يعد شعر الأبوذية المنتشر في جنوب العراق واحدا من أهم ألوان الشعر الشعبي، ويحظى بشعبية واسعة في هذه المناطق، حيث يتداول الناس أبياتا من هذا اللون في المناسبات وحياتهم اليومية، بسبب تأثيرها على المتلقي. وعرف عن الكثير من الشعراء منذ أزمان مختلفة كتابتهم هذا الشعر بشكل واسع، وسجلت الثقافة الشفاهية الكثير من الأشعار في هذا المجال. وتتكون الأبوذية من أربعة أشطر، تنتهي الثلاثة الأولى منها بجناس متشابه في اللفظ ومختلف في المعنى، والبيت الرابع يسمى القفل، وينتهي عادة بالياء، والأبوذية من بحر الوافر (أحد بحور الشعر العربي المعروفة)، ويكون بتفعيلة "مفاعلتن مفاعلتن فعولن"، وللأبوذية عدة أنواع، لكن السائد منها هو الذي اعتاد الناس على سماعه، والمؤلف من أربعة أشطر والمعتمد على نفسه بالفكرة، أي غير مُوَلّد من الشعر الفصيح.

واستطاع شعر الابوذيةأن يؤرخ لنا أغلب أطوار الغناء الريفي الذي برع فيه مطربون كبار مثل حضيري أبو عزيز وداخل حسن، لأنها تعتمد بشكل أساسي عليه، وله الفضل الكبير في معرفة تلك الأطوار على مر الأزمان التي ظهرت بها. ويعتبر الشعراء الأبوذية فناً قائما بحد ذاته، وهو يختزل فكرة كبيرة، لأنه يعادل بيتين من الشعر العربي بتركيبته، أي صدر وعجز وصدر وعجز، ويفسر كثير من العارفين بالشعر الشعبي أن شعر الأبوذية من حيث المعنى جاء من الأذية، وهي مفردة شعبية دارجة تعني الشيء المؤلم، وفي الغالب يكون الشعر في نغمة من الحزن والوجع والألم.

ولشعر الأبوذية وظيفة مهمة سجلتها الأحداث والمواقف، فكما يبث الشكوى والتوجع، فقد عالج الكثير من القضايا، منها إسقاط دين عن كاهل مديون أو حل مشكلة أو قضية اجتماعية كبيرة، كما إن الأدب الشعبي بكل أشكاله ومفرداته هو المعين الرئيسي الذي نستقي منه بحكم ارتباطه بالمجتمع وتعبيره عن قيمه وأحداثه وثقافاته في مراحله المختلفة.

ورغم الأصوات العالية التي تنتقد اللهجة العامية، وتعتبرها انحدارا في اللغة، وتحارب كل ما يكتب أو ينظم بها، فإنَّها فرضت نفسها كواقع معيش -شئنا ذلك أم أبينا- وخلدت نفسها بما كُتب ونُظم فيها من أشعار وأمثال وحكايات خلّدت عادات العراقيين وتقاليدهم وأسلوب حياتهم، وأرَّخَت للكثير من حوادثهم التاريخية وبطولاتهم الوطنية الرائعة.

عرض مقالات: