الفرشاة تكشف الابعاد الفكرية التي وراء الالوان، تلك التي  يختارها الفنان والشخوص والاجسام - Figers - التي يشكلها داخل اطار لوحته ،والمساحة التي يستخدمها في التعبير عن الموضوع الذي يشغل ذهنه ويعبر بالنتيجة عن رؤيته لحالة معينة من الواقع أو المتخيل .

في كتابه الفني الجديد الذي صدر حديثا ينقل الفنان كاظم الداخل رؤيته وأفكاره باساليب فنية متميزة يرتكز فيها على منطلقات الحداثة التي تاثر فيها من خلال دراسته الاكاديمية في العراق وايطاليا ، واقامته الطويلة في ايطاليا والسويد.

بامكاننا توزيع المساحة الزمنية لحياته الفنية على ثلاثة أماكن هي العراق وايطاليا والسويد حيث يقيم هنا منذ اوائل التسعينات .

تبرز في لوحاته ايحاءات القبب الخضراء والاقواس الشرقية والنخيل والقصب والاكواخ والانهار التي تتوزع في لوحات شكلت مرحلة مبكرة في عطائه الذي يقتبس من حضارة وتاريخ عاشه بين كبار الفنانين العراقيين أمثال جواد سليم ،فيصل لعيبي ،صلاح جياد وفائق حسن .

في مراحل لاحقة من ابداعه يتطور في اتجاهات حداثة اوربية استلهمها من الفنانين الطليان الكبار أمثال مايكل انجلو و دافنشي وجيوكومتي والاعمال الفنية الخالدة لفناني النهضة الايطالية في فلورنسا وروما والبندقية ، فاصبح ضمن مجموعة من الفنانين الذين نهلوا من الفنون الايطالية بينهم عفيفة لعيبي وجبر علوان وآزاد  الذين شهدت قاعات العرض الايطالية لوحاتهم ومنحوتاتهم ومنهم من انتقل الى بلدان أخرى طلبا للاقامة التي حرموا منها في وطنهم لظروف سياسية أحرقت العراق في أتون الحروب ،فانتقلت عفيفة لعيبي الى هولندا ، وعبد الاله-  لعيبي - النصير الى السويد ، وكاظم الداخل الى السويد ومنهم من فضل البقاء في ايطاليا لمختلف الاسباب.

يعتمد الفنان كاظم الداخل  تدمير الشخوص واختيار لقطة بارزة منها يضرب بها مركز اللوحة بقوة لونية وبتشويه متعمد يهيمن على القدرة البصرية للمتلقي ليواجهه بالفكرة التي تعتمل في لاوعي الفنان ليكتشف المشاهد ايحاءات الموضوع الذي يعالجه كاظم بمواجهة قاسية مع لعبة الوقوف على مسافة من موضوع اللوحة . تحمل هذه الرؤية لوحات عن العلاقة بين الرجل والمرأة في حالات من العنف الجسدي و الاختباء خلف شراشف الايروتيكا التي خصص لها فصلا مستقلا في البومه.وتبرز مع الاعمال التي هاجم فيها فتاوي فقهاء الظلام الذين صنعوا من المرأة ايقونة من تمر يتفكهون بها ويأكلوها وفق احاديث ابتكروها ووضعوها في خدمة السلطان ، وهو ما عالجه مبكرا الباحث الاجتماعي علي الوردي في كتابه الشهير وعاظ السلاطين.

 يقدم الفنان كاظم  لوحات أخرى لها تأثير صادم يتمحور حول أحداث معاصرة مثل غرق المهاجرين في البحار والتي استلهم فيها غرق الطفل الكردي آلان على سواحل بحر إيجه.

كما يخصص فصلا في كتابه لفضح الارهاب المختبئ خلف الدين والمذهب ويقدم عدة لوحات معبرة تحت عنوان فتاوي القتل يكشف فيها عمق الجروح التي يتركها هذا الارهاب في المجتمع الغارق  في الغيبيات التي يستغلها فقهاء الارهاب لتدمير المجتمع .

اشتمل الكتاب الفني لكاظم الداخل على عدة فصول مبوبة حسب مواضيع اللوحات وهي كالاتي :

مدن التركواز ، الحانة - البار ، وجوه سومرية ، الرأس ، فتاوي قتل ، أهوار ، مدن الزهايمر ، وحدة الشاعر ، كرافيك ، أيقونة ، بيئة ، عمل مركب ، جنات سومرية ، وجه على لوح طيني ، اكريلك على سيراميك .

ولا بأس من إعادة نشر حوار سابق أجريته مع الفنان كاظم الداخل يوم افتتاح معرضه الشخصي السادس والثلاثين في غاليري ياجر ويونسون في مدينة لوند/ السويد ، يوم 16 /1 / 2016 .*
عرض الفنان عدة أعمال بالاكريل تمحورت حول البار / الحانة السويدية ، بالاضافة الى مواضيع أخرى مثل لوحة الغريق التي استوحى موضوعها من غرق المهاجرين في بحر إيجة .
تمثل لوحات كاظم الداخل رؤية فنية معاصرة أتاحتها حرية التعبير التي من خلالها استطاع تجاوز حدود التقاليد والعيب والحرام والممنوع .
خلال حفل الافتتاح ، كان لي هذا الحوار مع الفنان كاظم الداخل حول رؤيته الفنية.*
* ماذا تمثل اللوحة في مفهومك الفني ورؤيتك الفلسفية للحياة ، هل تستطيع اللوحة تجسيد أفكارك بشكل يرضيك لتخلق علاقة بين المشاهد والموضوع ؟
- اللوحة شيء بسيط ، قطعة قماش وقلم أو فرشاة ، اللوحة متعة ، ليست معنية بالفلسفة ، لذلك أقول هي ليست أدوات فقط ، هي فكرة ، لا يمكنك أن ترسم  فكرة ، لوحة الغريق رسمتها بشكل مختلف تماما ، أحيانا يختزن الفنان الموضوع لسنوات ثم ينفذه ... اللوحة لا تحتمل النقل والتفسير ، أهم شيء هو بناء اللوحة بشكل متماسك ، أن تكون الوانها منسجمة لا تشكل نشازا ... في النهاية هي تجسيد حسي للفنان .
* الفن التشكيلي السويدي ، هل غير مفاهيمك عن الفن ؟ هل أثـر فيما لديك من معرفة سابقة كونك فنانا عراقيا انتقل من أجواء العراق الى ايطاليا ثم عشت في السويد سنوات طويلة ؟
- أيـة بيئة تعيش فيها سواء السويد أو ايطاليا ، هي التي تفرز مواضيعها ، موضوع البار على سبيل المثال الذي تشاهده في بعض لوحاتي ، عملت عليه في السويد ، يختلف فيما اذا أردت تناوله كموضوع ، هناك اختلاف كبير بين أجواء البار في العراق وفي السويد ، على سبيل المثال المرأة لا تجدها في البار العراقي ، بينما هي موجودة في البار السويدي ، الملابس تختلف أيضا ، فقد تجد في البار العراقي من يرتدي العقال والكوفية ، أو الدشداشة ، بينما لاتجد مثل هذه الملابس في البار السويدي ، حتى لون الملابس يختلف هنا وهناك ، وهكذا فالبيئة تفرض مواضيعها وصفاتها ومقوماتها ، الشيء الاخر الهام هو الحرية الفكرية التي تمنحك حرية الحركة والتعبير ، فتتمكن من تنفيذ رؤيتك كما تريد ، لا كما تفرضه عليك الرقابة الخارجية  أو الداخلية .
* كيف هو تعاملك مع اللوحة من خلال الواقع الذي تعيشه في اوربا ، هل ترسم اللوحة من وحي الجذور أم بتاثير من الحاضر ؟ وهل للواقع الاوربي تاثير على لوحتك أم تلجأ الى إضفاء شيء من رموز ثقافتك السابقة الى الموضوع، كأن تستوحي أحيانا النخيل أو الشناشيل أو رموز المرأة مثل العباءة ، أو من البيئة المحلية مثل بائع الرقي أو بائع الخبز ... الخ ؟


- الحرية التي تمتلكها في أوربا تجعلك تختلف عما لو كنت في الشرق ، هناك لدينا محرمات ومقدسات وتقاليد ضاغطة ، لذلك تحتكم الى الرقيب بداخلك ، تفتقد الى الجرأة في الذهاب بعيدا ، اوربا أعطت حرية كاملة للفنان ، في الماضي ليس البعيد اواسط القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر لم يتمتع الفنان في اوربا بالحرية الكافية ليعبر عن ما يريد ، لم يتجرأ الفنان في بدايات القرن التاسع عشر على رسم الجسد عاريا ، غويا كان يرسم المراة العارية خلف جدار ، وأغلق مرسم مودلياني بسبب اللوحات العارية .
لذلك أنا أرسم الان بعيدا عن الرقيب ، ولا انوي عرض أعمالي في العالم العربي ، لا افكر أين أعرض أعمالي ، فالفنان اذا خضع لشروط المكان  أو الى الواقع المتخلف أو الى سعر بيع اللوحة ، سيصعب عليه إنتاج إبداع حـر يستحق الاحترام .

* رابط الحوار

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=503447#

عرض مقالات: