المشهد الاول:
داخلي/ مستشفى / نهار

مجموعة اشخاص من الذكور والاناث ومن مختلف الاعمار يرتدي معظمهم الكمامات والقفازات، فيما يعمد عدد آخر منهم على تغطية افواههم وانوفهم براحات أيديهم.. يتجولون في ممرات المستشفى الطويلة بخطوات سريعة متباعدة..
يتداخل صوت وقع اقدامهم على البلاط.. مع صوت تلفاز معلق على جدار أحد الممرات والذي يبث آخر مستجدات وباء فايروس كورونا..
صوت المذيع:
العالم يفقد السيطرة ويعلن عجزه بعد انتشار فايروس كورونا الذي بات يحصد الارواح
ويحيل كبرى مدن العالم الى مدن أشباح..
الفايروس يسيطر على سكان الكوكب وما من علاج حتى اللحظة..
حتى المقابر صارت عاجزة عن استيعاب اعداد الموتى..
كبرى مستشفيات العالم تعمل اليوم على رفع اجهزة الانعاش الرئوي عن كبار السن وتوظيفها للشباب الاكثر مقاومة للفايروس
قطع...

(تايتل البداية)
المشهد الثاني:
داخلي/ غرفة داخل مستشفى ـ نهار
تأثير صوتي (شهيق وزفير غير منتظم)

يستلقي رجل في منتصف السبعين من عمره على سرير طبي محاط بالأجهزة والأسلاك والانابيب الطبية التي تتداخل مع بعضها وتربط في النهاية لانعاش الرجل العجوز الذي اخفي جسده بالكامل تحت ملاءة بيضاء لا يبرز منها سوى ارتفاع قفصه الصدري وانخفاضه جراء التنفس الصعب غير المنتظم... فيما بقي جزء من وجهه الاسمر ذا التجاعيد العميقة يختبئ خلف جهاز التنفس..
تدخل الغرفة طبيبة ثلاثينية العمر رشيقة القوام، يتبعها ممرض شاب مقارب من عمرها.. تاهت ملامح وجهيمها جراء الاقنعة والملابس الوقائية التي يرتديانها.. بحيث لا يظهر من ملامحهما سوى عينيهما..
يتوقفان امام سرير المريض العجوز.. ترفع الطبيبة اوراق حالة المريض ، تحدق فيها، من ثم تكتب بعض السطور، وتلتفت الى الممرض وتهمس باذنه بصوت غير مسموع، غير ان الممرض يشتاط غضباً:
لا.. لا مستحيل..
شلون افتح الاجهزة عنه؟!
يموت..
الطبيبة:
نفذ ولتسوينه هوسة.. هاي التوجيهات.. اكو هواي حالات لازم تعيش
واجهزة التنفس كلش قليلة..
هاي الحالة ميؤوس منها.. وراح تاخذ وكت ومكان..
تقول جملتها الاخيرة.. وهي تغادر الغرفة ..
يقترب الممرض من المريض، يُحدق في وجهه المنكسر العاجز، من ثم يلتفت الى الاجهزة الطبية المركونة الى الحائط، ويبدأ عملية فصل الاجهزة بالتتابع..
سرعان ما تتدهور حالة العجوز، ويبدأ بالمعاناة ويسعل على نحو قوي مما يزيد صعوبة تنفسه..
يفتح الممرض أقفال السرير ويدفع به خارج الغرفة.. وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة..
قطع..
المشهد الثالث:
داخلي / ممر المستشفى ـ نهار
يدفع الممرض السرير المتحرك، وهو يحدق بأسى الى معاناة المريض العجوز وهو يعاني الموت ويأخذ أنفاسه بصعوبة بالغة..
ينحي إليه ويهمس باذنه:
حجي والله مو بيدي..
حجي بريني الذمة
التعليمات تكول بس الشباب على اجهزة التنفس..
يبتسم العجوز بوجه الممرض ابتسامة مرّة كلها ألم وحسرة..
يعلق طرف الملاءة البيضاء بعجلة السرير المتحرك ويلتف حولها فينكشف جسد العجوز، وسط دهشة وصدمة الممرض..
انه انسان بنصف جسد..
يبدو العجوز فاقداً ذراعه اليسرى حد المرفق وساقه اليسرى فوق الركبة...
يرفع العجوز نظره الى الممرض الشاب، الذي تنفجر دموعه من دون وعي..
قطع...

المشهد الثالث:
فلاش باك/ ميدان حرب ـ خارجي / نهار

يعود الرجل العجوز بذاكرته ايام كان جندياً في منتصف شبابه، يظهر ببدلة عسكرية وهو يرتدي خوذة حديدية ويحمل سلاح الكلاشنكوف، يتخطى بحذر مع مجموعة من الجنود في ارض صحراوية جرداء لا حياة فيها...
يصرخ احد الجنود:
لغم... لغم..
دست على لغـ.....
ينفجر اللغم الارضي، ويغيب الجميع في سحابة ترابية كثيفة...
سرعان ما يهدأ وقع الانفجار ويسيطر الصمت على المكان، ويثقل التراب على أشلاء الجنود المتناثرة، ويمتزج مع بقع الدم على الارض.. حيث لا حياة ولا انفاس لأي واحد منهم سواه..
يئن موجوعاً من ذراعه اليسرى والتي فقد السيطرة عليها...
يركز النظر إليها وهي تتحرك على نحو خارج عن إرادته والدم يتنافر منها بعدما استقرت فيها شظية، بترتها من المرفق ولم تبق متصلة بالجسد إلا ببعض الجلد وبقايا البدلة العسكرية...
قطع....

المشهد الرابع:
خارجي/ مقبرة ـ نهار

يقف الجندي، بملابس مدنية، ووجه منكسر على مشارف مقبرة كبيرة... يتأمل شواهد القبور...
يبدو الضماد واضحاً على ذراعه اليسرى المبتورة من أعلى المرفق، يحمل بيده اليمنى كيساً بلاستيكياً اسود..
يتقدم باتجاهه رجل في نهاية الاربعين من عمره، ضخم البنية، جاف الملامح، اسمر البشرة، بلحية قصيرة مهذبة لا تخلو من الشيب، يرتدي دشداشة سوداء...
الله يساعدك خوية
الجندي:
ويساعدك...
الرجل:
اني فارس الدفان.. كول عليمن ادور؟
الجندي:
ادور عليك.. اريد ادفن ايدي يمك.. بالأمانات...
وهذا تصريح الدفن..
الدفان:
عمرك طويل ان شاء الله..
تلكاها بالآخرة..
الجندي بأسى:
مو خسارة بهالبلد...
قطع..

المشهد الخامس:
فلاش باك/ داخلي ـ مستشفى ـ نهار
شاشة سوداء... تايتل (بعد بضعة أشهر)

يجلس طيب في نهاية الخمسين من عمره خلف مكتبه، يرتدي نظارة طبية، اصلع الرأس، بدين بعض الشيء..
يمعن النظر في مجموعة من الفحوصات... فيما يجلس قبالته ذلك الجندي الذي فقد ذراعه في مشهد سابق، يبدو وكأنه اكبر من عمره بسنوات...
يرمي الطبيب الفحوصات على الطاولة، ويخلع النظارة عن وجهه:
ويتحدث لمريضه:
اني اسف... رجلك اليمنى متأثرة هواي بالسكر وكل العلاجات الي اخذتها ما فادت..
ومشكلة قدم السكري... لازم تنبتر حتى نحاول نسيطر على المرض..
المريض:
لا دكتور دخيلك ... لتكولها..
هسه ايدي راحت وكلنا فدوة للوطن..
بس على الاقل امشي..
الطبيب:
خلي عينك بعين الله..
العملية باجر الصبح.. ما عندنا حلول.. صدكني..
المريض يحبس انفاسه، من ثم يطأطئ رأسه وكأنه يودع قدمه اليمنى بنظرة وداع، ويصبر نفسه:
الحمد لله.. الحمد لله
قطع...

المشهد السادس:
خارجي/ مقبرة ـ نهار

يتكئ الرجل على عكاز حديدي، يسنده الى ابطه الايمن، فيما تبدو الزرقة واضحة على اطراف يده اليمنى، جراء العكاز الذي يحمل مسؤولية جسده على نحو كامل..
يقف في المقبرة، في المكان ذاته الذي ظهر فيه في مشهد سابق...
يربت على كتفه الدفان، ويقول:
راجع لي بلا رجل..
يا ستار مفخخة لو شنو؟
الرجل:
هم زين بعدك تذكرني فارس...
الحرب اخذت ايدي... والسكر اخذ رجلي..
اريد ادفنها يم ايدي بالامانات.. فدوة
ولو زاحمنا الموتى بأماناتنا...
بس اتحملني، وخلي الموتى يتحملوني، أكيد الك خاطر يمهم..
كلهم ما باقيله شي..
الدفان:
كول يا الله .. عمرك طويل..
الله يجازيك على كد صبرك..
قطع...

المشهد السابع:
داخلي ـ ممر المستشفى ـ نهار
(عودة الى المشهد الثالث)

ينحني الممرض الى الارض ويرفع الملاءة البيضاء، ويعيدها الى جسد العجوز، ويواصل دفع السرير بخطوات سريعة..
على جانبي الممر يعاني عدد من المصابين بفايروس كورونا صعوبة التنفس، من بينهم من يضرب بقوة على صدره، وآخر يسعل سعالاً حاداً.. فيما يختنق آخر، وتسقط شابة على البلاط، جراء الاختناق..
يتوقف الممرض عند باب الخروج... ينحني الى الرجل العجوز:
حجي أكو أحد يستلمك؟
اخابر لك على أحد...
اوديك لمكان؟
العجوز يحاول النطق، يصارع انفاسه... بالكاد يخرج كلمة كلمة، ويكررها عسى ان يفهمها الممرض:
لهنا ونكول خلصت؟
حتى الهوا صار هواي علينا بهالبلد..
يكولون حتى كبور ما بقت النا؟
بس اني حاجز بالامانات..
تكدر توديني يم غراضي؟
تايتل النهاية...

 

عرض مقالات: