من الفرادات التي تثيرنا في عالم الأدب وتبهرنا كثيرا ما وصل اليه الروائي المعروف فرانزكافكا من ذياع صيت وشهرة واسعة بعد مماته، على الرغم من إن منجزه الأدبي لم ير النور في حياته؛ فلم يتوج عملا له بالنشر في الصفحات الثقافية بل انه كان يمزق اغلب ما يكتبه، بيد إن الفرادة التي تدهشنا اكثر أن يقوم الروائي (ميشائيل كومبفمولر) بالصياغة الأدبية للسنة الأخيرة من حياة كافكا وهو يصارع مرض السل في روايتة روعة الحياة الصادرة في مصر، ترجمة هبة الله فتحي .
ترى ماالذي يدعو لكتابة عمل روائي وحصره بأحداث سنة معينة بعد أن كانت الرواية تشتمل على أجيال وحقب ومراحل في نموها وتطورها من قبل الأدباء؟ وهل إن هذه السنة جديرة بأن ننشىء من متغيراتها واحداثها ما يُكون عملا روائيا متكاملا لذلك الروائي السوداوي النزعة ؟
للإجابة عن تساؤلاتنا لا بد أن نوضح إننا حين نقرأ رواية (روعة الحياة) نخرج بأستنتاج إن الروائي أراد أن يضيء لنا جانبا مغايرا لما هو معروف في الذاكرة الجمعية الأدبية من إن (كافكا) كان معروفا بتشاؤميته وكتاباته الكابوسية والسوداوية، عارضا لنا قصة حبه لدورا التي خاض تجربة الحب معها في سنته الأخيرة قبل موته بعد فشل لتجارب حب عاشها بسبب مرضه وبسبب نزعاته وغرائبيته التي لم تكن على مستوى من الفهم الكافي من لدن حبيباته السابقات، الرواية تتصفح مرارة التجربة القاسية لفرانز الذي لم يغير الكاتب اسمه في الرواية إدلاءً منه بواقعية أحداثها وشخوصها، حتى شخصية دورا هي في الحقيقة اسم الحبيبة التي بقيت مع كافكا حتى مماته تشاركه الوجع وتتنقل معه من مدينة لأخرى طلبا للعلاج أو ايجاد طقس ملائم لحالته المرضية فضلا عن انتقاله في النهاية من مصحة لأخرى بعد تدهور حالته الصحية وما بين هذه التنقلات نجح الروائي في وصف واقع القلق والانزعاج من هول انتظار موعد الحمى ومراقبتها وواقع التماسك والتشبث بقوة النفس التي كانت تستدعي فرانز لممارسة الكتابة حتى وصل الى اشد حالات المرض فلم يعد يقوى على فعل اي شيء، وكأن الروائي قصد ابراز الجانب الايجابي في ذاته كي يكون صراعه مع المرض هي فلسفته التي تضبط له تداعيات معاناته مع أمرين اولهما شعوره بعدم الجدوى من الحياة ومن المقاومة وثانيهما عثوره المتأخر على حبه الذي لا يستطيع تقديم أي شيء لإدامته .
استطاع الروائي أن يوظف شيئا من الخيال حتى يضفي على عمله نوع من التشويق من خلال أخذ القارئ الى عالم جميل من السرد الحالم العاطفي على الرغم من إنه لم يغفل الواقع الصعب الذي اكتنف تلك الفترة خاصة ان احداث الرواية كانت تحمل من البؤس الكثير؛ ذلك إن احداثها نشأت مابعد الحرب العالمية الأولى وتلك فترة تميزت بارتفاع الأسعار وتدهور الاقتصاد في المانيا لتُكون تلك الظروف سلسلة من الضغوطات التي تجتمع مع المرض على كاهل فرانز وتصيبه بالاكتئاب؛ وذلك يعطي مشروعية الأحساس بالخوف الذي غلف الرواية وتلك من الصفات الغالبة على طبيعة ادب كافكا فضلا عن عبثيته المعهودة التي أثارت الروائي ميشائيل كي يتوغل في بنيتها عميقا في محاولة للامساك بجذورها الغائرة عبر تأملات تفعل فعلها في النفس البشرية وتؤدلج حالة الاغتراب والشعور برغبة شديدة نحو الانعزال والتوحد مع الذات برفقة حبيبته دورا على الرغم من ايغاله بالقسوة والأذى الذي طال أدق تفاصيل الحياة ذلك إن التجربة الأنسانية بينهما وصلت ذروتها حتى إن فرانز كان شديد العناية بمظهره وأن كان يمر بأقسى احساس من الالم فهو لكي يفطر مع دورا صباحا كان يصر على ارتداء بزته الجميلة والوصول الى كامل أناقته، كان يحدثها على قراءة ما يكتب ويراسلها يوميا عندما تكون بعيدة عنه في مدينة اخرى .
تميزت الرواية بمقاماتها الدلالية التي لا يمكن أن تتداخل أو تتشعب على وفق بنية لغوية حرص فيها الروائي ومن بعده المترجم على تحدي الحدود الاقليمية فيها وتجاوزها بحثا عن آفاق العالمية التي أُجيدت ترجمتها و تظافرت فيها التناغمات السردية سواء عن طريق الحوار أو عن طريق المشاهد التي ترسمها المفردات الموحية لتدلي بذلك التوحد النفسي مابين الحبيبين بشكل متقن فلا غموض ينتابها ولا تعقيد يعرقل حركة الروي أو يكبح جماح الفكرة التي تحتضن النص بعد أن اتخذ فرانز قراره وعرف مصيره بالأرتباط بدورا الى أخر لحظة من حياته .

عرض مقالات: