(1)

 كلّ ما هو منعكسٌ حبيسُ الصّورة التي ينعكس فيها سواء على وجه ماء أو في مرآة أو أيّ عاكس آخر. من هنا أليست صورة الشّيء المنعكس قد فقدت هويّتها الأصلَ لحساب ما أصبحت عليه، لحساب الصورة بوصفها منعكسةً، ذلك أنّ الصورة الأولى حقيقيّة، فيما الثانية شبه ذلك، أي مزيّفة لأنّها قد تحوّلت إلى منظر أصبح صاحبها نفسُه يرى إليه كما سواه من النّاظرين منعكِساً؟. كلّما نظرت إلى صورتي في الماء أشعر أني مبتلٌّ، وإن كان زمن هذا النّظر شتاء أشعر بالبرد، وإن كان ماء نهرٍ أشعر أنّي طافٍ وقد أوشِك على الغرق!. أمام هذا المنظر ستسخر الفيزياء وفي الوقت نفسه سيثنّي التأمّلُ عليه، ذلك أنّ الصورة المُتأمَّلة ((ليست مأخوذة من العالم، فهي هنا تتخطّى العالم إلى ما بعدَ ما هو مدركٌ حسّياً)). إنّه التأمل بوصفه صوراً معكوسةً في منظر تتطلّب منّا نحن أصحابَها النّاظرين إليها(إلينا) طاقةً شعريّة سيكولوجيّةً لقراءتها، إذ إنّ كلّ من يتمتع بقدرة عميقة على التّخيّل هو بمعنى من المعاني خبير نفسٍ حقيقيٌّ وإن لم يكن في واقع التخصّص كذلك.

(2)

الصورة الورقية ((حقيقيّة)) لأنها غير قابلة للتّلاعب بها، فيما تلك الرقميّة مزيّفة كونها مفتوحة دائماً على التغيير حذفاً واضافة، كونها قابلة أبداً للتّزوير، فقد أجد رأسي يوماً مركَّباً على جسد آخرٍ لغيري، أو أُكسى بأزياء ما أو تُجرى لوجهي عمليات تغيير تجميلاً أو تقبيحاً، وقد أجدني يوماً فرانكشتاين أو هولاكو، أو شيخ عشيرة بكوفيّة وعقال (كما حلا مرّةً لأحد الأصدقاء أن يفعل ذلك بي)، وقد أجدني سجيناً وراء قضبان أو بين أحضان امرأة لا أعرفها، حتّى تلك الشّخصيات كلّها لم تعد هي كما أنا لم أعد أنا لأنّني وتلك الشّخصيّات قد زُوِّرنا، لم يعد لصورنا الحقيقيّة وجود شخصيّ حقيقيّ نُعرف به، أي لم نعد نحن وإنّما صرنا أشباهنا، بل صرنا ملعوباً بنا، شُوِّهنا (الرأس لي والجسدُ لغيري، أو العكس)، لقد عُبِث بنا تماماً بعد أن أصبحت صورنا مَزيدةً ومشروعاً مفتوحاً على كلّ تبديل أو تنقيح.

الصورة الورقية ((بصمة)) للمصوِّر تشير إليه مهما تقادم على صوره الزّمن كما البصمة الأدبيّة أو الفلسفيّة أو الفنيّة لكاتب أو فيلسوف أو تشكيليّ ما، إلى جانب بصمةٍ لـقَسَمات وجه ما وجغرافيا جسد ما غير قابلة للتحريف، وتظلّ أمينة على زمن تلك القسمات والجغرافيا بالنسبة إلينا نحن المُصوَّرين، بصمةٍ  بنت زمنها بل وليدةُ آنيّتها، لقد ((كانت الفوتوغرافيا فنّاً ووسيطاً))، طبعا ليس من الناحية السّيميولوجيّة بوصفها علامة أو دالّةً حسب، وإنّما من ناحيتها العضويّة أيضاً كونها جزءاً حيويّاً من كيميائيّة وجودنا منذ أمد بعيد.

عرض مقالات:

مقالات اخری للكاتب