في بغداد، في الحيّ الذي سكنت فيه يوماً، التقيت برجال يشبهون الكلاب، كانوا فخورين لكنّهم مسعورون، وزعوا بذاءاتهم في جميع أنحاء البلاد، قلصوا شساعة السماء، مزقوا الأنهر، ودمّروا ينابيع الحياة، وقالوا: نحن نعمل من أجل مستقبلك. نفس القتلة الذين أعلنوا عن أنفسهم بأنّهم مع الكرامة، لكنّهم لم يكونوا كرماء قطعاً، جلبوا الحروب والحصار والمقابر الجماعية والموت المنظم.. أشعر أنّ جميع هؤلاء، مثل الجرعة المسمومة المخلوطة بدم الأبرياء، التي أرادوا إقناعي بأنّها ستسكرني وفيها سأجد خلاصي.

حاولوا منذ طفولتي تلقيحي بالخوف، كي أصير جباناً، وقرأوا على أسماعي كتباً صفراء أغلفتُها مطلية بالتنك المذهب، تخبرني أنّ حياتي هي من سوء حظي، وعليّ قبولها، وأنّ سوء الحظ هو أفضل من اللاشيء. وقالوا إنّها كتبٌ سماويةٌ وعليّ أن لا أكذبها، وإنّ أسرتي ولدت ملعونة، والفقراء ملعونون، ولا يستحقون العيش كالآخرين، وهم بالعادة غير محبوبين، وقدرهم أن يكونوا مضطهدين، وإنّ العذاب والحرمان خلقا لهما خصيصاً، وقالوا بصوت واحد إنّ هذا هو قَدَري، هذا ما كتب عنّي في كتبهم المغلفة بالتنك المذهب.

 

صلاح الحمداني

شاعر وكاتب وفنان مسرحي من أصل عراقي، يكتب بالعربية والفرنسية. ولد عام 1951 في بغداد.. له اليوم أكثر من خمسين عملاً أدبياً موزعة بين [الشعر، القصة والسرد] باللغة العربية وأخرى مكتوبة باللغة الفرنسية أو مترجمة إليها، مع رفيقة حياته الشاعرة "إيزابيل لآني". وقد ترجمت كتاباته إلى لغات عدة.

 العنوان: التصْفِيقُ للسّرَابِ بِيَدٍ وَاحِدَة

المادة: سرد

المؤلف :صلاح الحمداني

الترقيم الدولي: 2978-9938-872-71-

الطبعة: الأولى  2021

لوحة الغلاف: للفنان التشكيلي العراقي كاظم الداخل

المطبعة: المغاربية لطباعة وإشهار الكتاب MIP Livre

الناشر: دار الكتاب

نهج مالاقا ــ المنار 1 ــ 2092 تونس

عرض مقالات: