أول ما لفت نظري عند تصفح كتاب (الشأن العراقي.. نظرة وتحليل) للأستاذ الأديب محمد علي محي الدين، أن أغلبية المقالات التي تعبر عن وجهة نظر انتقادية تنطوي على قاسم مشترك يتمثل في انتقاد الخطأ على مقاس ما هو صواب، من حيث أن الكتابة عن الفساد هي إحدى التحديات التي تواجه جدل التعاطي مع مطلب الاصلاح. وتجدر الإشارة الى أن هذا الكتاب يقع في (450) صفحة، صادر عن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة، ويتألف من مجموعة مقالات سبق نشرها في الصحافة خلال الفترة ما بين 2006-2013، وبذا يجمع بينها الزمن الذي مر بالعراق، وتمثل الأثر بالنسبة للكاتب خلال مرحلة عاشها ومواقف عايشها، وقد يكون من المفيد أن تجمع بين دفتي كتاب، وبلغ عددها نحو (106) مقالة، منضوية تحت أربعة أقسام، وكالآتي: القسم الأول الذي جاء بعنوان (الفساد المالي والإداري)، تضمن (41) مقالة مكرسة لتناول كثير من تجليات الفساد البائنة للعيان، ولكنه اجتهد في استنطاق بواطنها، واضعاً النقاط على الحروف. وخصص الكاتب مقالات القسم الثاني الى موضوعة (الأمن والارهاب) التي ضمت نحو (24) مقالة. تناول فيها أوضاع البلد وأحوال الناس في الأيام الضاجة بالموت اليومي أثناء الزمن الانتكاسي إذا جاز لنا التعبير، وعلى وجه التحديد حين غطت الأدخنة سماء العراق بسبب اشتداد الخراب تحت وقع الارهاب بعد التغيير النظام البائد. وجاء القسم الثالث تحت عنوان (اجتـثاث البعــث) متضمناً (14) مقالة، حفلت بمجموعة من الرؤى والأفكار، حاول فيها الكاتب الإحاطة ببعض الجوانب التي تمس الشأن السياسي عامة، وأراد في ذلك أن يظهر بأجلى بيان مناوأته لنظام الحكم الاستبدادي المقبور الذي ولى في مزابل التاريخ، كما لا يخفي مخاوفه من تسلل وجوه من الزمن الغابر في جسد الدولة العراقية بعد التغيير في 2003. أما القسم الرابع والأخير من الكتاب، فقد تطرق الكاتب فيه الى عدة مواضيع، تتمحور حول إطار شامل، هو (في الشــأن العراقـي)، ضم (27) مقالة. وقد تنوعت عنوانات المقالات، ومنها ما يندرج في نطاق الكتابة التوثيقة لأنشطة خاصة بالحزب الشيوعي العراقي، ومنها ما حمل هموم ومكابدات العراقيين في مناح متعددة.
ولم يأل الكاتب جهداً في الدفاع عن مصالح أبناء الشعب، لاسيما موضوعة العدالة في توزيع الثروات بين أبناء البلد، مطالباً تلافي البون الشاسع بين رواتب كبار موظفي الدولة وصغار الموظفين، والنظر بشكل إنساني الى أصحاب الرواتب الواطئة من المتقاعدين المدنيين والعسكريين، وتأمين مواد البطاقة التموينية بما يوازي حاجات الناس الفعلية. لعلني لا أغالي إذ قلت إن ثقافة الأديب محمد علي محي الدين الواسعة كان لها دور مهم في إغناء مقالاته وترصينها، من حيث تضمين الشعر العربي والامثال الشعبية والمأثورات والحكم، فضلاً عن الاستشهاد ببعض النصوص التاريخية المقتبسة من مؤلفات موثوقة، وما يسترعي الانتباه حقاً أنه استطاع أن يحتفر لنفسه أسلوبا فريداً وسلساً، ناشداً من خلال ذلك توصيل أفكاره بشكل واضح وبلغة سهلة وعبارة تامة المعنى. وفي ختام القول نشير الى أن الكاتب محمد علي محي الدين قد تناول أحوال الفساد والإرهاب، ما هو مكشوف على السطح أو ما هو مستتر في القاع، فدعا عبر اضمامة من المقالات النقدية الى معالجة بعض ما يراه في مصاف الأخطاء، حيث الاعتبار الأهم قوامه، لابد أن يأخذ النقد موقعه في الحياة لأنه يحمل في طياته عوامل التقدم والازدهار، وقد بات واضحاً أن قلم محمد علي محي الدين قلم ناقد منحاز الى كل ما هو وطني.

عرض مقالات: