الاغتيال مرفوض ومدان، بوصفه جريمة خارج القانون، ووسيلة تعتمد العنف لتصفية الخصوم، بدلاً من الحوار معهم. وفي هذا الكتاب رصد ومراجعة لأعمال العنف تاريخياً ومعرفياً..
المحرر الثقافي

يجمع أكثر من مائة جريمة قتل سياسي ، من يوليوس قيصر إلى غاندي ، ومن لينكولن إلى كينيدي وتروتسكي إلى أسامة بن لادن
في عام 1979 كان النائب السابق كينيث بيكر يجلس في مكتبة مجلس العموم البريطاني ، عندما سمع الانفجار وشعر بالصدمة حيث انفجرت قنبلة زرعها الجيش الأيرلندي السري على بعد ياردات لتفجير زميله النائب إيري نيف ، الذي كان يقود سيارته وبعد خمس سنوات ، كان بيكر آنذاك قد أصبح وزيراً في حكومة ماركريت تاتشر ، قد غادر إلى لندن قبل ساعات فقط من الانفجار الذي دمر فندق جراند برايتون خلال مؤتمر حزب المحافظين ، لأنه كان من المقرر أن تظهر على التلفزيون في ذلك الصباح تاتشر ، الانفجار تسببت في مذبحة ، فقد فيها بيكر إجمالاً ستة أصدقاء وزملاء آخرين قتلوا على مر السنين على أيدي المناوئين الأيرلنديين ، وليس من المستغرب إنه موضوع أبهره ، ولهذا السبب قام بتجميع هذه الخلاصة.
يبرز في هذه الحوادث جملة الدسائس وسوء التقدير والشر الكامن في النفوس ، وفي كثير من الحالات لعب الحظ دوراً كبيراً في عدم نجاحها ، فلو لم يكن الحارس الشخصي الوحيد لأبراهام لينكولن قد ذهب لتناول المشروب في الحانة ، تاركاً الرئيس في المسرح من دون حراسة لما أغتيل ، ولو أن سائق الأرشيدوق فرانز فرديناند فقط لم يتخذ منعطفاً خاطئاً في شوارع سراييفو عام 1914 ليدخل آخر مقفل ، لما أطلق قاتله الرصاص عليه.
هذه المصافة بدت مختلفة في كلا الاتجاهين ، ففي أحد شوارع باريس قام مدرب خيل نابليون بونابرت وسائق عربته ، بالإنحراف يميناً حيث تمكن من تفادي الانفجار الذي أودى بحياة ثمانية أشخاص وأسقط 45 منزلاً ، تاركاً الإمبراطور سالماً ، كما غادرت السيدة تاتشر الحمام في جناحها الفندقي قبل ثوان فقط من انفجار قنبلة الجيش الجمهوري الايرلندي في الحمام أعلاه مباشرة ، ولو كانت قد أمضت جزءاً أطول فقط هناك ، لكانت قد ماتت في الانفجار .
ولم لم يكن الناشط الحقوقي مارتن لوثر كينغ قد خرج إلى شرفة غرفته في الموتيل الذي نزل فيه ، من أجل سيكارة لما قدم نفسه كهدف للمسلح جيمس إيرل راي .
يحتاج كل قاتل محتمل أن يعرف أن هذا كان دائماً عملاً محفوفاً بالمخاطر ، وأن هناك الكثير من الأخطاء أكثر من الضربات ، فقد نجت الملكة فيكتوريا من سبع محاولات في حياتها ، أما الرئيس الفرنسي ديغول فقد تعرض إلى ما لا يقل عن 31 محاولة اغتيال .
أما حامل الرقم القياسي في محاولات الإغتيال.. كان الملك المثير للجدل من ألبانيا ، الذي استهدف بين عامي 1928 و 1939 51 مرة دون نجاح ، وفي إحدى المرات أمسك بمسدسه وأطلق النار على مهاجمه .
بيكر ، الذي اشتملت مسيرته السياسية الطويلة على فترات مثل وزير البيئة ووزيراً للتربية والتعليم ووزير الداخلية قبل نقله إلى مجلس اللوردات ، يلخص بإيجاز كل اغتيال ويبحث عن خيط مشترك بينهما ، ويخلص إلى أن بعض القتلة كانوا يحملون ضغينة شخصية ، أمثال جون بيلينجهام ، الذي قتل رئيس الوزراء سبنسر بيرسيفال في ردهة مجلس العموم عام 1812 ، أو القناص لي هارفي أوزوالد ، الذي قتل الرئيس جون ف . كينيدي في عام 1963 ، قبض عليهما ، أما في العصر الحديث ، فتميل عمليات الاغتيال إما من قبل مجموعات من الإرهابيين السياسيين أو الدينيين المتشددين ، أو من قبل الحكومات نفسها ، في هذه الفئة الأخيرة يشير إلى تسمم المنشق الروسي ألكسندر ليتفينينكو في لندن ، وقصف الصحفية البريطانية ماري كولفين من قبل سوريا وقتل أسامة بن لادن ، على يد القوات الخاصة الأمريكية في منزله في غارة شاهدها من البيت الأبيض عبر وصلة فيديو الرئيس باراك أوباما ، هنا يميل القتلة إلى الاعتقاد بأن أفعالهم ستغير العالم إلى الأفضل ، وأن تدخلهم العنيف في التاريخ سوف يفيد البشرية ، بل هناك استثناءات ملحوظة من التكهنات المعقولة ، أنه إذا لم يكن فرانز فرديناند قد مات في سراييفو ، فقد تكون الحرب العالمية الأولى لم يشهد العالم قيامها ، ولو توغلنا بعيداً لوجدنا شكسبير أول شخصية أدبية رئيسية يستخدم الكلمة نفسها في مسرحية “ماكبث” من أجل الاستيلاء على التاج ، حيث يقتل “ماكبث” ملك اسكتلندا ، ولكن في النهاية يقتل نفسه ، علاوة على ذلك ، غالباً ما تزيد الأمور سوءاً ، قتل بروتوس يوليوس قيصر لإنهاء الاستبداد ، لكنه نجح فقط في إرساء أرضية لاستبداد وريثه الأكبر الإمبراطور أغسطس .
أما في الثورة الفرنسية ، اشتهرت شارلوت كورداي بغرس السكين في السياسي المتطرف جان بول مارات وهو يجلس في حمامه على أمل إنهاء العنف ، ولكن هذا فتح الطريق لخلفه روبسبير الذي أرسل بإرهابه 17000 شخص إلى المقصلة ، وعلى مر القرون كانت الاغتيالات الفاشلة هي التي لها تأثير أكبر على الأحداث ، إن موت نابليون المبكر في عام 1800 كان سيغير مسار التاريخ الأوروبي بشكل جذري ، لذا ، أيضاً كان يمكن للحرب العالمية الثانية أن تنتهي بسرعة ، لو قُدر لهتلر أن يموت إذا ما نجحت الهجمات عليه في قبو لخزن البيرة في ميونيخ عام 1939 وفي عرين الذئب في عام 1944 ، ولا شك أن محاولة اغتيال ستالين وماو كان سيسر معارضيهم ، لكنهما كانا أكثر حذراً بالتخلص من خصومهم بحيث لم يحصل أي قاتل على هذه الفرصة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
عن صحيفة “ديلي ميل” البريطانية

عرض مقالات: