(1)

في ثقافتنا الشعبية العراقية، يتجدد الاهتمام بإستمرار ببعض فنون الأدب الشعبي لما لها من حفريات وامتدادات في الذاكرة الجمعية وبخاصة مايرتبط منها بألوان من الشعر الشعبي، والغناء الذي يجعل مادته الشعرية الأساسيّة مرتبطة هي الأخرى بهذه الألوان كالابوذيّة والموّال والدارمي والنايل.

الشاعران المبدعان: عبد السادة العلي وعبد الكريم القصاب، يستعيدان بداياتهما الشعرية في كتابين صدرا متزامنيين في توقيت متقارب. العلي في كتابه: من فنون الأدب الشعبي – الابوذية والموال، المولّد منها والمطلق.. والقصاب في: الوان من الشعر الشعبي – ابوذيات، دارميات، مواويل.

ومثل هذه الاستعادة تجيء بعد ان أصدرا عدة مجاميع شعرية تضم قصائد تعتمد الشكل الشعري الحديث إضافة الى الشكل الأول الذي يعتمده القصاب بسعة وغزارة واضحتين – مقارنةً بالعلي الذي يتمسك كثيراً بالشكل الحديث– مانحاً هذا الشكل طاقة تعبيرية وصوريّة جديدتين مع ثراءٍ ايقاعي متعدد الترددات الموسيقية.

إنَّ الشاعِريَن يصطفان مع شعراء الموجة التجديدية في الشعر الشعبي العراقي منذ الستينيات بعد ان تفاعلا مع التحولات الشعرية، الفنية والجمالية – التي جاءت بها التجربة النوابيّة وما تبعها زمنيّاً، ومثل هذه الاستعادة تُشير- في أهم ما تُشير اليه - الى قوّة البدايات واصولها المعرفية، تشكّلاً وزمناً وانتماءً، وكأنهما في مكاشفة تأصيليّة بارعة لإثبات أنَّ التحول في الشعرية لابدَّ ان يأخذ مسار النمو الطبيعي (الشجري) الذي يأتي بالثمار: الجذر- الساق – الأوراق..، من هنا يكون تأصيل الاصول دالّاً ومدلولاً.

كتب كلٌّ من الشاعرين مقدمة لكتابه، يوضّح فيها الجدوى الاستعادية لبداياته إضافة الى التحليل التاريخي لجذور تسمية الابوذية كما في مقدمة العلي، وخاصيّة الجناس والمطواعيّة الجاهزة للغناء في شعر الابوذية والموال والدارمي كما في مقدمة القصاب.

إنَّ الشاعر العلي أشار - كما اشارت بعض الكتب خطأً - الى انَّ الابوذية من بحر الوافر، والصحيح انه من بحر الهزج كما اشار القصاب، وذلك انَّ الوافر يعتمد تفعيلة (مفاعَلَتُن) ذات المتحركات الثلاث المتتالية، ومثل هذه المتحركات لا توجد في أية مفردة شعبية على الاطلاق.

 (2)

ضم الكتابان الكثير من كتابات الشاعرين من الابوذيات المولدة والمطلقة والموالات بجناسات غير مألوفة، وكذلك الدارميات والنايل والنعي، وهي عيّنات جمالية / غنائية تمنح الاغنية العراقية بُعداً جديداً لو تم الانتباه والالتفات اليها.

يقول العلي من شعر الأبوذيّة:

شجر حُبّك ابد ما عاد وركَه

ولا دمعك همل عالوجن وركَه

ونيني اعليك ما ظن تِون وركَه

شبيهه إولا بجت ثكلَه ابوطيّه..

أما القصاب فيقول من اللون ذاته:

نهاري إو طول ليلي راسياني

امسيّس لا تصدّك راسياني

بعد ما جان فايخ راسياني

صرت مغزل إو كلهه اتلف عليّه...

لا تتسع هذه الوقفة للمزيد من الاستشهادات الشعرية من الالوان الاخرى، وقد اردنا منها ان تكون اشارة الى بُعد التكوين الأول للشاعرين وبُعد الاستمرار في التأصيل، وتأصيل الأصول في كتابين يضافان الى مكتبة التراث الشعبي العراقي الاصيل ومنه الشعر الشعبي العراقي...

عرض مقالات: