في مساء بصري جميل وفي قاعة الشهيد هندال: أقامت اللجنة الثقافية للحزب الشيوعي في البصرة وملتقى جيكور الثقافي في 17/11/ 2020 :جلسة ً نقدية ً مع حفل توقيع  لرواية (سيدي قنصل بابل) للروائي العراقي المقيم في المغرب والرواية صادرة عن دار ومكتبة الحياة في البصرة ..أبتدأت الأمسية بهديتين مقدمتين من الأستاذ زكي الديراوي صاحب دار الأدب البصري : إلى مؤلف الرواية الاستاذ نبيل نوري والثانية إلى مقدم الجلسة : مقداد مسعود .ثم قرأ السيد كرار قاسم بالنيابة الورقة المرسلة من مؤلف الرواية. ثم توالت مشاركات الأدباء

 

استاذي الفاضل السيد مقداد مسعود، الاخوة و الاخوات الحضور من الادباء و الشعراء و المهتمين بالكلمة و الادب و كل ما خطط فوق الورق.

الورق يا سادة هو البساط المريح الذي تستلقي عليه كلمات عهدنا الحاضر؛ كلمات رصصت بين اغلفة ملونة تزيّن و تلمّع لتجلب الدنانير و رضى من يشتري و يموّل.

تلك الكلمات كان لها اجداد، كانوا يُحفرون فوق الصخور و يستوطنون القصور و المعابد العظيمة؛ الملك يهابها و الكهنة يتبركون و يتسلطون بها.

تستأمن على الوصية و الدين و العلم و العهد و التشريع، هي المرجع للعالم و الجاهل و كل من يلتقيها يتغير به شيء.

هذا لأقول ان من يستخف بالقراءة و الكتب تستخف الاقدار به، و يتأخر بين الأمم. فالتعليم وحده لا يصنع العالم و الباحث و المثقف، وحده بحر الكتب يمرّس المتبصرين و يصنع المتنورين.

الكتب ليست موضة قديمة كما يروج بين شعوب العالم الثالث بل انها تقود المد في الدول المتقدمة و تترأس المواد و البرامج التعليمية بأعداد تابته اسبوعية كدواء موصوف من الطبيب.

اذا الكتاب ليس للهواية و لكن للضرورة.

انا جد سعيد بتواجدي بينكم في ملتقى جيكور بالنص، فصدور روايتي بينكم هي ولادة جديدة في وطني لكي اعيش بينكم دوما و اعوض مالا يعوض بغيابي عن ارضه الابوية، التي افتخر بها كإفتخار الطفل بوالديه.

شكرا لاحتضاني بينكم بهذا الحب الكبير، الشكر العظيم للسيد مقداد على رقة قلبه و غيرته العراقية الاصيلة التي لا تستوطن سوى الاصلاء.

امنيتي ان نلتقي في غد افضل تضمد فيه جروح

العراق بأيدي ابنائه المخلصين.

نبيل نوري لكزار موحان

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة في "سيدي قُنصل بابل"1 للكاتب نبيل نوري لكزاز موحان

ياسين شامل

يقومُ السردُ في "سيدي قُنصل بابل" الذي لم يعطهِ الكاتبُ نبيل نوري تجنيساً، على سردِ المتكلّمِ "First- person narrative" أيّ أنَّ السردَ بضميرِ المتكلّمِ،  الذي يوفرُ الإيهامَ ما بينَ صوتِ الراوي في عمومِ العملِ الأدبي، وصوتِ المؤلفِ الفعلي "ومن هنا يأتي الربطُ الظالمُ بينَ شخصيةِ المؤلفِ وشخصيةِ بطلهِ "2  إلا أننا من خلالِ القراءةِ نستطيعُ أنْ نجدَ اسمَ الشخصيةِ الرئيسةِ "نبيل" وتلميحٌ إلى اسمِ الأبِ "نوري"، ذلكَ ما يعززُ توهمَنُا، بأنّ الراوي هو المؤلفُ نفسهُ في تتابعِ الأحداثِ، فهو لا ينقلُ لنا الأحداثَ بل يُشعرُنا بأنهُ مساهمٌ بصورةِ فعالةِ فيها. لا أدري إنْ كانَ الكاتبُ قد لعبَ لعبةً ذكيةً، من أجلِ التوغلِ في الإيهام، حتى يكبرَ السؤالُ عند المتلقي ذاتهُ.

    إذا كانتْ تلك حقيقيةٌ، وأنَّ الراوي في داخلِ العالمِ الروائي، شخصيةٌ تتحركُ في صلبِ الأحداثِ المتتابعةِ، فأنَّ خطابهُ لا يبتعدُ عن خطابِ المؤلفِ، إلا إذا كانتْ هناك حجج واضحةً تنفي هذا الافتراضَ.

    وعلى رأي عبد الملك مرتاض "كأن ضميرَ المتكلمُ يُحيلُ إلى الذاتِ، بينما ضميرُ الغائبِ "سردُ الغائبِ""third-person narrative" يُحيلُ إلى الموضوعِ. فـ "الأنا" مرجعيتُهُ جوانبهُ، على حين أنّ الـ "هوَ" مرجعيتُهُ برانيةٌ. ولا سواءٌ ضميرٌ يسردُ ذاتهُ، وضميرٌ آخرُ يحكي سواءهُ. ضميرٌ منطلقُهُ من الداخلِ، نحوَ الداخلِ منطلقُهُ، طوراً، ومن الداخل نحو الخارج، طوراً آخر، وضميرٌ آخرُ منطلقهُ من الخارجِ، نحو الخارجِ أطواراً، ومن الخارجِ نحو الداخلِ، طوراً."3  

    أستطيعُ أنْ أعدَّ هذا الكتابَ "روايةً"، فقد توفرتْ فيها ممكناتُ السردِ. حيثُ يأتي بصورةٍ أحداث متتاليةٍ أو ما يُسمى "بناءُ التتابعِ"، حيثُ تتابعُ الوقائعُ في الزمنِ، فهو بناءٌ تقليديٌّ بضميرِ المتكلّمِ عبْرَ شخصيتِها الرئيسةِ "نبيل"، التي تتمحورُ عندها الأحداث وتنطلقُ منها شبكةُ العلاقاتِ وترتبطُ بمحيطِها. إلا أنَّ هذا السردَ الذي يسيرُ بخطٍ متوالٍ للأحداثِ يتخللهُ القليلُ من الاستذكارِ "الاسترجاع" على لسانِ أمهِ المغربيةِ "الشخصيةِ المؤثرةِ"، بخصوصِ أبيهِ العراقي "تحديداً من البصرةِ" وكذلك عائلتهِ، هذا الاستذكارُ القليلُ جدّ مهم فهو يُغني مسارَ الروايةِ، ويعزّزُ أحداثَها، ويُعطي مبرراتِها، لندركُ لماذا نبيلٌ في المكانِ المعلومِ "المَغْرِبِ" يعيشُ على أرضِها، من دونِ انتماءٍ لها.  

    تسيرُ أحداثُ الروايةِ بسردٍ هادئٍ يشدُّ القارئَ، كونُها تروي جانباً مهماً من معاناةِ الإنسانِ، بينَ ضياعِ الهويةِ، وقسوةِ الحياةِ في متابعةِ حياةِ "نبيل" الراوي، منذُ الطفولةِ، وهو تحتَ رعايةِ أمهِ المكافحةِ، من أجلِ توفيرِ متطلباتِ الحياةِ ورعايةِ أبنِها الوحيدِ، تنقلُهُ من الكتاتيبِ، ثم إلى المدرسةِ الابتدائيةِ، والاعداديةِ، وبعدِها يختارُ معهدَ التكوينِ، ليكتسبَ خبرةً في تصليحِ الأجهزةِ الكهربائيةِ المنزليةِ.

 مراجعاتُ الأمِّ وأبنِها السفارةِ العراقيةِ في المغربِ، من أجلِ حصولهِ على الجنسيةِ العراقيةِ، على وفقَ الوثائقِ التي تحملُها، في وقتٍ يصبحُ العراقُ تحتَ الحصارِ، نجدُ نبيلاً محاصراً بانعدامِ الهويةِ، يطمحُ في أنْ يحصلَ على الهويةِ العراقيةِ من العراقِ الذي هو بدورهِ تحتَ حصارٍ ظالمٍ، كانتْ سيرتُهُ سلسلةً من المعاناةِ، أو العذاباتِ في واقعٍ مريرٍ، في ظلِ عقلياتٍ جامدةٍ ولوائحٍ صارمةٍ.

    أما فيما يخصُّ الفضاءَ الحكائيّ "على أنَّهُ الحيزُ المكاني في الروايةِ أو الحكي عامةً"4 فالراوي يدفعُ بخيالِ القارئِ من أجلِ تحقيقِ كشوفاتِ الأماكنِ المعقولةِ التي تصوّرُها الروايةُ منسجمةً مع الرؤيةِ التي يحاولُ الراوي طرحُها على المتلقي،  فالأماكنُ في المغربِ في معظمِها تتصفُ بالبؤسِ. من أماكنِ السكنِ الفقيرةِ، بأزقتِها وأناسِها المعدمين، وغرفةِ سكنهِ مع أمهِ، عاملةِ الخدمةِ، حين تغلقُها عليهِ عندما تذهبُ إلى عملِها وهو طفلٌ صغيرٌ، يظلُّ أسيرَ معاناتهِ وخوفهِ، ثم يدخلُ المدارسَ التي يرتادُها حين يتعرضَ فيها للعقوباتِ الجسديةِ ناهيكَ عن التأثرِ النفسي الذي يعانيه.

    الروايةُ بمجملِها سيرةُ معاناة، ومثلُ هذهِ الروايةِ تشدّ القارئ، مثلُ روايةِ "الساعة الخامسة والعشرون" لكونستانتال جيورجيو ترجمة فائزكم نقش، وروايةِ "متشرداً في باريس ولندن" للكاتب جورج أوريل ترجمة سعدي يوسف، وغيرِهما.

    تستمرُ المعاناةُ من أجلِ الحصولِ على الجنسيةِ العراقيةِ، ويطرقُ "نبيل" الكثيرَ من الأبوابِ، منها جمعيةُ حقوقِ الإنسانِ، والصحافةِ، إضافةً إلى مراجعتهِ السفارةِ العراقيةِ، وبعدَ مسيرةِ العذاباتِ والإصرارِ وترقبِ الأملِ، يتحققُ حلمهُ بالحصولِ على شهادةِ الميلادِ، وجوازِ السفرِ العراقي.

    في العمومِ هذه الروايةُ تستحقُّ القراءةَ، ونحنُ ننتظرُ ما للحكايةِ من بقيةٍ. وهلْ هذهِ البقيةُ ستسيرُ بنسقِ الحدثِ نفسهِ، أمْ يجترحُ الراوي نسقاً آخر من تقنياتِ السردِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • سيدي قُنصل بابل/ نبيل نوري لكزاز موحان/ الكتاب حياة/ ط1/ 2020
  • بنية الخطاب السردي/ نذير جعفر/ وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب/ ط1/ 2010.
  • في نظرية الرواية/ د. عبد الملك مرتاض/ عالم المعرفة – الكويت/ ط1/ 1998.
  • بنية النص السردي/ د. حميد لحمداني/ المركز الثقافي العربي/ ط1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيدي قنصل بابل ..... مأساة الرواية ورواية المأساة

عبد الكريم السامر

قاص ومترجم عراقي

 رواية (سيدي قنصل بابل)  للكاتب العراقي الشاب نبيل نوري لكَزاز موحان من الروايات القليلة التي عالجت موضوعا مهما من مواضيع الغربة العربية كما يحلو لي أن أُطلق عليها.

وربّما وحسب ما أرى شخصيا ، هي الأولى من نوعها التي عالجت موضوعا مهما عانى ولم يزل يُعانِ منه وسيُعاني منه الكثيرين من ابناء الوطن العربي نتيجة للنظرة الدونية الضيّقة التي تنتهجها الكثير من الحكومات العربية تجاه العرب الآخرين الذين لا ينتمون إلى دولهم.

من بداية الرواية في الصفحة العاشرة يشعر القارئ أنها رواية ذات مضامين إنسانية كثيرا ما تحدث في مجتمعاتنا العربية ، وأن كاتبها عاش أحداثها شيئا فشيئا ، حيث الفقر ، ونظرة التعالي من الأغنياء تجاه الفقراء وما إلى ذلك. وهذا بحدّ ذاته يمنح القارئ فرصة للتواصل مع الأحداث الواردة في تسلسل الرواية.

إنها تجربة كاتب قادته الظروف لأن يُولد من أبوين مُتباعدين في مكان ولادتهما وسكنهما وانتماءهما.

لكن هذه الظروف جعلت من حياته جحيما لا يُطاق بدءا من العمل الدؤوب للحصول على الجنسية ، مرورا بالفقر وهكذا.

من خلال أحداث الرواية تشعر بالعلاقة الحميمة والترابط الواضح ما بين الأم بطلة الرواية وولدها المملوء خوفا وامتعاضا من كلّ ما يدور حوله ، بين أم تعمل جاهدة من خلال خدمتها في البيوت لكي توفّر معيشتها ومعيشة عائلتها الفقيرة. بين أم تخاف على ابنها من أن تتركه وحيدا عند ذهابها لتأدية عملها فتعمل على إقفال الباب خلفها تاركته خلف ذلك القفل يعيش غربته الثانية.

ونتيجة لذلك يعمل ذلك الطفل على التعايش مع واقعه الجديد ، مُحاولا خلق بيئة خاصة به للعب والتواصل مع حياته الجديدة.

وكأنه بذلك يُريد أن يعطينا درسا في كيفية أن تكون قويا في عالم الوحدة التي تعيشها طول النهار.

 لقد عمل الكاتب في هذه الروايا على الانتقال بنا من موضوع إلى آخر بسلاسة وحبكة جميلة ومتواصلة.

فهو تارة يعمد على تشجيعنا للاستفادة من الوحدة وكيف يُمكنك أن تكون قويا فيها كما في الفصل الثاني من الرواية.

وتارة يسحبنا نحو حلم يحمل همّا ثقيلا وشديد يتمثّل في على الهوية في وطن لا يُريد أن يعترف بك ابنا من ابناءه كما في الفصل الثالث.

واخرى يتسابق فيها مع همومه ومآسيه ومتاعبه لكي يلعب ويلهو ويضحك ناسيا كل تلك الأمور بالرغم من ثُقلها كما في الفصل الرابع.

وفي الفصل الخامس يعمل الكاتب على تعليمنا كيف نكون مختلفين ولا يتكرّر معنا ما عشناه سابقا عندما ننتقل من مرحلة إلى أخرى. فهو يُريد القول هنا ان ما كان عليه أن يعتمده في المرحلة الابتدائية من الدراسة يجب أن يختلف عنه في المرحلة الاعدادية حيث واجه الكاتب أسلوبا جديدا في الدراسة والعلاقات والإدارات.

من هذا يُمكننا القول أن رواية سيدي قنصل بابل يمكن أن تُعد روايات داخل رواية ، فهي من جانب تحمل مأساة مرحلية ومن جانب آخر تحمل مآسي دائمة لا تُريد أن تنتهي أو تتوقف.

إنها حقا رواية تسحب القارئ نحو تُرّهات وارهاصات الأفكار والقوانين العربية البالية والتي ما عادت تصلح في وقتنا هذا.

هي رواية حقائق في ثوبٍ جديد.

 

رواية سيدي قنصل بابل

غياب الأب مقابل حضوره الكامل على الغلاف

محمد عبد حسن

 أول لقاء بين المؤلف والمتلقي يتم عبر عتبة النص الأولى: غلاف الكتاب.. بكلّ تفاصيله. وما يتركه هذا اللقاء من أثر أوليّ سيكون مهمًّا في جرّ القارئ لتقليب صفحات الكتاب بحثًا عمّا يحقق وشائج أخرى معه؛ وبالتالي اقتناءه.

الانطباع الأولي المتولد لدي كقارئ، وأنا أتفحص الغلاف الأمامي لرواية (سيدي قنصل بابل)(*)، هو أنني أمام رواية تاريخية.. تكرّس ذلك صورة البرج. غير أنّ غلاف الرواية الخلفي يبدد هذا التصور حين يعرّف العمل على أنّه "رواية تحكي حياة مواطن لدولتين عريقتين".

الأكثر إثارة، في عتبة النص الأولى، هو لجوء المؤلف إلى تعريف نفسه باسم طويل، يموضعه تحت العنوان، بعيدا عن الأسماء المختصرة والتر تقتصر غالبًا على الاسم واللقب أو المدينة وغير ذلك.

وبعيدًا عمّا إذا كان (نبيل نوري لكزار موحان) هو الاسم الحقيقي لمؤلف الرواية أو اسمه الإبداعي.. فإنّني، كمتلقٍ عراقيّ، أفهم أنّ إيراد الاسم الرباعي، الذي نطالب به في معاملاتنا الرسمية، يكون لإثبات الانتماء، ولحسم حالة تشابه الأسماء، التي قد تحصل، عند الاكتفاء بالاسم الثلاثي.

*                                                       *                                       *

                   "الكتاب هو سرد لحياة شخصيّته الرئيسية" (المقدمة ص7). فنحن أمام رواية سيرة، لأم وابنها، كتبت بعفوية ودون تزويق لترسم تفاصيل ما يعيشه الفقراء في المملكة المغربية.. وبلا أيّ إشارة لسبب غياب الأب الحاضر في ذهن كلّ من الكاتب والقارئ معًا، حيث كرّس الكاتب هذا الحضور / الغياب دون أنْ يشير إليه صراحة حتى الصفحة (23 - 24) من الرواية:

    "-    أبوه ليس مغربيًّا كما أرى... أين والده الآن؟

  • إنّه في العراق سيدي القاضي.
  • وهل يرسل لك نفقة ابنه؟؟
  • لا سيدي ليس لنا أيّ اتصال معه. وهو لا يبالي بمصير ابنه".

         *                                           *                                                      *

                   صورة الأب المتولّدة في ذهن الفتى، عبر مرويّات أمّه، هي صورة بلا ملامح واضحة، وهذا الحضور غير المكتمل لا يكاد يغيّر شيئًا من حقيقة ما يشعر به الفتى. ويتجلّى ذلك بوضوح في هذه الوحدة السردية من الرواية (ص28):

 "سألتُ أحد زملائي عن كيفية رسم رجل؟؟ فوصفها لي بعدّة خطوط ودائرة للرأس. فطبقتها مباشرة على ورقتي. مع ذلك لم أحصل على النتيجة المرتقبة لأنّ رسمي لم يغيّر شيئًا من حقيقة الورقة الميتة".

وحتى ما سردته الأم بعد ذلك في ص38 من الرواية وما بعدها كان مقتصرًا على سلوك الأب ومفتقرًا لملامحه.

*                                               *                                               *

   لا تخلو الرواية من إشارات مهمة يمكن التوقف عندها.. مثل تكريس الطبقية وفقدان المساواة في مكان لا فضل فيه لأحدٍ على آخر إلا بالتقوى:

"كان الكتّاب مقسّمًا إلى ثلاث طبقات اجتماعية، النخبة ................... وقدماء المحاربين ................ أمّا المجموعة الأخيرة فهي الغالبية المهمّشة التي تزدحم كالديدان داخل الكتّاب"..ص18.

وكذلك عن شكل المعاملة (التفضيلية) التي حظي بها الراوي كـ(ابن خادمة).. ص17 وَ ص30، إلا أنّني آثرت التوقف عند ثيمة غياب الأب الفعلي المرافق لحضوره كاملًا على غلاف الرواية.. وبأسماء قد يتميّز بها الجنوب العراقي حصرًا لتأكيد الانتماء لهذا الجزء من الوطن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): سيدي قنصل بابل / رواية – نبيل نوري لكزار موحان – الطبعة الأولى / أيلول 2020

                   دار ومكتبة الكتاب حياة / البصرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

((خارج نطاق الانتماء))

 

قراءة سريعة في رواية ( سيدي قنصل بابل ) للروائي العراقي المقيم في المغرب

       ( نبيل نوري )

 # عبد السادة البصري

 كم هو صعبٌ ، وثقيل الوطء على روحك ، حين تشعر أنكَ غريبٌ اينما حللت ؟!

وكم هو صعبٌ ، أن ينكرك الوطن الذي تعشق الانتماء اليه ؟!

وكم هو صعبٌ ، أن تجد نفسك معلّقاً بين السماء والارض ؟!

لا أنت هنا ، ولا هناك ، كما يقول المثل الشعبي :ــ ( لاني لهلي ولاني لحبيبي ) !!

هذا مايرويه لنا في روايته السيرية الحقيقية ، الكاتب الشاب ( نبيل نوري لكزاز موحان ) ، الذي كان نطفة في رحم أمه حملته الى بلدها  مرغمة ، نطفة تخلّقت شيئاً فشيئا ، لتعود به الى موطنها الام ــ المغرب ــ بعد أن انفصلت عن زوجها العراقي نتيجة اصرار والدته على التخلص منها وطلاقها ، ليأتي المولود غريب الانتماء متوزّع بين العراق والمغرب ، لا يرتضيه هذا البلد ابناً ، ولا ذاك يرتضيه مواطناً مقيما ، فتبدأ رحلة معاناته في البحث عن الهوية الحقيقية للإنسان التي يفتقدها الفرد في ظل انظمة متسلطة لا تؤمن بإنسانية الانسان ابداً !!

طفل صغير فتح عينيه على الدنيا لم يرَ اباه ، امه فقط هي التي تكفّلت بتربيته ومعيشته ، لا يعرف عن ابيه شيئا سوى انه من العراق فقط ، ليبدأ بالتشكّل الانساني والروحي من خلال تواجده في أماكن لاينتمي اليها روحيا أبدا !!

من العنوان نعرف أنه يحاكي المسؤول العراقي بشكل خاص ، ويؤكد انتماءه الى ارض الحضارات الاولى ، وبداية الخلق البشري ،كما يحاكي المسؤولين العرب بشكل عام ، لأن الانظمة العربية جميعها تتصرف مثل بعض ، تنكر ابناءها ، بل وتقتلهم اذا وقفوا بوجهها مطالبين بأدنى حقوق المواطنة الانسانية المهدورة !!

تقسم الرواية الى سبعة أقسام ، أو فصول هي سيرته الحياتية من الولادة مرورا بالطفولة والصبا وحتى الشباب ، يبتدئها بــ ( ولادة وبداية متعسّرة ) سارداً فيها معاناته في بيوت الدايات ( المربيات ) وكيف يعاملنه بقسوة  لامثيل لها رغم انهن يأخذن تكاليف التربية والاحتضان لفترة عمل امه في بيوت الميسورين ، ناقلا لنا مايدور في هذه البيوت من اسرار وحكايات ، بالإضافة الى وصف معاناة امه في البحث عن لقمة عيشهما ، وتحمّلها مشاق الخدمة في البيوت وماتصادفها من مواقف ومشاكل وعقبات ، ثم بقائه وحيدا في غرفة مقفلة طيلة ساعات النهار وبعض من الليل هي فترة عمل امه ، ( اذا اردت أن تصبح قويا ، تعلّم أن تستمتع بكونك وحيدا) ، ثم يظل يروي رحلته المتعبة في البحث عن هويته الحقيقية التي ينتمي اليها عن طريق الاب ، وكيف تجابه طلباته وتوسلاته من قبل المسؤولين على هذا الوطن بذرائع وحجج واهية لتأخير معاملته أكثر من اللازم ، ما يضيف الى قلقه ومعاناته قلقا ومعاناة اكبر، ويتركه عرضة لمشاكل ومواقف صعبة كثيرة ( الحلم بهوية وطن خلق ليحتويني ) ، كونه يعيش على ارض غريبة ، لا ينتمي اليها الاّ بالإقامة حاليا فقط ، لكنه يتغلب على مشاكله وهمومه وما يحصل له :ــ ( نلهو ونضحك رغم مأساة كل شيء ) ، ويبدأ بتكوين عقليته التي سيشب عليها والتفكير بحياته المستقبلية رغم كل شيء ، يدخل المدرسة ، ثم الثانوية ليتركها الى معهد صناعي ليتعلم مهنة يستفيد منها ، ومع هذا الدوران يبقى مصرّاً على حصوله على الجنسية العراقية من خلال تكرار مراجعاته ولجوئه الى منظمة حقوق الانسان ، ونشر حالته في برنامج تلفازي ليضع المسؤولين امام الامر الواقع ، وبالتالي  الرضوخ لمطاليبه ، والموافقة على منحه الجنسية العراقية !!

نبيل نوري ، من خلال سرده الحياتي هذا يشعرنا ، كم أن هناك قسوة كبيرة في نفوس البعض ، حيث يقول :ــ ( لا أعرف من أين أتوا بهذه القسوة ، رغم أن الحياة عاملتهم أحسن منّي ؟! )

لينهي روايته بخلاصة نهائية هي تفسير لكل ما نعانيه جميعا في بلداننا ، وتحديدا العربية فقط :ــ ( نحن لا نعيش في أوطان ، ولكن  مجرّد فنادق ينتهي مقامك بها عندما يفرغ جيبك ) !!

مبارك لنبيل هذا السفر الانساني الاول ، وشكرا له على هذه الرحلة رغم ما فيها من آلام ومعاناة .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

               لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية

               (سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري

مقداد مسعود

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها بتشريعات،لا تواكب المتغيرات المجتمعية، فهذا التواصل الدستوري  تدميراً إلى فئات فاعلة  من مواطنين هذا البلد أو ذاك، لذا سيكون النضال ضد تلك الثوابت ضروريا جدا، من خلال المظاهرات ومنظمات المجتمع المدني والصحافة والمسرح والسينما والتشكيل والأدب. وهذا تجسد في فيلم (أريد حلا) بطولة فاتن حمامة  .. جون شتاينبك الروائي الأمريكي انتصر للعمال الزراعيين / عمال المواسم في رائعته الخالدة(عناقيد الغضب).. كما انتصرت الروائية سعداء الداعاس للبشرة السوداء في روايتها(لأني أسود) وفي (رغوة سوداء): بدد الروائي حجي جابر أوهام يهود الفلاشا  وهم يهاجرون إلى إسرائيل. المواطنون البدون في الكويت  تناولت وضعهم القاسي  بثينة العيسى في روايتها( إرتطام لم يسمع له دوي) وإسماعيل فهد إسماعيل في روايته( في حضرة العنقاء والخل الوفي) والأقليات المضطهدة في العراق، تألق عبد الكريم العبيدي في روايته (معلقة بلوشي) وضمن هذا الحقل السردي،صدرت (سيدي قنصل بابل) لاسم جديد في الرواية العراقية : نبيل نوري لكزار موحان .

(*)

 تلتقط قراءتي المنتجة هذه المحاورة القصيرة بين القاضي والأم :

    (- أبوه ليس مغربي كما أرى.. أين والده الآن؟

  - أنه في العراق سيدي القاضي

  - هل يرسل لك نفقة أبنه؟

- لا سيدي ليس لنا أي أتصال معه، وهو لا يبالي بمصير ابنه/24  )

نلاحظ أن عدالة القاضي المغربي آيلة.. لم ينتصر للزوجة المغربية التي أذيت من جيرانها المغاربة !! ربما لأن زوجها ليس مغربيا. لم يفكر قانونيا  بمساعدة الزوجة المظلومة.. من المؤكد أن القاضي مستقيم كالروتين .

(*)

هي رواية عراقية مؤلفها من البصرة ويعيش في المغرب: تتناول موضوعة جديدة في الرواية العراقية فالشخصية المحورية (ابن لوطنين وليس لديه أية جنسية../6 ) وهذه الأثنية هي الخلية الموقوتة في الرواية

(*)

الابن أقتحم حياته الميدانية في خطوة للأمام مستعملا كل وسائل الاعلام للحصول على أستحقاقه العراقي من بلاده، لم ينتظر أبا يستيقظ ضميره، وهو لم يسأل أمه سوى مرة واحدة عنه..

(*)

أم ٌ بطولتها بالحفاظ على وجهها بالكدح الدؤوب(كانت أمي تتركني عند الأقارب لتتمكن من الذهاب للعمل كخادمة في البيوت../8 ).. السارد يسترجع زمنا متغبشا

(لم أكن في سني أميز مكانة المحيطين بي ونوع الصلة التي تربطني بهم. لكني كنت أعرف من تلك السيدة التي تتقدم نحوي،انها أمي..أخذتني من بين يدي البنت للتوجه بي إلى مكان ما،لا أعرفه لكني حتما سأشعر بالأمان فيه مادامت هي معي.أنها أقدم ذكرى لي..) يتسايل غبش التذكر لدى السارد وهو يستعيد لحظات ٍ بئيسة (لا أتذكر الكثير عن ذلك المكان../ 9 ) وهناك ضبابية تلقٍ لديه أثناء زيارتهما: هو وأمه لأحدى صديقاتها..(الإصغاء لحوارهما الذي لا أفهم منه شيئا. سوى أنه لفتت انتباهي كلمة شتم تفوهت بها أمي وهي منفعلة في التحدث عن أحدهم../ 14). الأم في ( سيدي قنصل بابل ) تعيديني إلى ثلاثية الروائي السوري الكبير حنّا مينه : (بقايا صور)(المستنقع) (القطاف)

(*)

في طفولة السارد  يهيمن المتخيل آنذاك فهو يتذكر كوةً مربعةً لتهوية غرفة (كلما أطللت من فوقها لم أشاهد سوى الظلمة التي كانت قائمة بما يكفي لأنسج آنذاك في مخيلتي الصغيرة أصنافاً من الأساطير حولها.مثل وجود عفاريت أو أنها هوة بدون قعر، ففي تلك المرحلة من طفولتي كان يكفي أن أتخيل شيئا حتى اتعامل معه على أنه موجود فبالنسبة لي طالما استطعت تخيله،إذن لا شيء يمنعه أن يكون../9 )..

(*)

 طفولته البئيسة  جعلته لا يرى أمه إلاّ يوما في الأسبوع وهو يوم عطلتها  وفي سائر الأيام ينجذب الطفل إلى شفاهيات رجل يطلق عليه بابا حمد (كنتُ أفضل رفقة بابا حمد، لكثرة القصص التي يحكيها لي فكلما استيقظت صباحا ذهبت للبحث عنه في غرفته الموجودة في آخر زاوية للمنزل../ 10 ) .. من مؤثرية تلك الشفاهيات ربما ينطلق المؤلف لتسريد مكابداته  سيرة ً روائية ً

(*)

هذه فهرسة قراءتي الثانية للرواية :

السيرة تقاس بتنقلات السارد المكانية

*بيت الخال

*بيوت الجارات والأقرباء

*الشخصية المحورية : الأم

*الأم محجوبة : مسؤولة عن حضانة مجموعة أطفال في بيتها مقابل أجور

*النقلة الكبرى ذهاب الابن إلى الضيعة مع العائلة التي تخدم فيها امه

* متغيرات النقلة على وعي الطفل/16-17

*خصوصية جميلة/18

* الكتّاب /19

*ألم الوحدة في المكان/ 20

*صعوبة تجربة/ 22

* استعادة الأب شفاهياَ لأول مرة /24 / معرة الأب/ 41 وهنا سارد ثان يومض/41/ نذالة الأب / 43/ سطوة الجدة/ 43

* الأعتداء الأول على الام/25

*مكان آخر للولد /25

* نقلة سريعة /27

*تأجيل سرد البوح/28

*سعادة المحروم/ 29/39

* الأكتشاف السعيد 30

*تحول جديد/ 31

*سرد كوني/31

* تعويض الغياب /32

*نقلة /32

*جنس أوّل /33

*ماما حليمة/34 /53

*خباثة السارد/37/ 38

* كنز الولد/42

*قنصل السنغال/44

* شهادة الميلاد تطرده من المدرسة/47

*48/ مفتش التربية الطيب

*ولدٌ ماكر/ 50

* وحيد/ 51

* جريء /51

* بنت عكس الولد /52

* أم فطنة /52

*انتصار عظيم/54

* تلفزيون/ 55

*نورس الحقيبة / 56

* ماكر ثانية /57

* أفكرّ في الله/ 74

*الزوجة اللئيمة /90

*السفارة العراقية/ 92 – 93

*اضطهاد عمل الأم /94

* اضطهاد عمل الابن /95- 96

(*)

في البيوت تختلف طمأنينة الطفل: بيت الخال بمثابة هبوط عاجل بالنسبة للأم ، الطفلُ آنذاك ذاكرته أكثر طفولة ً منه : طفل بذاكرة ٍ بكر لم تطمثها الأحاسيس، وبشهادة السارد/ المؤلف وهو يستعيد ذلك الطفل الذي كانه ُ(لم أكن أميز مكانة المحيطين بي ونوع الصلة التي تربطني بهم، لكني كنت أعرف من هي تلك السيدة التي تتقدم نحوي،أنها أمي،أخذتني من بين يدي البنت، لتتوجه بي إلى مكان ما../8 ) الأمان الذي خرّبهُ الأب / (المؤنث) بمؤثرية قسوة أمه

التي هي جدة الطفل الذي ارغمت الأب العراقي البصري على تطليق زوجته المغربية بلا سببٍ.. هنا يحصل القارىء على سرد مؤجل لا يبثه الولد المهيمن على سرد النص. بل تبثه الأم، ليس للقارىء كما يفعل السارد المطلق الابن

أعني أن سرد الأم مبثوث لولدها وسيكون القارىء : الشخص الثالث بينهما

والقوة الدافعة لسرد الأم، تأتي من خارجها من قساوة المجتمع الذي يلقن الطفولة قسوة ً آسنة ً (عادة بعض أطفال الحي الذين أتشاجر معهم يقولون لي : أذهب للبحث عن والدك/ 41 ) ومن كلام الأم لولدها المتوجع  سنعرف الأب من خلال كلامها عنه : (أما أمي فعندما أحكي لها عن الموضوع تجيبني أن أبي عراقي وتريني شهادة ولادتي من مصلحة الأجانب وكل الوثائق التي بحوزتها، موضحة لي أنه ينقصني التسجيل بالقنصلية العراقية فقط) نلاحظ أن الولد يصادر صوت الأم وينقل كلامها للقارىء على لسانه هو!! ثانيا : توقفت كقارىء وقفة ً عميقة عند هاتين الكلمتين: المضاف والمضاف إليه(مصلحة الأجانب)!!  وليس مصلحة العرب . ثم يستدرك/ يصغي الابن للأم وهي تسرد وجيز روزنامة الأب المأزوم الضمير. سرد الأم يشكل حيزا ً ضمن الفضاء النصي الذي هو بسعة مئة صفحة من الحجم المتوسط. مساحة الحيز من ص38 إلى منتصف ص40، والد نبيل صار ثريا بالمصادفة حين كان يتاجر بالملابس البالات/ المستعملة(وجد مبلغا محترما من المال في جيوب أحد السراويل القادمة من فرنسا/ 39 ) وكان يحب السفر  والتقى بالمرأة اللامسماة في الرواية والتي ستكون أم نبيل . ونلاحظ أن الرواية مهداة لها بصفتها أما مع تغييب اسمها (إلى أمي التي لن تقرأ هذه الكلمات../ 15 ) وستذهب هذه الزوجة المغربية للعيش مع زوجها العراقي البصري في البصرة وتتجرع المر ثلاث سنوات في جحيم من صناعة والدة زوجها وسيزداد الجحيم جحيما حين يريدها زوجها ا أن تكون مربية لأولاده من زواجين فاشلين، ويطالبها بالأجهاض حين تخبره أنها حامل !!

(*)

ستلد ولدها في المغرب سيكون كل مكان بشفاعة أمه يبث طمأنينة ً.( حتما سأشعر بالأمان فيه مادامت هي معي) كأن الأمكنة ستترحم – الرحِم – وتحنو عليه .. ولهذا الحنو مؤثرية مضادة على الأم، فالطفل بِلا أخ أو أخت أكبر منه والأم عليها أن تعمل لتعيش وتعيّش ولدها الأوحد من خلال خدمتها في البيوت، لكن البيوت تحتاجها خادمة وترفض ابن الخادمة، فهو سيقتطع من وقت عملها في البيوت وهنا استجدت (صعوبة قيامها بواجباتها المهنية والاعتناء به في نفس الوقت) وهكذا كان ولدها يتسبب بقطع رزقها من البيوت. الحل الوحيد ليس ترفا، لكن لا بد منه،  وهذا الحل هو ظاهرة اجتماعية تكابدها خادمات البيوت اللواتي ترغمهن ظروفهن أن يودعهن أطفالهن، لدى مربية أطفال.

(*)

هنا سينتقل الطفل من الأم حسنة إلى الأم محجوبة :تترك الخادمات أولادهن لديها، مقابل أجور، ويستعيدهن يوما واحدا فقط (يوم الأحد  /11) وبسبب تنقلاتها من مخدومين إلى مخدومين سيحرم الطفل من حرية يوم الأحد، وعليه المبيت وحده في البيت/ ص22والسؤال المقلق كيف يبات طفل ٌ وحده في غرفة مغلقة عليه والمفتاح سيكون في حوزة الأم؟ كيف ستمر الساعات على طفل ٍ ليس معه سوى خوفه من الليل ومصباح  يبقيه يقظا، وبشهادة الطفل(وهو مشتعل كنت أخاف من إقفال جفني / 22 )

(*)

الأم تشقى لتسعد ولدها وتحصّن كرامته، الأب تخلى عن ضميره وفرّ فرار العبيد

الأم وابنها يتنقلان من حيز إلى حيز في المغرب والأب مستقرٌ في طمأنيته العائلية تحت أفياء سطوة أمه  في البصرة.. للولد أحتباسات أسئلته اللاجواب لها (ونحن في الطريق أمطر أمي بأسئلة كثيرة عن كل ما يلفت انتباهي لكن معظم أجوبتها كانت تقتصر على عبارة،، عندما تكبر ستفهم،، / 13 )

(*)

تلاحظ قراءتي أن سيرورة الرواية تتباطىء  وهذا الحال يجعل الخيط المسموت بين القارىء والمؤلف يتراخى أحياناً.. الفضاء النصي مشحونٌ بمكابدات شتى للأم وولدها، لكن ذلك لا يشفع للمؤلف بل يطالب بتسخين الوحدات السردية ليكتوي تلقي القارىء وهكذا ينسمت الخيط بينهما : المؤلف ------ القارىء

(*)

التقط وحدة سردية مشعرنة بشحنة الحرمان  جماليات الإبداع: يقتنص المؤلف لحظة مرور الطائرات : يتحوّل الأب المتملص من مسؤوليته حاضرا وشاهقا ً في طيارة ٍ يقودها، من خلال بياض الكذب في ذواكر فتيان  يعانون من عوز أبوي (أما أوقاتنا في الحديقة فتجري كالعادة بين الركض هنا والتأرجح هناك. ما عدا لحظة مرور إحدى الطائرات العملاقة فوق رؤوسنا. مخترقة عالمنا السحري، نرفع رؤوسنا نحوها، كل واحد منا يشير لها بيده ويصرخ،،إنها طائرة أبي،، إنها طائرة عمي،، فأدعاءاتنا كانت تتشابه لأنها تأخذ من قاسمنا المشترك في غياب الأب مصدراً لها. من يدري ربما لم نكذب، ربما كنا نأمل فقط بصوت مرتفع../ 32  ) .. سردية المؤلف نبيل تمارس حفرياتها في حيز ٍ صلدٍ وهذا قدرها المصنّع لها من خارج النص، لكن هذا التصنيع الخارجي هو وحده من يتدفق بكل ثقله في هذا الحيز، وفي النهاية ينتقل النص من الحيز إلى الفضاء الرحب، وهنا : تنبجس أشكالية أثنية المؤلف/ القارىء..(في نقطة تكون المنطلق لرحلة تنعتق فيها أشواقهما معاً، وتلتقي خطواتهما، أو يظلان عابرين في طريق يحجب غباره أحدهما عن الآخر/ الد كتورة  نجاح العطار/ قراءة  ... بطريقة ما/ مقدمة رواية  الشمس في يوم غائم/ للروائي حنّا مينه  )

(*)

وظيفتان للأم في(سيدي قنصل بابل).

*الوظيفة الطبيعية

*الوظيفة التعويضية : فهي ام واب للولد الوحيد البئيس.. هي تحريره الاقتصادي من المذلة وحاميته من التلوث الأخلاقي.

(*)

سينتصر الولد المشطور بين وطنين : العراق / المغرب ويحصل بعد سقوط الطاغية على الهوية العراقية من القنصلية العراقية في المغرب، ولولا أمه ونضالها الدؤوب  لما استعاد عراقيته الرسمية الموّثقة

(*)

إمرأتان في الرواية، الأولى مختزلة بنصف سطر(فقد كانت جدتك تخلق جحيما) وهو اختزال لثلاث سنوات من الجحيم في العيش معها،هذه المرأة هي أس المشكل، سطوتها جارحة وهي المتسببة بكل هذا الظلم الذي دمرّ حياة شخصين

ونلاحظ أن الأب مزدوج الغياب : غائب في حضرة أمه بلا حول ولا قوة

وغائب عن ولده.. وهذا الغياب هو أقصى مديات التردي السلوكي

المرأة الثانية هي المرأة المغربية : الزوجة المظلومة والأم البئيسة التي لم يذبل أصرارها :  دفاعا عن عراقية ولدها الوحيد..

*نبيل نوري لكزار موحان / سيدي قنصل بابل / دار ابن النفيس/ عمان / ط1/ أيلول / 2020

* ط2/ دار ومكتبة :الكتاب حياة / العراق – البصرة – شارع البصرة الثقافي

  

عرض مقالات: