رواية بسعة (425) صفحة، أهم ما تحتاجه: قارئا نوعيا. يكون لديه الصبر والوقت والتدوين المحاذي لفعل القراءة الأولى. في القراءة الثانية التي تلي القراءة الأولى مباشرة ً، سيكون التدوين المحاذي للصفحات دليل َ هذا القارىء المتأني في حسم المعنى وكتابته عن (قاف قاتل .. سين سعيد)

(*)

قراءتي الثانية: تحاولُ ردماً لفجوات القراءة الأولى، كما فعلَ الضابط ماجد مع الحفرة الموجودة في منتصف الشارع، شخصيا لم تنتبه قراءتي الأولى لذلك لكن الضابط ماجد سيملأ الفجوة في الصفحات الأخيرة من الرواية والمسافة بين الصفحات الأخيرة وتحديدا ص 423 والصفحة ص22 ستكون مسافة قصيرة، في القراءة الثانية لرواية وليس .. الأولى

(*)

إن كان هذا الردم ذا بعدٍ واحد ٍ، فأن الفصل الأخير (حيرتي) سيقوم المؤلف عبدالله البصيّص بتكليف السارد بردم كافة الفجوات النصية التي كان ماهراً في نصبها مِن خلالِ ممرات السرد الروائي وحين يخبرهُ رقيب أوّل عباس أن عم فهد وهو رئيس المخفر، قد غلق ملف قضية اتهام فهد بقتل سعيد جونكر، هنا يخبرنا الضابط عادل (شعرت بحفرة هائلة أوقعت صدري بنفس عميق وزفرت أخرجها../ 29)..

(*)

من فضائل القراءة الثانية، أنني كقارىء سأعرف ُ أن رقيب أوّل عباس هو الطالب عباس، زميل فهد في المتوسطة. .في ص23 تواجه قراءتي عنونة فرعية (حيلة الكتابة) تحت العنوان يشتغل ضمير المتكلم (في الصف الأول الأبتدائي كنت في الخامسة من عمري.. بدأ عقلي يحبو على حواف الأسئلة../  29 ) ولا يجيب على أسئلته أي أحد في العائلة، فيدفعه أبوه قائلا (أذهب إلى عمك عادل) في القراءة الأولى، لا نربط بين هذا القول للأب وبين قول رقيب أوّل عباس للضابط ماجد وهما يتحدثان عن جريمة قتل سعيد جونكر، أن فهداً كان هو المتهم ، لكن (عم فهد كان رئيس المخفر وكان هو من يدير التحقيق/ 29) لكن في القراءة الثانية سنربط ونعرف أن المتكلم في فصل ( حيلة الكتابة) هو ماجد وأن عادل هو عم ماجد .

(*)

يوّفر لنا الضابط ماجد سببا من أسباب الإقناع الروائي، فيجعل المؤلف عبد الله البصيّص يخط العنوان الفرعي الآتي في ص 39(لماذا أريد فتح قضية سعيد جونكر) الضابط سعيد وهو ينضّد/ يفرز مدونات عمه المثقف الضابط عادل، المتراكمة في كراتين، تنشط لديه المخيلة والحلم،  الأولى

(ترسم صورة فتى يقف على جثة قتيل ويده تقطر دمّا) وبفعل افرازات المخيلة يتحول ذهن الضابط ماجد اسفنجة ً تشفط الأوراق التي دونها عمه الضابط عادل، ولا يخلو رجل الأمن ماجد من غياب الذوق لديه وهو يحدث رجل الأمن رقيب أوّل عباس وهو صديق وزميل فهد بالدراسة وفي يوم وفاة فهد بهذا الكلام (هناك قضية قتل لم يأخذ الجاني فيها حقه، لا أظنه يخفى عليك أن ما حدث لفهد، بعد اختفاء سعيد، ربما يكون ردة فعل ذاتية نتجت من تأنيب الضمير لتكفير النفس عن ذنب كبير، قد يكون فهد قتل سعيد فعلاً، وأعتزل بسبب عدم تحمله لضغط الندم، فلنقل إنه عاقب نفسه/ 42 ) ويستعين برقيب أوّل عباس لتأكيد التهمة على الميت للتو فهد.!! هنا سيكون جواب عباس دامغا، لرعونة رجل الأمن المفرّغ من المشاعر الإنسانية وهكذا هم رجال الأمن بنسخة واحدة في كل مكان. يجيب عباس(يجب أن أستأذن الآن، أريد أن أرتاح قليلاً في البيت، اليوم العصر سندفن فهد) .

(*)

في فصل (الصيدة صقر) بعد يوم من وفاة فهد نشوان، وبحسب قول الضابط ماجد (أنا فعلا محرج منك، للتو دفنتّ أخاك...) :تزداد وقاحة الضابط ماجد حد التقزز مِن صلافته ِ،  وهو يستدعي صقر نشوان دون مراعاته لحالة فقد الأخ لدى صقر نشوان ويكون حواره معه واخزاً في المخفر، تقوم قراءتي بفهرسة وقاحة الضابط :

*أخوك يرحمه الله كان مشتبهاً به

*عمّك علي نشوان أخفى كثيراً من الأدلة على تورط أخيك في جريمة قتل

سؤال قراءتي هنا : هل يريد المؤلف عبد البصيّص أن يفضح هكذا تصرف رسمي لا يراعي مشاعر الفقد حين يقوم بأستدعاء شقيق المتوفي

ومساءلته وتوجيه الاتهامات له ولأخيه المتوفي وعمه المتقاعد، هل يجوز ذلك بالعرف الاجتماعي ؟

* ومن الممكن أن تكون أنت مذنباً أيضاً، ربما تسترت على جريمة، وهذه عقوبتها ليست سهلة كما تعلم/ 57 )

(*)

 في حفرة ِ نومه ِ يتدحرج الضابط ماجد ، ويفتح ُ عينيه ويخبر القارىء: (على حلم يُحدّثني فيه رجل عرّف َ نفسه بأنه قاتل سعيد يريد الاعتراف بما حدث/ 39 ) هنا تمتلك قراءتي شفرتين : واحدة للمخيلة والأخرى للحلم. والشفرتان ضمن اشتغالي في قراءتي المنتجة، وهناك : حفرة/ خلية موقوتة : تشوّش على الضابط ماجد وعلى القارئ: سعيد جونكر فتى ضخم مضطرب عقليا بين الثامنة والتاسعة عشر من عمره. فهد في الخامسة عشر وهو صديق سعد الوحيد، سعد أرسله زوج جدته إلى رعاية المعاقين بتوقيت ذلك أختفى سعيد. الجدة لا يرثها سوى سعد وسعيد. مرعي زوج الجدة! هل مرعي هو قاتل سعيد ؟ ليكون وارث البيت؟.. كل هذه التساؤلات ضمن قراءتي ثانية للرواية : تؤكد أن الرواية في أحدى مستوياتها رواية بوليسية، وتزداد بوليسية الرواية حين يطلع الضابط ماجد على ملف قضية حدثت في 1993، برودة التحقيق تثير شكوك الضابط ماجد، فالمحقق العقيد علي نشوان يطرح أسئلة باردة على مرعي زوج جدة سعيد المقتول. ويرى الضابط ماجد (هذا يحتمل أمرين، إما أن العم يريد تلبيس مرعي التهمة، وإما أنه يشتبه فعلا بمرعي../ 54  )

(*)

لا نتعرف إلى المتهم  (فهد نشوان) من خلاله ولا من كلام عباس عنه ،بل من خلال تدوير المعلومات ضمن مدونة الضابط ماجد، من خلال المسطور تحت عنوان (فهد نشوان) 49-51 لكن سنتعرف إلى فهد نشوان من خلال أشرطة فديو يصوّر فيها نفسه ويتكلم عن تلك الفترة من خلال مشاغبات المراهقة وعلاقته بسعيد جونكر  وحتى صعوده، على ذمة مخيلة فهد نشوان من خلال ص 238- 318

(*)

زهرة : حمامة بيت كويتي بسيط، ذات مؤثرية طهرانية على ذات فهد نشوان، ولها مؤثريتها الكبرى لدى المتلقي، فهي التي ساهمت بفعالية تأنيث الفضاء الروائي من خلال شُبّاكها. وزهرة ليست من المنتميات لشاي الضحى، فهي كادحة في بيتها تسعى لفتح دكانة  للبخور، ماهرةٌ في تصنيعه وتطويره، وليس تاجرة فيه كما هو والد  الضابط ماجد الذي يجلب البخور من كمبوديا والجميل أنها كانت تخبر فهداً بمشروعها التجاري البسيط، لكن صحبة السوء، هي التي خربت ما بين فهد وزهرة ..

: 231/ 234/ 257/ 261/ 262/ 263290/ 298/ 313/ 337/ 341/ 359/ 361/

(*)

تعود قراءتي إلى ص37 وتثبّت ما قاله ماجد عن حلمه (حلمٌ يُحدثني فيه رجل عرّف نفسه بأنه قاتل سعيد يريد الاعتراف بما حدث).. ثم تنتقل قراءتي إلى ص75 حين يسلّم صقر نشوان وهو شقيق فهد موبايل الجالاكسي إس فور إلى الضابط ماجد، ويطلب منه الاطلاع على الفديوهات الموجود في حقل الاستديو. يسأله الضابط ماجد: هل هذه اعترافات؟ يجيبه صقر سمّها أنت  بعد أن تنتهي، سيخبرك فهد بكل شيء وبعدها كلمني./ 75  ) جواب صقر أستولد لدى قراءتي الأولى للرواية إساءة تأويل وتتعمق هذه الإساءة التأويلية من خلال مؤثرية المشهد التالي الذي ينقله لنا الضابط ماجد(فقال أمراً بعث الثلج في بدني وهو لم يزل يمسك يدي: هل يقرب لك ضابط كان يعمل هنا اسمه عادل؟

هززتُ رأسي : نعم، عمي يرحمه الله )

فيبدي صقر نشوان استغرابه: يرحمه الله ! هل توفي؟

نعم، سنة ألفين وثمانية، هل تعرفه ؟

أبتسم ابتسامة مسالمة وقال : رحمة الله عليه، ستعرف بنفسك، ذكره فهد في التسجيلات أدرت له أذني : ماذا ،ماذا ذكر عنه؟

ستسمع بنفسك، أستأذنك الآن)

هذه المحاورة بين صقر وماجد، في ص75 سيقوم المؤلف عبد الله البصيص، بتأخير تفكيكها ويشاغل المتلقي بمستويات أخرى من السرد الشيّق المتنقل بين شقاوة المراهقين الذي صاروا يمارسون العنف فيما بينهم وكأن ذلك من مؤثرية ما بعد الغزو فالأحداث في مستواها العميق  تجري في 1993 ويزاوج السرد بين الراهن الكويتي وبين آنذاك وحين نصل إلى ص 393 وتحت العنوان الفرعي الأخير في الرواية (حيرتي) سيعرف القارئ وقبله ماجد من هو قاتل سعيد  جونكر

2-2

في رواية عبد الله البصيص (طعم الذئب) نلاحظ الفعل الجديد يستحق ُ اسما جديدا يليق بالمسمّى، فهو لا يُريد أن يدخل القرية باسمه القديم (ذيبان) فهو الآن إنسان ثان ٍ ، أما ذيبان الذي كانه فكان  محط سخرية من الجميع لذا سيدخل القرية وهو في نشوة انتصار وقد تخلص من اسمه القديم، (سيكون اسمي (سعيد) وسأسعد، يهمس باسمه الجديد مجرّباً وقعه ُ على لسانه : سعيد ..أنا سعيد/ 211/ طعم الذئب/ عبد الله البصيص ) هنا مؤثرية الاسم الجديد على المسمّى، في رواية (قاف : قاتل) نلمس مؤثرية اسم الراحل على الثكلى، ذلك ما يخبرنا به الضابط ماجد حين يذكر اسمه الضابط عادل أمام جدته (تشعر جدتي بالدفء، إذا تذكرتُه، يعيد اسمُه الماءَ إلى مفاصلها ويطردُ عنها الشعور بالتجمد. تركتها تُمسّد روحها بالحديث عنه/16 ) وهناك مؤثرية صوت عادل على ماجد وهو يقرأ في أوراق عمه عادل(داهمتني رغبة البكاء، احسستُ أنه يقف في مكان قريب مني. كانت نبرة صوته هي التي تقرأ الكلمات بذهني/ 17  )

(*)

من جهة ثانية ومقارنه بين ذيبان وفهد، فأن فهد في (قاف قاتل .. سين سعيد)..ينتقل من شقاوة المراهقة إلى التطهر منها. وفهد محور الرواية. وذلك معلن في خطاطة خريطة الشخصيات التي ثبتها لنا المؤلف في عتبة الاستقبال النصي.. في خريطة المؤلف: زهرة حبيبة فهد محذوفة وجدة ماجد التي تحتفظ بأوراق ولدها وتودعها لدى ماجد ليطلع عليها :هذه الجدة محذوفة أيضا. وهذه يعني أن خطاطة البصيّص : خطاطة ذكورية مطلقة.

(*)

قراءتي للرواية تجعلها من مفصلين :

  • الرواية بشفراتها الغامضة
  • تفكيك الشفرات
  • المفصل الأوّل : من فكرة الساعة ص11- رسالة من سعيد ص391
  • المفصل الثاني : حيرتي : ص393- 425

(*)

للمؤلف خطاطة روايته. ولقراءتي فهرسها التالي :

مكونات شخصية فهد تتأثل من أنظمة الوعي الآتية

* الرسوم المتحركة وتحديدا (كريندايزر)

 * التلفزيون

*  شخصية (سر الليل)

*  شخصية الملّثم

* التخلف العقلي لدى سعيد جونكر وشقيقه

*الرياضة

*الصحبة المغيّبة تربويا

*زيف الرؤيا

*رؤية الذات

*الرواية صيفية المناخ ومرتفعة درجتها الحرارية

*أوقات الصلاة : هي الساعة الجدارية في الرواية

*الاعتراف

*غرفة العم

*شُبّاك زهرة

* البخور : آصرة اتصال بين والد فهد وزهرة: وهما لا يعرفان بعضهما.

*عصابة يوسف مصدّي

*متطلبات الشر

*ديوانية الأب

* الصوت

(*)

تقنية الرواية مشطورة إلى سرد مسطور وسرد مرئي : فديو يتكلم من خلاله فهد

(*)

الرواية مشطورة إلى ثلاثة ملفات :

*(قضية أختفاء سعيد جونكر)

*(ما رواه فهد نشوان)

*(مخطوطة كتاب الفهم والإيهام) بقلم الضابط عادل

(*)

تمتلك الرواية كل أساسيات التشويق التي تشترطها الرواية البوليسية. كما تمتلك كل الموجهات التربوية للنشأ. إذن هل هي رواية تكرس خطابها لهم؟ شخصيا تذكرتْ قراءتي بطل رواية  سالينجر(الحارس في حقل الشوفان) ربما بسبب تعلقي برواية سالينجر. أما التذكر فهو العمر المقارب بين فهد وحارس الشوفان ..أقول : ربما وكذلك لأن الشخصيات التي تتحلق حول فهد هم من المجايلين له  عمرياً : طلبة في مرحلة المتوسطة.

(*)

 في (قاف قاتل... سين سعيد): للروائي عبد الله البصيّص : وظيفة السرد هي فاعلية إحيائية : أعني يستعيد السرد ثلاثة وليس أثنين من الراحلين : سعيد جونكر / فهد نشوان: هناك الراحل الثالث ضابط المخفر عادل عم الضابط ماجد . وظيفة السرد هي نفض التراب وغير التراب عن (قضية تائهة إحدى وعشرين سنة حتى دلّت طريقها إليّ في يوم ثلاثاء كان يوماً من أشد أيام شهر أغسطس حرارة /  15 ) ماهي الأسباب المؤدية للنبش في هذه القضية التي خثرها الزمن ؟ الضابط ماجد منذ سنة في هذا المخفر. والضابط عادل وهو عم ماجد توفاه الله قبل ست سنوات، والقضية مرت عليها إحدى وعشرين سنة؟ اعني قضية اختفاء سعيد جونكر وكلبته سعيدة؟

(*)

تنغلق قراءتي المنتجة، بالعودة إلى الصفحة الثانية من الرواية، تنغلق وهي تثبّ جملة ً قالها الضابط الراحل عادل إلى ابن أخيه ماجد، قبل أربع عشرة سنة يومها كان ماجد في الرابع المتوسط (هناك أشياء يعطينا جهلنا التام بها معنى كافيا لفهمها، وهناك أشياء معرفتنا بها تسبّب جهلا ً كاملا ً بما تعنيه).. ما بين القوسين يختزل (حيرتي) الفصل الأخير من الرواية والمسافة الورقية للفصل الأخير تبدأ من ص393 إلى 425.

عرض مقالات: