الثقافة الشعبية ارث معرفي فاعل ومتفاعل مجتمعيا بكل فنونه واجناسه..والشعر الشعبي صورة من صور الوعي الاجتماعي الذي هو انعكاس للواقع الاجتماعي..وسيلته اللهجة العامية المتداولة وغايته المنفعة الفكرية والمتعة النفسية..والشاعر مطشر عبدالنبي المجراوي 1898ـ 1969.. يعد علامة مضيئة في مسيرة الشعر الشعبي والاغنية الريفية التي اجاد اداؤها الكثير من المطربين منهم سلمان المنكوب وسيد محمد وعبادي العماري وداخل حسن وتركت اثرها في نفوس متلقيها وخصوصا الزهيري الذي تميز به شاعرنا حتى انه لقب باميره آنذاك..وذات مرة جرت مساجلة شعرية بين الاب المرحوم عبدالنبي المجراوي وابنه الحاج مطشر المجراوي..اذ يقول الشاعر عبدالنبي:

يا صاح جرح الكلب حاير انه بلحمته

او ثوب التهاني ركد مبتوت من لحمته

غم الرجل لو رجه انوالات من لحمته

يا صاحبي الروح بعنان الصبر عنها

او لديار الاجواد روحك لو بغت عنها

لكن بدت مسألة ورد اسألك عنها

كلي الجلب لو سمن هم تنوكل لحمته

فيجيبه الابن مطشر المجراوي:

ارداي ثوب الصبر وعله النوايب جلد

واللي نخاني اطيحن دوم جلد او جلد

اطعن كلوب العد او بالراس اجلد جلد

واعتني الزينات لو سابع سمه لو سمن

او لركاب الانذال انه اشتري لو سمن

يلكلت لحم الجلب من ياكله لو سمن

اليوم اكو انذال تاكل لحمته والجلد

فالنص ينبثق من موقف انفعالي يكشف عن عمق المعنى بجنوح المنتج(الشاعر) الى التركيز والايجاز في التعبير عن لحظته المتسائلة باعتماد تقنية الانزياح الناتجة من توظيف الاساليب البلاغية(الجناس والمجاز والاستعارة..)

ومن اشهر نصوصه الشعرية التي لاقت رواجا وغناها المطرب داخل حسن هي: (اهنا يمن جنه وجنت/ جينه او وكفنه ابابك..)وقد كان مصدرها مفردات الشاعر الفطري الذي لايجيد القراءة ولا الكتابة بل يحفظ الحكايات وينظمها شعرا كما في حكاية الفتاة التي عقدت علاقة حب بينها وشاب من قريتها وتعاهدا على الزواج..وبعد مرور فترة من الزمن يتقدم الشاب العاشق لخطبة حبيبته ويفي بعهده لكن والد الفتاة يرفض هذا الزواج وتتكرر الخطبة والاب ما زال مصرا على الرفض حتى يزوجها من احد اقاربه..وتنقطع العلاقة بينهما لسنين.. وفي  احد الايام تمر الحبيبة بالسوق لشراء بعض ما تحتاج اليه.. واذا بها تلمح حبيبها في دكان لبيع الاقمشة  يعود له وتعامله عن بعض من بضاعته وهو لا يتذكر من هذه التي اطالت الحديث معه.. لتكشف عن ردة فعله بمشاهدتها..لكنه لم يعر اهتماما لها..فنادته قائلة:

اهنا يمن جنه وجنت

جينه او وكفنه ابابك

ولف الزغر ما ينسي

شمالك نسيت احبابك

بعدها تلف عباءتها وتدس جسدها وسط حشود الناس..حينها ينتبه العاشق وتجره الذاكرة صوبها يتلفت ولم يجد لها اثرا فيعض اصبع الندم ولات ساعة مندم..وعلى اثر ذلك يكتب المنتج(الشاعر) ست مقاطع اخرى مضافة الى المستهل:

ولف الجهل ما ينسي

جنك صدك ناسيني

وسنين مرن بالهجر

وانه الهجر ياذيني

فالنص يستفيق على خطاب يدغدغ المشاعر ويثير العواطف كي يشعر الآخر بعمق الالفاظ التي يوظفها المنتج في حقله الدلالي الخالق لنص محتشد بالصور ذات الايحاءات النفسية العميقة وهو يعبر عن تجربة عاطفية بتلقائية وعفوية..

عرض مقالات: