فيرجيل هو واحد من أشهر شعراء الرومان الذين عُرفوا في عصور ما قبل الميلاد ، وقد أشتهرت كتاباتهُ الشعرية في تلك القصائد الطويلة التي عُرفت ب " الأنياذة " حيث سطرها في أثني عشر كتاباً والتي لا زالت تعتبر من أهم القطع التراثيىة الأدبية ، وفي الأنياذة سعى فيها إلى تجسيد طبيعة روما الألهية وحكاية الأمير الطروادي ، وتجسيد لبعض القيم الهامة التي عُرفتْ في العالم الروماني ، فهي حقاً تحفة أدبية غير مسبوقة حيث قام بتوضيح أهداف عصرهِ والتعبير عن مثلها العليا في سبيل تحقيق الرقي والسيادة للجنس البشري فهو يتأمل عالم الحاضر وعالم المستقبل في آنٍ واحد .

فالأنياذة ملحمة وطنية قوية قصد بها ربط أصل الرومان بالرموز والأبطال العظام للرومان ، وهي ملحمة شعرية كتبها فيرجيل في القرن الأول ق م ، وتروي القصة الأسطورية للبطل إيناس الطروادي كتبها كقصة بأسلوب شعري جذاب وسهل وهو يتغنى بمعارك ( أكتافيان ) وطبعاً شملت الأحداث التي وقعت بعد تأسيس روما والتنبؤ بأنشاء أمبراطورية أغسطس ، وشمل مشروع الملحمة وصف أخلاق الرومان والسعي لنشر الفضائل والقيم الروحية السامية وتصوير بطلها في صورة الأنسان الذي يقدس الآلهة ويهتدي بهديها والذي يدعو إلى الأصلاح والتغيير للوصول إلى التغيير والكمال الذي دعا أليها أغسطس فيما بعد ، حيث أمضى في كتابتها فترة تعدت الأحدى عشر عاماً حتى أنهُ توفي قبل أتمامها ، كانت لنشأتهِ الريفية أثراً بالغاً في عدم تقبلهِ فلسفة التمدن في مجالات اللذّة ، ويمكن القول : أن شعرهُ يختلف عن شعراء زمانه حيث كان يكتب غالباً بلغة بطولية وبشكل قصائد قصصية والتي نطلق عليها اليوم أسم الألياذة ، إنها قصص خيالية من نمط أسطوري لمغامرات (أينياس) أحد أبناء ملك طروادة الذي هرب من طروادة ووصل إلى أيطاليا حيث أسس أحفادهُ مدينة روما ، وتوفي فيرجيل قبل أتمام القصيدة ، وللحقيقة تتقارب الأنياذة بالياذة هوميروس والأوديسا ( بعض الشئ ) حين تكون قصائد أنياذة فيرجيل على نمط زراعي أطلق عليها من قبل أدباء ما بعد عصره: بالقصائد الرعوية أوالزراعية .

ونظم فيرجيل ( رعوياته ) وجمعها في عشر كتب في أشعار الحقول نحو ألفي بيت شعري مقسمة إلى أربعة أجزاء فيها وصف لفروع الزراعة الأساسية آنذاك ، ويظهر عند قراءة فصول الملحمة بدقة وتأمل يجد القاريء اللبيب : أن فيرجيل لم يكن يكتب رواية خيالية بل كان يكتب لروما كتاباً مقدساً في تقديم شريعة دينية واضحة المعالم هو دين الوطنية وتأليه روما والدفاع عن وجودها عبر بعث الشعب الروماني .

وأن شعر فيرجيل أبداع وأبتكار مزيج من الواقع المرير والجميل مؤطر بالخيال العميق الذي يسمو بالأدراك الأنساني إلى الذروة في العلو لكونها تمتاز بالقوة والمرونة والعذوبة بنقاء فكري وصفاء ذهني وقوة ألهام ، أنها كُتبتْ عام 42 ق .م وفرغ منها عام 39 ق م ، ولُقب رومانياً ب(DACTUs )أي العلامة ، من خلال حكمه الفلسفية الأنسانية وهو القائل : { الزمن يغيّر كل شيء بما في ذلك أذهاننا ، إللا ما أسعد الرجل الذي أستطاع أن يتعلم علل الأشياء عبر الممارسة والفكر قد يشكلان بالتدريج فنونا}  .

ومن مميزاته الشعرية : موضوع القصائد هو وصف الرعي على نمط ( ثيوقريطس )Theocritus  بالتوقيع على جمالية الأسلوب بأنغام موسيقية شفافة سداسية الأوزان ، مليئة بالحنان التأملي والحب التخيلي في تحطيم القلب بالحب عند صد الحبيب !،إنّهُ لامس فلسفة الجمال بظهور عناصر الجمال جلياً في أشعارهِ وبشكلٍ قوي للغاية تتمثل في جمال اللغة في سردياته الشعرية وتلك سمات فنية خصبة تسيطر على الخيال ، وأقول إنها من براعة الشاعر الأسطوري " فيرجيل " في توظيف الفنتازيا الخيالية في نقلة نوعية لجغرافية روما المترفة والخلابة ، فكان تمجيد فيرجيل للمناظرالطبيعية أكثرواقعية من الأشباح الثيوقراطية ، وفي هذه القصائد نرى فناناً عظيماً يعالج أشرف الفنون بأجمعها : فن زراعة الأرض في شعرٍ رقيق مصقول وهو يطرق جميع فروع الفلاحة ويفيها حقها ، ولا ينسى فيرجيل أمراض الحيوانات وطريقة علاجها ، ويصف حيوانات المزرعة وصفاً يدلُ على فهمهِ لطباعها وعطفهُ عليها ، وتلعب الديانات والعقائد الرومانية القديمة في وصف الطقوس والأعياد الدينية دوراً هاماً في منظومات فيرجيل لأعتقاده الزائد لعنصر الحياة وربما شعوره العميق بالأنسانية المعذبة ، وجمع فيرجيل مزايا الأوديسا والألياذة في عمل ملحمي درامي بنصوصه الشعرية أصبحت أساساً في تهذيب الأدب واللغة الرومانية وكذا النثر والشعر ، وتلك النتاجات الثرة المتميزة لفيرجيل خُلدتْ بأستخدامها في العصور المتأخرة في تدريس التعليم ا

رعويات فيرجيل الشعرية/

أنجز فيرجيل ألفي بيتاً شعرياً ملحمياً صنفها بعشرة أناشيد ، كل أنشودة مذيلة بأسم بطل ملحمي من رموز قصائده الشعرية ، وأقتصاداً للمساحة المسموحة للبحث أخترت ثلاث لوحات منها ( ولا أدري لماذا أخترتُ هذه اللوحات الثلاثة وأن العشرة كلها مبشرة بالحب والتأمل وأيقاض الروح للتمسك بالحياة والسلام العالمي – ربما لا أدري !!!؟ ) :

الأنشودة الثالثة---- بالايمون {-- وماذا يستطيع أن يفعل أصحاب الأملاك؟ ، وقد بلغ اللصوص شأواً عظيماً من الجرأة ؟ ألم أرك يا أسوأ الناس طُراً ؟ وأنت تسرق عنزة دامون ! أتريد أن يجرب كلانا ما يستطيع أنشادهُ ؟ سأراهن بهذه البقرة كيلا ترفض أنها تحلب مرتين وترضع عجلتين صغيرتين ، خبرني بماذا تراهن على منافستي ؟! } .

الأنشودة الخامسة ---- دافنس {-- لقد بكتْ الحوريات " دافنس " بعد أن أختطفتهُ يدُ الموت الكريهة !، أشهدي على الحوريات يا أشجار البندق ، وأنتِ أيتها الأنهارستكون لكِ هذه الطقوس إلى الأبد !، عندما نقدم نذورنا السنوية للحوريات ، وعندما نطهّرْ حقولنا}

الأنشودة الرابعة ---يوليو{ ---أن العذراء تعود الآن ، ويرجع حكم ساترون ، ويهبط جيل جديد الآن من السماء العالية ، رفقاً بالصبي عند مولده يا " لوكينا " الطاهرة ، إذ بمجيئهِ سينمحي العصر الحديدي ويشرق العصر الذهبي على ربوع العالم بأسرهِ } .

أسباب شهرة قصائد " فيرجيل " الرعوية !!!.

1-تتمتع بقدرة شعرية غير محدودة حيث النظم وسرد النص وبأضافة فيرجيل المحسنات الموسيقية واللفظية وأحتواء القصائد النفس الطويل والأصرار والتحدي والصمود ، وتمكن أن يعبر عن فكرةٍ هائلةٍ كانت عصيّة على الكثير من السياسيين وهي : " فكرة سيطرة روما على العالم " .

2- تتفوّق على ملاحم هوميروس الذي تغنى بالأمجاد بينما فيرجيل صنع الأمجاد ، والفرق الثاني بين أوديسيوس بطل الألياذة بطل مغامر يخوض الأهوال ثم يقفل راجعاً لوطنه ، بينما ( أينياوس )بطل الأينياّذه لفرجيل يمتطي المخاطر ويمخر البحار باحثاً عن وطن أثبت حقيقة المسلمات الأخلاقية الأنسانية لأبرز حلقات الروح نبلاً هي ثقافة (المواطنة) .

3- أن وطنية فيرجيل في أشعاره السياسية غايتهُ أن يصنع مجداً لدولة فتية لا مجد لها ، فلجأ إلى الموروث الشعبي في بعث الروح في أسطورة أينياس التي تدعو خلالها إلى الأفتخار بالسلف والأقتداء بهم وأستلهام أخلاقياته النبيلة في بناء المجتمع على غرار ما فعلهُ سليل أسرتهِ أغسطس حاكم روما آنذاك ، وألهبتْ هذه الأفكار الوطنية نفوس الشباب الروماني وأندفعوا بحماس لتبني والتمسك بأشاعر فيرجيل .

4- على عكس ما هو مألوف في الملاحم حين تقدم بطلا فوق مستوى البشر ، لكن فيرجيل قدم في ملاحمه الشعرية بطلا سويا من مستوى البشر حنون مؤمن يهتدي بالآلهة ويقدس الحياة الأسرية ، أنهُ أبنٌ بار وزوج صالح وأب حنون .

5- عُدتْ أشعار فيرجيل خصوصاً ( أنيادته) الملحمية من أهم الرموز الثقافية والأدبية الثرة في القرن الأول بعد الميلاد أعتبرت مصدراً للغة اللاتينية عند النحويين ، ووضعتْ في المقرر المدرسي ، ودفعت الكثير من الأدباء والمثقفين والشعراء الأقتداء به وتستوحي نتاجاته المبدعة مثل : دانتي في الكوميديا اللآهية ، وأستخدمها الشاعر الأنكليزي ( تشوسر ) وأقتبس منها الشاعر الأنكليزي ( أدمون سبنسر ) في قصيدتهِ ( ملكة الجن ) في كتابٍ له بهذا الأسم The Faerie Queene وبالمناسبة هذه القصيدة تنحو بأتجاهٍ مقارب للنمط الأسطوري لقصائد فيرجيل حيث القصائد المطولة والرمزية .

كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد

الهوامش والمصادر /

الأنياده / لفيرجيل – د- أبراهيم سكر 1994

أناشيد الرعاة –فيرجيل – ترجمة وتأليف أمين سلامه 

ملامح يونانية في الأدب العربي 2016 ( نسخة ألكترونية )

كانون ثاني /2021

  

عرض مقالات: