رباعية الخالد "شمران الياسري" الخالدة عمل باهر وإنجاز نفيس قلّ نظيره، وندر مثيله، لا على مستوى الرواية العراقية فقط بل على المستوى العربي، ولو تمت ترجمتها لحصلت على شهرة عالمية قل نظيرها، فأجواؤها الريفية الواقعية قد سردها الكاتب الكبير على نحو مبهرٍ، باسلوب فريد لا يقدر أن يجاريه أحد.

تؤرّخ الرواية لتأريخ مهم جدّاً من تأريخ الريف العراقي، بدءاً من سنة 1923م وحتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958م، أي تغطّي فترة خمس وثلاثين سنة، وهي ليست قليلة، وقد عاصر المؤلف بعضها كما عاش أجواء بعضها الآخر، وسمعها في المضايف من أفواه الذين عاصروها وعاشوها، بحكم أنهم أكبر سنّاً منه؛ سمع منهم ما لم يره، فسرده لنا وكأنه عاصره وعاشه. رباعية شمران الياسري رواية اجتماعية توثيقية، تحمل كل صفات الرواية العراقية الريفية الواقعية.

عانى الياسري كثيراً حتى طُبعت رباعيّته في سنة 1972م، بأربعة أجزاء هي على التوالي: الزناد وبلابوش دنيا وغنم الشيوخ وفلوس أحمَيِّدْ، وزيّنت بغلاف رائع ليوسف الصائغ؛ غلاف صار جزءاً لا يتجزّأ من الرباعية.

سحرتني الرباعية وحولتها إلى مسلسل لإذاعة بغداد في أربعة أجزاء، ضمّت مئة وعشرين حلقة، وعلى الرغم من انني اجتزت العراقيل التي وُضعت في طريقها، إلاّ أنّها لم تُنتج لأسباب سياسية، ولا تزال محبوسة في أدراج قسم الدراما.

تبرعت بنسختي من الرباعية للصديق العزيز أبو علي العاني الذي جاءني من السليمانية ليحصل عليها. اشتقت إلى الرباعية وفي نفسي أن أكتب موضوعا هو "لوحات شعبية نادرة في رباعية أبو كاطع"، فكان لابدّ من الحصول عليها فأخبرني الأستاذ فائز شمران الياسري أنّه سيرسل لي نسخته الخاصة الثي طبعتها دار المدى، فشكرته، وفوجئت بما رأيت، وصحيح أن "الكتاب يبان من عنوانه"، لكنني أصحح فأقول: بل من غلافه عندما رأيت غلاف الطبعة الجديدة من الرباعية.

رأيت في الغلاف بداية مسخ الرباعية وتشويهها، فليس هكذا يكتب العنوان ولا يُرتّب هذا الترتيب ! أول ما يؤكّد ما ذهبنا اليه هو هذا المربع الأحمر الذي كُتب فيه "رواية" فنفى عن الكتاب صفة رباعية. ومما زادها سلباً وضع اسم موحّد لها هو "الزناد"، وقد برّر المراجع والمُقدّم هذا الشيء على نحو يثير الإستغراب، مع تقديري الكبير واحترامي الشديد للأستاذ المراجع والمقدّم الأستاذ إحسان شمران الياسري إذ يقول: ".. وقد أملينا النظرَ طويلاً بالإسم الذي ستأخذه (؟) الرواية، لأنّها صدرت كخمس روايات (الزناد، بلابوش دنيا، غنم الشيوخ، فلوس احميّد وقضية حمزة الخلف)، وكان عنوان " الزناد" لها هو الأكثر إغراء، فهو مُشعل الثورة الذي أوقده خلف العيدان عندما قذف الزناد بوجه الشيخ فأدماه، تعبيراً عن الرفض الواضح والواعي لمُمارسات الإقطاعيين ... وهكذا جعلنا "الزناد" عنوان لرواية أبو كاطع، وكأنّه أدلى بها كـ " شهادة" فصارت "شهادة أبو كاطع"."، ص 6 . اقول: لا يا أستاذ احسان ؛ ما هكذا تورد الإبل، وماهكذا يُختار الإسم، وتتحول الرباعية إلى رواية مضاف إليها جزء خامس !

ولا أدري لماذا وضع اسم المؤلّف بهذا الحجم الكبير المخالف للتقليد، وفي وسط الغلاف، ثم تكتب الكنية الشهيرة بهذا اللون الأحمر اللافت للنظر، وكأن المؤلّف المبدع الكبير به حاجة إلى أن يُبرّز اسمه وكُنيته !

إنها رباعية ذات أربعة أجزاء، كل جزء حمل اسماً مُستقلاً بذاته، فشوهت بدمجها تحت عنوان واحد، وضمّ إليها جزء خامس وهو "قضية حمزة الخلف" وهي رواية مستقلة لا علاقة لها بالرباعية إلى درجة أن يكون متمّماً لها.

عرض مقالات: