الورقة المشاركة في الملف النسوي / مجلة (همس الحوار) للباحثة الأستاذة مي عبد الودود/ لندن

15/ 10/ 2022

 

سؤال : لماذا تصنّف المرأة كاتبة ؟ يجعلني أجيبُ متسائلا : هل النسوية ترف لا يتاح لمعظم النساء؟ هل هناك جذور في الأحفوريات  تؤكد أن النسوية ليست موضة من موضات الحداثة؟ إلى أين وصلت النسوية بمسعاها؟ وهل أصابها الغلو؟ ومن المتسبب في تخليق/ تصنيع هذه النسوية؟ هل تناسلت النسوية من يوتوبيا نسوية.؟

(*)

لا الظل ولا الصدى ولا المرآة: هذه المفردات لا تستقل بذاتها لأنها محض فروع تومئ لأصولها حين نستعملها استعارات ٍ عن المرأة

والحق أقول: إذا كان العالم نصاً سرديا، فإن المرأة( ثريا النص) ولا يمكن لمجتمع يتطور محلقا بجناح ٍ واحد . والحق أقول :إن الخبرات التاريخية المتراكمة جعلت الفهم النسوي متأكداً : إن الأبوية بناء اجتماعي لا مؤسسة طبيعية دائمة، لذلك فإن اقتران النسوية بالميثالوجيا في مشغل واحد يقود بالضرورة إلى الكشف عن البنى

الأبوية التي عملت على إقصاء المرأة من مختلف الدوائر الدينية ودوائر المعرفة والسلطة.

(*)

 اللغة من أقوى الأسلحة في حيازة الرجل، ومن خلالها يعزز سيادته المطلقة ليقصي دور المرأة ثم يتفضل عليها بحيز وحين نتمعن بهذا الحيز فإن منافعه تعود للرجل أكثر مما تعود للمرأة. على ذمة علماء الإنثروبولوجيا والتاريخ والاجتماع: كانت المرأة هي أولا وهذه الأولية ليست غيبية بل ميدانية فقد انتقلت من النيئ إلى المطبوخ وعرفت كيف تقدح النار وكيف تكون تهيئة أكلة ً لها ولصغارها وراحت تشوي الطين خزفاً إبداعيا ًوصار الرجل موضوعا لذاتها فدجنته برضاه ومازال للان وإلى ما بعد الآن في رعايتها. إذن المرأة هي الخصب والنماء من هذه المنصة انطلق تقديس المرأة فهي صنو الطبيعة في العطاء الثر والتحولات والتحولات الفيزيولوجية تتقارب مع الفصول الاربعة  ومن هذه الصفات الحميمة انبثقت قيادة المرأة لمجتمعها وليس من خشونة الرجل الصيّاد.إذن المرأة هي  التي أسست المركزية اللينة. وبهذه الليونة ساهمت بقسط كبير في تأثيل حضارات وادي الرافدين يومها كان العالم في عماء مطلق.

(*)

 شخصيا من خلال قراءاتي للحضارات الرافدانية، صار انحيازي نحو الحضارة السومرية، مقارنة ً بالعنف العسكري في حضارة آشور. أشعرُ بتقزز من الحملات العسكرية الآشورية . أما الحضارة السومرية فهي الفرصة الذهبية التي وهبت نساء سومر خصيصة الولع بالكتابة، وإذا كان تعليم المرأة محارب ومحرّم في أوائل القرن العشرين، أن نساء سومر كن ينافسن الذكور في التعلم وكانت الفرص متوفر لهن فأصبحن مبدعات في السرد والشعر والزخرفة بكل تنويعاتها. ومن هذه المنصة الثقافية النسوية السومرية

انبثقت لهجة أساسية من لهجات الحضارة السومرية يطلقن عليها

(إيميسال) : لغة نسوية تتميز عن الشكل الشائع، ولها تداوليتها النسوية وتراها نساء سومر اللغة المناسبة لما يفكرن به ومن اللغوية الأنثوية النسوية إيميسال تسايلت الملاحم والصلوات وبعض التراتيل. والسومريات لم يبخلن على الغير فكانت لغة النساء والإلهات وكذلك كلام عبيدهن / 29/ ميادة كيالي/ مكانة المرأة في بلاد الرافدين وعصور ما قبل التاريخ/ مؤمنون بلا حدود/ الدراسات والأبحاث 2016 ) بعد كل هذه البينة العظمى العريقة في جذور التاريخ . ومازال الفقه اللغوي العربي يلهج بما يقول ابن الانباري   فلا يحق أن نكتب مديرة  ورئيسة ومسؤولة بالنسبة لمؤسسات الحكومية والأهلية أقول ذلك من خلال علاقتي اليومية مع الخطاطين . بل حتى لا فتة الوفاة يكتب انتقلت شقيقة فلان، أو زوجة فلان!!

(*)

تدجين المرأة ،هو ما يجري الان وبموافقة الأغلبية من النساء ؟! والأمر يلزمنا أجمعين بمثاقفة معرفية عميقة من أجل بيئة تمتلك مؤهلاتها لاستيعاب التدفق الهائل المستجد في حياتنا اليومية. جاعلين من حاضرنا مفتاح ماضينا. فالحاضر مكتنزٌ بمتغيرات كبرى لم تطرأ على المخيلة الجمعية للسلف. الموجع لحد الآن أن الذات الانثوية مازالت منقوصة وزادها نقصاناً غواية  الزجاج الافتراضي الذي أوهمها بحرية ٍ غير مشروطة فارتمت بين أحضانه طوعاً متخلية عن ذاتيتها في الوعي الاجتماعي. هنا لابد من اشتغال معرفي مميز حول النسوية والتنمية المستدامة وبناء المعرفة المتساءلة بخصوص المرأة والتحديث

(*)

تنضيد المرأة المثقفة ضمن حقل (كاتبة) هو اعتراف ذكوري جزئي

وإذا كانت حصتها : الجزء. فالكل هي حصة الرجل وهنا نكون أمام تناحر معرفي : ذكورة / أنوثة. لو قشرنا تصنفيها (كاتبة) سنجد قلق الرجل على حصته المطلقة ، من الهيمنة الذكورية والقول أن المرأة كاتبة يحيلنا إلى ما يسميه المفكر الفرنسي(بيار بورديو) (العنف الرمزي) وهو عنف لا مرئي لكنه  يوخز المرأة الواعية بقيمتها

(*)

  تاريخية المعرفيات هي البينة التي تؤكد على غلبة المرأة معرفيا حين يكون هناك وضوح رؤية لدى أنظمة الوعي الجمعي.

يقول بيريل في كتابه (الجنس وطبيعة الأشياء) ..( المجتمع الإنساني معقد وغير مستقر، وهذا ما يجعل الحياة فيه تثير الاهتمام والغضب والتفاؤل. إنه مجتمع خلقه الذكور ويديرونه، وهو أمر لا ترضى عنهُ

معظم النساء وبعض الرجال/ 97) من وجهة النظر التاريخية المعرفية: الذكور لم يخلقوه بل اختطفوه من الإناث وشتان بين الخلق والخطف.. هم خطفوا السيادة من المرأة وأقصوها. المجتمع كان مخلوقا نسويا كانت المرأة تدير المجتمع وبتوقيت ظهور الزراعة انقلبت الموازين.. الآن ونحن في بداية العشرة الثالثة من الألفية الثالثة

انتشرت مفاهيم منها(الذكورة السامة) ودخول النساء لمجالات كانت حكراً  على الرجال

(*)

في الإبداع ترتقي المرأة بذاتها من النمطي إلى سمو الثقافي. وهي بهذا الحال تنتقل من امرأة  منكتبة  .. محض موضوعة بقلم ذكوري إلى امرأة ترى وتكابد وتكتب إبداعاً يليق بحضورها الفاعل مجتمعيا

(*)

المرأة أكثر من الرجل قيودها . الرجل يملك حق القول في مدياته الاوسع فهو مالك السلطات الثلاث: الكلام والتعبير واللغة. أما المرأة فهي تقبع في حيز سلطة المعرفة. لنتوقف عند القرن الرابع الهجري حيث تفوّق الذكر بالقياس إلى الانثى ويتجسد هذا القول في الفكر اللغوي وهذه عينة/ بينة من اللغوي ابن الانباري (أعلم أن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا، غلب المذكر على المؤنث، تقول من ذلك: الرجل والمرأة قاما، وقعدا وجلسا، ولا يجوز: قامتا وقعدتا وجلستا لأن المذكر يغلب المؤنث، لأنه ُ هو الأصل والمؤنث مزيد عليه) !! أما لماذا المذكر هو الأصل؟ فلا يخبرنا ابن الانباري لأنه يعلم لا أحد يعترض على ذلك لحد هذه اللحظة من حياتنا

(*)

الهزيمة أنثى والنصر ذكر: وهذا يعني ان النساء يشكلن الاجساد التي تكتب عليها قصة العنف فتخيلات الحرب تعني النساء غنائم المنتصر

ووصل الهوس الذكوري على الترويج في المحافل التقنية على اجناسية العلم!! تحت يافطة (العلم ذكر لا يحبه إلاّ الذكران) وماذا نقول عن أوّل محامية في العراق(صبيحة الشيخ داود) وأول وزيرة بالعراق(نزيهة الدليمي) وماذا نطلق على عبقرية المعمارية العظيمة (زها حديد)؟ والفقه الذي تحمله المتصوفة الكبرى( رابعة العدوية)؟

(*)

المرأة الرافدانية مقياس حضاري: لأن حضارة وادي الرافدين حاضنة لنسوية أساطير، لكن يبدو أن الدراسات المنجزة كانت ذكورية الجهد، فركزت على فاعلية الرجل وحذفت فاعلية المرأة . وقد اشتغلت على ذلك في كتابي (أيمسال وتأنيث الكرسي/ نزهات في نسوية التاريخ)

فقد استغلت الهيمنة الذكورية : المرويات الشفاهية لصالحها من خلال تدوير الشفاهي الأنثوي إلى نصوص كتابية ذكورية. والهيمنة الذكورية تزامنت مع استقواء الرجل بالمعدن وما يدره المعدن من ثروةٍ

المصادر

(1) مقداد مسعود/ أيميسال وتأنيث الكرسي/ دار المكتبة الاهلية / البصرة/ ط1/ 2022/ طُبع في بيروت

(2) ميادة كيالي/ مكانة المرأة في بلاد الرافدين وعصور ما قبل التاريخ/ ص39/ مؤمنون بلا حدود/ للدراسات والابحاث 2016

(3) ن.ج. بيريل/ الجنس وطبيعة الأشياء/ ترجمة نورالدين بهلول/ دار الكلمة للنشر/ دمشق/ ط1/ 2000

(4) ابن الانباري / كتاب المذكر والمؤنث/ تحقيق طارق عبد عون الجنابي/ بغداد/ وزارة الاوقاف/ ط1/ 1978

(5) بيار بورديو/ الهيمنة الذكورية/ ترجمة د. سلمان قعفراني/ المؤسسة العربية للترجمة / 2009/ ط1/ بيروت

عرض مقالات: