي لنا الكاتب مغامرات الشاب/ المراهق (كارلوس) الذي يتشعب تاريخه الشخصي مع تاريخ مدينة المكسيك القديمة التي شهدت بوادر الاستعمار الثقافي الوافد من أمريكا وتأثيره في عقول الناس والبيئة والحياة الاجتماعية. صور متداخلة لمشهد بانورامي يعرض حياة مدينة بكاملها بكل ما تحمله من أرث ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي والتحولات المتناقضة التي جرت بعدها بين التمسك بالدين من جهة والتفكك الأخلاقي من جهة أخرى لتكشف جوانب الفساد السياسي والاجتماعي. يُجرد تاريخها لفترة الأربعينات والخمسينات، مما يجعلك تقارن بين أحداثها وأحداث أي بلد عربي أو بلدان العالم الثالث عموماً “ أينما كنت تجد نفسك مُحاطاً بوجه (السيد الرئيس): رسومات ضخمة، بورتريهات مثالية، صور في كل مكان، رسوم كاريكاتورية تمدحه، ونصب تذكارية له وقصص وأساطير تُروى عن التقدم الذي تحقق على يد (ميجل أليمان) بوصفه اباً روحياً. تملُق في العَلن وسَب في الخفاء” ص 8. ما أن تقرأ هذه السطور حتى تتخيل بلدك، فكلنا لدينا (ميجل أليمان) بنسخته المعربة!

ربما يستغرب البعض عنوان الرواية.. (معارك الصحراء) لعبة تدور رحاها بين الأطفال في فناء مليء بتراب له لون غبار الطوب الأحمر خالٍ من الأشجار والنباتات. وهي معنى مجازي لبوابة أحداثها ومعارك الحياة المكسيكية المتمثلة بكارلوس الذي يروي بصيغة المتكلم وهو في منتصف العمر حكايته كمراهق أحب امرأة بعمر أمه فيبدأ “ أتذكر، لا أتذكر” ص 9. يوثق الحكايات والمشاهد والأحداث العالقة بذاكرته، حياة كانت موجودة في مدينته قبل مغادرته هو وعائلته إلى مدينة نيويورك. عالم موبوء بالفقر والأمراض والدكتاتورية، ليحل مكانه عالم يسوده الفساد وانعدام الأخلاق وظهور الحيتان والطغاة الجدد، والقمع، والغنى الفاحش للبعض والفقر المدقع للأغلبية. حينها تضيع القيّم والمبادئ ويُحكم عليها بالموت والذهاب حيث اللارجعة.

واللافت في هذه الرواية أسلوب سردها، فالانتقادات التي تطرح _عن تداعيات تلك المرحلة المهمة في تاريخ بلادهم وجوانب الصراعات السياسية والاقتصادية_ لا نسمعها من شخصيات كبيرة بالسن، بل نلمسها من خلال أحاديث الأطفال في مدرسة كارلوس. تفاصيل الحياة اليومية تُروى ببراءة طفل.

بصمة روائية مميزة، تعد من أهم الروايات المكسيكية في القرن العشرين لباتشيكو الذي ولد ومات في المكسيك شاعر وكاتب ومترجم ويُلقب بأيقونة الشعر الحديث في بلاده، وقد صدرت له أربعة كتب سردية أخرى بين رواية ومجاميع قصصية: (دماء ميدوسا، مبدأ اللذة، سوف تموت بعيداً، والريح وقصص أخرى).

عرض مقالات: