ينتمي الكاتب محمد شكري إلى أسرة مغربية فقيرة كانت تقطن الريف، وحينما بلغ محمد السابعة من العمر هاجرت أسرته إلى مدينة طنجة في رحلة مشياً على الاقدام ولمدة أسبوعين حيث كانت طنجة تسمى الفردوس وخاصة بالنسبة للفقراء المعدمين وحلمهم بأن يحصلوا على عمل فيها، لكن ذلك كان خلاف الحقيقة كما يقول الكاتب ...! وكانت المغرب محتلة من إسبانيا منذ 17 تموز عام 1940 لحين نيلها الاستقلال عام 1956وهي تحتكر كل شيء وخاصة العمل والمواد الغذائية، فيقول الكاتب ..أنا عملت منذ الصغر حينما كنت في السابعة إلى سنوات العشرين في أعمال كثيرة شاقة ومتنوعة وخاصة في فترة وجود والدي في السجن/ لأن والده هرب من العسكرية زمن الاحتلال وألقي القبض عليه وأودع السجن فضاقت العائلة بالفقر والحرمان مما حدى بوالدته ان تبيع عددا من حاجيات البيت ثم العمل في السوق،  ويؤكد الكاتب أن أمي كانت تبيع الفواكه والخضروات في السوق ..ويواصل سرد حكايته مع العمل , عملت حمالاً وكذلك اشتغلت في المقاهي والمطاعم وكنت أبيع للسياح أشياءً تقليدية في الميناء وعملت في بيع الجرائد ومسح الاحذية وبعت السجائر المهربة ..كما أنه عمل كمغن في إحدى المقاهي في السوق الداخلي ..! حيث كان كثيراً ما يجلس في مقهى الرقاصة حتى صارت عنواناً تأتيه الرسائل عليها.. ثم يتحدث عن نفسه وكيفية تعلمه القراءة ومتى حدث ذلك ...! فيقول الكاتب محمد شكري.. إنني تعلمت القراءة والكتابة على يد طالب ترك المدرسة وهو من أصيلة وجاء إلى طنجة للتسكع وبدأ يعلمني القراءة وفك رموز الكلمات في إحدى المقاهي ثم دخلت المدرسة وأنا في سن جاوزت فيه العشرين من عمري في العرائش.. في مدرسة نورمال ودرست أربع سنوات وبضعة شهور فيها ثم واصلت الدراسة في مدرسة لإعداد المعلمين ونجحت فيها وصرت معلماً رسمياً وجرى تعييني في إحدى المدارس الابتدائية في طنجة! ..صار الكاتب يتناول كل ما تقع عليه عينيه من كتب أدبية وكان يقرأ لكتّاب النهضة مثل طه حسين والعقاد والمازني ورحمن شكري وتوفيق الحكيم وغيرهم، ثم صار يقرأ لكتاب أجانب من خلال ترجماتهم المتنوعة وخاصة من الإسبانية للعربية وأيضاً قرأ كتباً مباشرة باللغة الاسبانية التي كان يتقنها بشكل جيد ويعتبرها لغته الثانية ..ثم صار يؤلف القصص والروايات وكانت قصته الأولى بعنوان العنف على الشاطيء / التي نشرها في مجلة الآداب اللبنانية عام 1966 ثم قام بتأليف رواية الخبز الحافي الذائعة الصيت وبعدها رواية الشطار المكملة لها ثم روايات وقصص أخرى كثيرة مثل مجنون الورد والخيمة والسوق الداخلي وغواية الشحرور الأبيض ووجوه وزمن الاخطاء ..إلخ ..أما سر تعلمه القراءة والكتابة وهو طفل ومراهق متشرد يبحث عن قوت يومه في أي مكان وحتى في المزابل كما كان يؤكد ذلك بسبب الجوع القاتل والحرمان . فيشرح لنا سر ذلك بالقول.. كانت في المقهى مجموعة من الشباب يتحدثون بالسياسة عن، من هو الأفضل جمال عبد الناصر أو محمد نجيب.. ويقول.. أردت التدخل في حديثهم وإبداء رأيي بما سمعت.. لكن أحدهم نهرني وقال.. لا يمكنك ذلك لأنك لا تعرف حتى أن تكتب اسمك! ويضيف ..لم أشترك معهم في النقاش بل ذهبت إلى إحدى المكتبات واشتريت قلماً ومجموعة من الاوراق ورجعت للمقهى نفسه طالباً من هذا الشخص الذي منعني من التداخل في النقاش معهم بأن يعلمني القراءة والكتابة ..فوافق وهذا ما حصل لي بالضبط ..وحول الصعلكة فأنه ينفيها عن نفسه بالقول ..أنا لست صعلوكاً وإنما كنت متشرداً ويبرر ؛ أن الصعلوك هو الماجن الفاسق ..ويؤكد أن ظروف حياته جعلته يتشرد لأن والده كان قاسياً مع أفراد الاسرة يعكس ألمه ومعاناته من الفقر والحرمان عليهم ويشير إلى أنه في إحدى المرات قام بضرب أخيه الاصغر بشدة حتى مات لأنه كان يبكي من الجوع مما حدا به للهروب من المنزل والاعتماد على نفسه في العمل لكسب رزقه , لكنه وللأسف انجرف بنفس الوقت وتورط في بعض الجرائم الصغيرة والأعمال الوضيعة والمخلة بالقوانين والتي جاء على ذكرها في رواياته وسرد سيرته الذاتية وخاصة رواية الخبز الحافي والتي تعتبر من أعماله الرئيسية التي تمت ترجمتها ونشرت لأول مرة باللغة الانكليزية عام 1973 ثم نشرت وترجمت للفرنسية ونشرت باللغة العربية عام 1982 وكانت ممنوعة في المغرب العربي حتى عام 2001 .وفي روايتيه الخبز الحافي والشطار إنما هو يتحدث عن سيرة حياته الذاتية التي هي انعكاس عن وضع مزر عاشه شخصياً دون إرادته وكذلك عدد من رفاقه الذين تعلموا ومن خلال نضالهم في الحياة صاروا ابطالاً حقيقيين ومارسوا أعمالهم في الجيش او في مؤسسات التعليم والمحاماة وغيرها ..ويؤكد الكاتب محمد شكري ..أنني كتبت الخبز الحافي من خلال معدتي الخاوية لكن رواية الشطار يقول أنني كتبتها بطريقة تأملية وهي تستكمل ما كتبه من مأساة إنسانية في رواية الخبز الحافي .. وهذه الرواية ترجمها للإنكليزية الكاتب الامريكي بول بولز الذي عاش لعقود في المغرب ويتقن الدارجة المغربية وليس العربية الفصحى , أما إسمها فقد اقترحه عليه الكاتب الطاهر بن جلون ..وتم تحويل رواية الخبز الحافي إلى عمل سينمائي من انتاج ايطالي فرنسي جزائري عام 2004 وعرضت اول مرة في الدار البيضاء عام 2005 , وقد اُثارت هذه الرواية وهي عن سيرته الشخصية حالة من السخط والغضب في العالم العربي وتم منعها في المغرب بناءً على فتوى من بعض السلطات الدينية حيث قيل إن فيها إشارة إلى تجاربه الجنسية في سن المراهقة وتعاطيه للمخدرات ..! فمثلاً تمت ازالتها من منهاج كلية الادب العربي الحديث في الجامعة الامريكية في القاهرة عام 1999 مما اثار انتقادات واسعة للرقابة الحكومية.. وكان الكاتب محمد شكري يقول عن كتاباته.. لقد عرفت أن الكتابة يمكن ان تكون وسيلة للاحتجاج على اولئك الذين سرقوا طفولتي وغطاء رأسي في مراهقتي وقطعة من شبابي.. ويؤكد؛ في تلك اللحظة أصبحت كتاباتي ملتزمة. وكان الكاتب محمد شكري يسمي روايته الخبز الحافي.. / بالكتاب الملعون / وهذه الرواية تتحدث عن عوالم خفية ومجهولة ومهمشة بالنسبة لغالبية الناس، كعالم البغايا والسكارى والسهر والمجون والمخدرات، والفسق الضارب أطنابه في ذلك الحين، لذلك اعتبرت موضوعاتها محرمة وممنوعة في الأدب العربي وهي تحوي حقائق مجهولة عن حياة الناس وخاصة الفقراء والتي كانت جزءًا لا ينفصم من حياته الشخصية التي عاشها بألم ومرارة ...! وبالإضافة لكتاباته فقد كان يعمل في المجال الاذاعي من خلال برامج ثقافية كان يعدها بنفسه ويقدمها من إذاعة طنجة وخاصة برنامجه الشهير شكري يتحدث.

في سنوات حياته الأخيرة مرض واكتشف مرضه الخطير من خلال إحدى زياراته إلى المانيا حيث تم نقله إلى المغرب ورقد في المستشفى العسكري للعناية به تحت الرعاية الملكية للملك محمد الخامس لكنه للأسف مات في المستشفى يوم الخامس عشر من تشرين الثاني عام 2003 ولكنه كان يكره المرض والموت ولا يريد أن يكلمه أحد عنه، لكنه كان متماسكاً يتحمل ألمه من المرض الخبيث بصبر وشجاعة وكان يكره أن يبدو أمام الاخرين ضعيفاً فكان يكابر ولا يتقبل أن يسمع احدهم يتكلم عن مرضه ..عاش الكاتب محمد شكري حياة بائسة عانى فيها كل صنوف الالم والفقر والحرمان لكنه ظل يتلاوى معها وأنتصر على صعوباتها وصار مثلاً يحتذى به في الصبر والتحمل والنضال والنجاح الباهر لكنه بقي عازباً لم يتزوج !..وأخيراً يجب الاشارة إلى أنه ولد في مدينة بني شيكار المغربية في يوم 15 تموز عام 1935وكانت وفاته في طنجة التي أحبها كثيراً ..

عرض مقالات: