لِمَنْ لا يَعْرِفُ عوني أقول : من الموتى من لا تسعُهم قبورٌ فهي تُصادِرُ أحلامَهُم، فيختارون السماءَ مقبرةً، فمنذُ أنْ ماتَ عوني على خشبةِ المَسْرَحِ في برلين، ألتحقَ بالسماء لِيُحَلِقَ في سماءِ الآخرين ,غريباً، بكاءٌ أخيرٌ على فكرةٍ عارضةٍ مَسْرَحَها في الخيالِ فكرَةٍ تعكز الأماني المُحْبطة بين لوعةٍ للولادةِ ولحظةٍ للتناصِّ، ألغمَ رأسَهُ بشارِع الرشيدِ قالت تترنم على كرسيها الهزاز : منذ قرون لم يعترينِي املٌ منذ عقودٍ أكررُ نفسي... أكررُك.. أكررُها دُميةً نكررُ اللُّعبَةَ المَهْزلَةَ !
خيولٌ من ورقٍ ترتَقِي المَشْهَدَ الأخيِّرَ، خيولٌ تحترِقُ قلتَ لي مرةً: ارسُم خُطايَ المجبولة فوقَ المَرايا ارسُمْ صَهيلَ القلبِ بِحَوافرِ العُبور قلتَ لي بكثيرٍ من التوسُلِ صَلِّ لي لأني نسيت قُبلَتِي في العراق أبحثْ لي عن قِبلة , عن مسجدٍ, عن صومعة،عن مسيحٍ، كنتَ أمسحُ عن وجه المُدن ثلجَها فتسيحُ أرواحُنا في مآذنِ الذاكِرَةِ ندفعُ مجاديفنا في الهواء ..ثمة دجلةٌ في الخيال هناكَ نمسحُ قدميها...نركعُ.. نَتَعمدُ في مائها نتجولُ ...نتحولُ نشربُ من نزيفِ الكُتُبِ هنا انتهينا ...هنا ينبغي إن نبتدئ بين النهاية والبداية وطنٌ يَنتصِرُ...
*****
بين النبضةِ والسندان ولدَّتَ شاخِصاً كمَلاك رعشةٌ ليلٍ مُتأخرةٍ.. داهمتْهُ عُنوة فأفرَغ في جوفِها ثورتَهُ المُزمِنة غادرَها فُجأة كصحوةِ الذاكرةِ، ستُغريك المانيا بالبُكاء على خطى غريب، وبقايا ضبابٍ في ثنايا مِعطفٍ ثقيلٍ سألقيك في آخرِ مَحْرَقةٍ للحنينِ، تخاطبُ وطنَ الروحِ في شارع الدواسة ..تحت المطر .. يسكُنُكَ زوربا اليوناني كان يؤدي في رأسهِ دورَ العاشقِ عندما صلبوا صليبك، وأهدوا إليك خارطةً للمسيحِ، هُناك في اللا مَكان أوصدوا أبوابَهم ... من رمادِ قصرِ السُلطان بيك تهرُبُ امرأةُ الذاكرةِ اغتصبوا كُحلَها ...اغتَصَبوا الذاكرة
*****
الكرسيُّ الهزاز مازالَ مُترنِحاً مُلطخاً بالحِناء والحَنين ((تحن اسنيني لسنينك....لهفة المايك او طينك اواد كل سحابة اتفوت، واشتاك الشمس عينك))* اجلُسْ عل ستينَ كُرْسيٍّ كُرْسِيِّا ...كُرْسِيَّا..
كُنْ جُمهورَك اسمَع للوركا على زفيرِ المساءِ استانفلاسسكي بين شظيةٍ وقضيةٍ يولدُ الجمهورُ على كرسِيك الستين شرْنقةً.. شرنقةً نوافيرُ الدم تصْرُخُ بك :..عوني...عوني عوني يَجثوُ على ارضِ المسرَحِ تئنُ الأرضُ تحتَهُ لحظةِ نشوتِها يبحثُ عن وطنٍ ليس له حدودٌ،وطنٌ من سَماءٍ أشار برشت بإصبعٍ من نسيمٍ: تجدُهُ هُناك حيثُ ينمو النخلُ، المفخخاتُ تُشذّبُ لوعةَ سعفِها المُشتاق يُغني (الستون) كُرْسِي كُرسيَّا .. كُرْسِيَّا والمسرحُ الوطنيُ بِبَذخٍ يَسْهمُ في الجوْقةِ الجنائزيةِ صَليبُكَ هُناكَ ... زرعوُهُ هيِّا اعتليهِ ينتظرُك (برشت) ليُعمِدَكَ أخيراً يلوُحُ بالنخلِ المُغْتَرِبِ خَدَعوك بالعودةِ ...دغدغوا حُلمَكَ بشطِ الموصل...بكنيسةِ العَذراء...بِنَبِيِّ اللهِ يُونُس
ونبيِّ اللهِ (برشت)، بحُسينِكَ الذي ألهَمَك الشهادةَ حُبّاً... و أشجارِ ناظم حكمت ماتَتْ واقفةً ... واقفة في برلين...في بغداد ..في أنقرة ...في ماكوندو.. مكاوندو ماركيز ...ماكوندو اندريه جيد..ماكوندو عوني...وصلاح القصب...وحقي الشبلي.. وقاسم محمد...تتكئ على قوائمِ ستينَ كُرْسِيّا لِتَعودَ صوتٌ في الكورَس سيعودُ ....سَيَعُودُ ضيفاً على الذاكرةِ مقطع من نص للشاعر عريان السيد خلف،لمسرحية ترنيمة الكرسي الهزاز.

عرض مقالات: