"نساء ومناديل" قصة تسرد معاناة ولوعة أرملة شهيد، اغتالته الديكتاتورية، فتبدأ الحكاية بمجتزأ من أغنية شعبية شائعة (...مثل الجفافي) ليتماهى السرد مع مضمون الأغنية، ويسيران في خطين متقاربين أحيانا، ويبتعدان أحيانا أخرى، وتتخلل كلمات الأغنية النص من بدايته وتنتهي به. لقد فرض الواقع الاجتماعي على أرملة الشهيد التكيف للنمط الأخلاقي السائد؛ فأخضعت نفسها له، وأرغمتها على ذلك. وكان لهذا النمط السلوكي الذي تمثله واقعا، وترفضه قلبيا رقيب من أهلها والمجتمع؛ بل وصل التمثل لقيم المجتمع إلى رقابة داخلية تمارسها على نفسها.

ومن السطر الأول في الحكاية يخبرنا أبو الفوز أن أرملة الشهيد "تعلمت أن تروض نفسها، تحسب خطواتها المرتجفة" و"شعرت أن ظهرها النحيل تخترقه عشرات الأزواج من الأعين المتفحصة لكل شيء فيها وتتابع خطواتها". ورقابة المجتمع تمارس دورها في رسم عالم الأرملة: "انتبهي إلى نفسك، عيون الناس لا ترحم، فانتبهي...!" وتعاتبها عمتها لأنها صافحت أحدهم وأطالت الوقوف معه، و"صارت تخشى أن تصافح من لا تعرفهم ".وعن تسمية "أرملة الشهيد" تشعر الأرملة أن هذه التسمية ثقيلة جدا، "سنوات وهي تتحرك داخل هذا الإطار المعقد". وقد كرر الكاتب تسمية "أرملة الشهيد" عشر مرات في النص ليؤشر إلى ثقله. وننتهي من قراءة الحكاية دون أن نعرف اسم هذه الأرملة.

وقد رسم الكاتب بجلاء العالم الذي اضطرت الأرملة أن تعيشه، فهو نقلة نوعية من عالم العلاقات الجميلة الذي عاشه الأنصار في كردستان، و امتاز بالشفافية والصدق. عالم مواجهة خطر الموت وكل الظروف الصعبة، التي جعلتهم غير هيابين في مواجهة الأخطار، ويمتلكون الشجاعة الاجتماعية والفكرية. أما الآن بعد أن غيب الموت زوجها، فقد أضحت أسيرة نمط محدد مفروض، و أصبحت شيئا كأي كرسي أو لافتة احتفالية. وقد عكس الكاتب معاناة الأرملة في واقع زاخر بالمشاعر والآراء المسبقة وفّق في رصدها وجعلها نسيجا في حوار داخلي ممتع مقترن بأسلوب شاعري. لقد "اختفت الأغاني والموسيقى من سماء روحها. لم يبق سوى صدى لأغان سمعتها يوما وطربت لها". وقد واجهت الأرملة نفسها لتكتشف أنها لا تعرف نفسها؛ "امرأة رقص قلبها يوما على إيقاع أغنية بعيدة..."

"نساء ومناديل" قصة نشرت في العدد 437 من مجلة "الثقافة الجديدة" أيار 2023 من كتاب معد للنشر بعنوان "بعيدا عن البنادق" يتضمن إحدى عشرة قصة، تتناول حياة الأنصار بعد انتهاء حركة الكفاح المسلح ورصد ذكرياتهم، آلامهم وآمالهم، وتفاصيل حياتهم وهموم الواقع الجديد البعيد عن دخان البنادق.

- العبارات المحصورة بين قوسين "..." مقتبسة من نص القصة.

عرض مقالات: