كانت جدارية فائق حسن تثير لدينا نحن الفتيان يوم ذاك مشاعر جياشة حين نسير في محيط حديقة الامة التي جعلتها امانة العاصمة مـتـنـزها جميلا يسبح  الاوز العراقي الابيض في بركة وسطها ويبحر في مياهها كالسفينة الشراعية التي تتهادى على مياه بحيرة البجع الشهيرة .  

كما أثارت انتباهنا تلك الحمامات التي تنطلق من أعلى جدارية فائق حسن  بلونها الناصع البياض والتي اختفت من الجدارية على أيدي الحرس القومي عام 1963 يوم انقلابهم الاسود في  8 شباط الذي قضى على أجمل ما في العراق من منجزات ثورة 14 تموز المجيدة .

ومن خلال متابعة الصحف اليسارية أسرت انظارنا حمامة السلام البيضاء التي اشتهرت بريشة الرسام الكبير بيكاسو . ومتابعة لاعماله الفنية سحرتنا لوحته - الغورنيكا - التي ترسم تراجيديا الحرب  التي عانت فيها اسبانيا الويل تحت دكتاتورية  فرانكو الذي استدعى الالمان لقصف بلاده  .

ظلت تلك المتابعات لاعمال بيكاسو تعيش معنا حتى سنحت لنا فرصة زيارة متاحفه المتعددة في مدريد حيث تشمخ الغورنيكا وتخطيطاتها على جدران متحف رينيه، و برشلونة وملقا، اضافة الى أعماله المتناثرة في متاحف العالم .

وليس غريبا أن تحفل رفوف المكتبات بكتب ودراسات عن بيكاسو ومن بينها كتاب وثائقي شامل عن حياته بقلم صديقه  رولاند بين روز Roland Penrose بعنوان بيكاسو .. حياة بنكهة المكعبات والنساء .

والذي نشر مؤخرا بترجمة الاديبة الراحلة احسان الملائكة ، اذ ظلت مسودة الترجمة محفوظة لدى الاسرة حتى تيسرت الظروف لنجلها ملهم الملائكة باعداد الكتاب للنشر عام 2021 .

من هذه الترجمة نقتبس ما صرح به بيكاسو عن سبب ايمانه بالشيوعية التي انتمى اليها رغم ان الايديولوجية الماركسية لم تكن على وفاق مع المدرسة التي اشتهر بها بيكاسو، المدرسة التكعيبية ، فقد كانت الواقعية هي المدرسة التي تدين لها الماركسية بالاعجاب لذلك يقول بيكاسو : ان انتمائي للحزب الشيوعي هو نتيجة منطقية لمسيرة حياتي ذاتها، فأنا لست ممن يرى في فن الرسم وسيلة لادخال السرور في قلوب الناس أو لإلهائهم، وإنما كان هدفي الاول والاخير من الرسم أن استخدمه كسلاح يعينني على التغلغل في ضمائر بني البشر حتى يمكن تحرير نفوسهم من الداخل .) ص 204

ويضيف بيكاسو شارحا معاناته في المنفى وبحثه عن وطن يسكن اليه : لقد أمضيت عشرات السنين منفيا عن وطني فلا عجب أن أتلهف للعثور على وطن روحي يعوضني عما فقدته، ولهذا انتميت الى الحزب الشيوعي الفرنسي الذي سابقى في أحضانه الى أن يعيدني وطني اسبانيا الى أحضانه من جديد، و بين أعضاء هذا الحزب التقيت بكل الذين يستحقون الحب والاحترام من أعظم العلماء وأكبر الشعراء وأهم الفنانين. ص 205

عرض مقالات: