حلم وتراب، مجموعة الشاعر المُغيّب ( أبو سرحان)، صدرت عام 1972. وقد حققت حضورها الإبداعي بصوت عال لما تضمنته من قصائد تنتمي إلى الشكل الجديد في الشعر الشعبي العراقي الحديث، وبمضامين عميقة متنوّعة تشترك في دلالة التسمية الموحية: حلم وتراب.
في كتابي (أبو سرحان.. كرستال القصيدة الشعبية العراقية الحديثة) الصادر عام 2013 تناولت الكثير من الجماليات والملامح الفنية الشاخصة في شعر الشاعر، وكذلك دوره الشعري في الأغنية العراقية السبعينية.
من مجموعة (حلم وتراب) لُحّنت بعض القصائد، وأصبحت من الأغاني التي تمثّل تحولاً كبيرا ً في مسار اللحنية العراقية: شوك الحمام، الكَنطره ابعيده، ابنادم، كرستال. ونتيجة لتضافر عناصر الشعر واللحن والأداء، فقد كانت هذه الأغاني / القصائد تصطف في الخط التجديدي الأول للأغنية العراقية السبعينية. كما تم تلحين بعض أشعار الشاعر من خارج (حلم وتراب) والتي يبدو أنها كتبت اساسا ً لتكون أغنيات، حيث الشكل والبناء المغايرين لطبيعة تشكيل القصيدة وعناصرها الفنية المعروفة، إلّا أن هذه الأغاني قد حققت حضورا ً لا يقل أهمية عن حضور الأغاني / القصائد من داخل (حلم وتراب). ورغم البناء المألوف لشعر هذه الأغاني إلّا أنها توافرت على جماليات غير مألوفة - في شعر الأغنية الشائع – من حيث التشكيل الصوري وحداثة الموضوع والمفردات النادرة. وقد كتب القاص والناقد (سعدي السماوي) دراسة مهمة عن أشعار هذه الأغاني، نشرت في مجلة (التراث الشعبي) منتصف السبعينيات، أوضح فيها براعة الشاعر وممكناته الفنية العالية.
إن شيوع تلك الأغاني ووقعها الفني، جعل الشاعر في موقف الإلتفات إلى ملمح فني جديد يحسب له، ويبرر جدوى أن يضمها في كتاب شعري لاسيما وأنه لم يكتب قصيدة بعد صدور (حلم وتراب) على حد علمي قبل أن نفترق عام 77 بعد تدهور الوضع السياسي واعتقالي. وهكذا جمع أشعار الأغاني في مخطوطة أسماها (واحات) أملا ً أن تنشر في كتاب يصدر عن دار الأديب البغدادية – الدار التي طبعت (حلم وتراب). وقد ضمّت المخطوطة الأغاني الآتية:
تانيني، وين يالمحبوب، حاصوده، خيّوه، شدّات الورد، لا لا لول لوّه، راح ابويه بالسلامة، بيت الحزب بساتين، لولي يناكَوط الماي، الهيوه – همّه الثلاثه للمدارس يروحون، وغيرها مما كانت في طريقها للتلحين. إلّا أن تدهور الوضع السياسي عام 1978 إضطر الشاعر إلى أن يغادر العراق إلى المنفي، تاركا الإبن والزوجة والإرتباطات الاجتماعية، وكذلك (واحات)، ومنذ تلك اللحظة ضاعت (واحات) في تلافيف النسيان. وقد ذكر لي أحد المقرّبين للعائلة بأنها أحرقت مع غيرها تحسبا ًمن مداهمات السلطة لمنزل العائلة. لكن جمع تلك الأشعار / الأغاني واصدارها بكتاب يبقى دينا في أعناقنا، وفاء وتقديرا لشاعر مجدد ملك الحضور والغياب.. وبانتظار الفرصة السانحة ...

عرض مقالات: