لماذا نحتفي برأس السنة الشيوعية العراقية؟ هل هي "كسلة ثقافية"؟ أم هي شعلة "كاوه الحداد"؟
تاريخنا العراقي هو تاريخ البحث عن الطعام، نحن أحفاد الفقر والجهل والتخلف، ثلاثية الطغاة وحلفائهم. نحن من سلالة الفقر الأزلية، لكنَّ "الشيوعي" علمنا أن الفقر لا يصنع ثورة، ولكن وعي الفقر هو الذي يصنعها، ولذلك أبحرنا في ذلك الوعي ونسينا أوجاعنا، ثم عرفنا منه أن الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرا، وأن مهمة شيخ الطاغية هي أن تجعل وعيك غائبا، ولذلك صرنا نحارب الطغاة وشيوخهم معا.
تعلمنا من "الشيوعي" أن الانسان هو أثمن رأس مال في الوجود، وأن التقدم الاجتماعي يقاس بالوضع الاجتماعي للجنس الانثوي، وأننا نحتاج دائما الى الثورة الانسانية، ولذلك صرنا مشاعل احتجاج وثورة وتظاهرات واعتصامات واحتجاجات، نحمل أوجاع الفقراء ومطالبهم وحقوقهم، ونقف بوجه الطغاة بأقلامنا وبصرخات حناجرنا وبصبرنا ونضالنا.
منذ مراهقتنا الجميلة تتلمذنا على صرامة الفلاسفة وطروحاتهم وجمال مقولاتهم، لكنَّ "الشيوعي" قال لنا: "هؤلاء فسروا العالم بأشكال مختلفة، ولكن لا يكفي تفسير العالم، بل يجب تغييره، وقد حان الوقت لتغييره".
عرفنا من هذا "الشيوعي العنيد"، ونحن نرتجف بين عنف وغطرسة آبائنا وضعف وكفاح أمهاتنا أن الرجل هو البرجوازية، والمرأة هي القائمة بدور البروليتاريا، فأحببنا أمهاتنا، وأدركنا قيمة المرأة ودورها ونضالها الدؤوب.
علمنا هذا "الشيوعي المشاكس" أن الفكرة تغدو قوة عندما تستولي على الجماهير، وأن وعي الناس لا يحدد وجودهم، بل على العكس من ذلك، الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم. ولطالما قال لنا: أن التاريخ هو التاريخ الطبيعي الحقيقي للإنسان، وأن من لا يعرف التاريخ محكوم عليه بتكراره، وها هي الكثير من الشعوب تدرك عقم أسفها على ذلك الاهمال.
عرفنا، نحن المثقفين الحالمين بغد أجمل من ذلك "الشيوعي الملحد" جملة متنورة من شطرين رهيبين:"من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته"، فأدركنا أن التغيير بأيدينا ولن يأتي من الغيب.
تعلمنا، نحن المحكومين بسياط الطغاة أن الحرية هي إدراك الضرورة، وأن بعض قوانين الدولة التي تستهدف محاربة الجريمة هي أكثر إجرامية منها، وأن كل شيء يجب أن يبرر وجوده أمام مقعد حكم المنطق، أو يتخلى عن وجوده.
علمنا هذا "الشيوعي البلوه" إن الديالكتيك، بمفهومه الموضوعي، يتسيد الوجود، ولكن ثمة ديالكتيك آخر هو ديالكتيك الفكر، وهو انعكاس للحركة السائدة في أرجاء الطبيعة كافة، وهذه الحركة تتم من خلال الأضداد، التي تحدد حياة الطبيعة بصراعها المستمر، وبانتقالها النهائي أحدها إلى الاَخر، أو إلى أشكال أرفع.
"
الشيوعي المخالف للسائد والمألوف دائما" علمنا إن نظرية التطور "النشوء والارتقاء تبين، أن كل خطوة إلى الأمام، بدءً من الخلية البسيطة، وانتهاءً بأشد النباتات تعقيداً، من جهة، وبالإنسان، من جهة ثانية تتم من خلال الصراع الدائب بين الوراثة والتكيف".
وأخيرا وليس آخرا، أسرى بنا هذا "الشيوعي الجميل" الى المفهوم المادي، وبين لنا أنه يشكل إنتاج وتجديد إنتاج الحياة المباشرة، وهو العامل الحاسم في التاريخ، وإنتاج الإنسان نفسه، الانسان وليس العبد الجاهل الذي يريده الطغاة الراحلين حتما.
والآن، ألا يحق لنا أن نحتفي برأس سنة هذا الشيوعي الذي حمل العراق بحدقات عيونه بلا منّة ولا مكاسب، وظل خيمة ومتكئا لنا جميعا؟