خلال سمبوزيوم أقيم في أروقة دائرة الفنون العامة بوزارة الثقافة جسد فنانون تشكيليون موقفهم المتضامن مع التظاهرات السلمية بلوحات تحاكي البطولات التي سطرها العراقيون وهم يجاهرون برغبتهم في استرداد وطنهم، حيث برزت في هذه الفترة أعمال فنية تروي حالة من الدراما المكثفة وزخما من التفاصيل وملحمية الأحداث، التي تروي قصة وطن وبقوة تعبيرية هائلة، ومحتوى سردي ثري، وإتقان هائل للتفاصيل والأبعاد والمنظور، ولا تزال حتى اللحظة تعالج مواضيع تعبر عن تظاهرات قدمها أبطال بأسلوب سلمي وسردي وانفعالي، ويظهر ذلك واضحا في عمل الفنان رائد حسن الذي قدمه على وفق المدرسة التعبيرية التي ترفض القمع غير الإنساني لمتظاهرين عزل مسالمين حيث تخترق القنبلة الدخانية.. وجهه وعينه ورأسه اللوحة بحجم (100في 120) .
ثم تأتي لوحة الفنان بلال بشير ضمن إحدى أكثر اللوحات تعبيرا لتاريخ علاقة الإنسان بالأرض إذ يرتبط ببعض الأماكن مثل ساحة التحرير التي تحتوي رموزا وأماكن يعرفها العراقيون كنصب الحرية ، جدارية فائق حسن ، ومن الأماكن أيضا هناك ، خزان ماء الباب الشرقي. اللوحة تعبر عن نفسها فلا يمكن تحليلها تفصيليا، وهذا ما يدفع الرائي الى التعمق في عناصرها وتحليلها فنيا، فبشير رسام واقعي تأثر بالأحداث الملحمية كما هو الحال مع العديد من الفنانين في عصره، ويخيل لي أنه ابتعد في هذه اللوحة الفنية عن أسلوبه الهادئ من خلال الألوان التي تميل الى اللون الحار في الجزء العلوي والذي يضيف جوا ملحميا للعمل، نفذ العمل بألوان الاكريلك على قماش كانفاس بإبعاد 120 في 100.
وقدمت الفنانة كوثر علي لوحة مبينة من خلالها معالجة هائلة للظل والضوء ، تروي قصة اتفاقيات الخارج والداخل والمؤامرات التي تحاك في وضح النهار ورمزت لها بالكؤوس باللون الأصفر، واللوحة مليئة باللون الأحمر الذي يرمز للدم العراقي الذي يراق، وتأتي المرأة العراقية التي تحتضن ابنها الشهيد والذي يمثل الوطن والعلم العراقي، لتقدم مستقبل العراق المشرق بدماء الشهداء بعد تحرره من الفاسدين.
وعند التأمل في موضوع لوحة الفنان علي عليوي نرى أنه قدم مشهدا
(
لا حرية بلا قانون) كما ورد في قانون حمورابي
ورسم الفنان حيدر القره غولي لوحة تشكيلية بطريقة فنية فذة لتحويل مشهد لمبنى عادي إلى صرح وطني يرمز للنصر ليظل على مر العقود يروي قصصا مختلفة تبقى محط إعجاب، بكل تلك التفاصيل يلزم الرائي على أن لا يتحرك من أمام اللوحة حتى لا يقطع الطريق للأمل علما بأن هذا الصرح سيجلي ظلمة الليل حتى لو أتى بعد سنوات، وهو الأيمان بالمبنى.
وفيما غلفت لوحة الفنانة زينب الركابي فكرة أساسية تحكي عن مسلة حمورابي التي ملأت ارض العراق بالعدل، وتقدم اللوحة مشهدا كأنه الليل -زمن الحدوث- حيث استطاعت توزيع الظلام والنور بحس دراماتيكي، وإذا كان الليل موجودا بحكم أن الحدث يقع ليلا فما مصدر النور؟ في الواقع أن النور الموزع بدقة وإتقان على اللوحة هو أحد أسباب عبقريتها، حيث إنه نور لا مصدر له، موزع بدقة لا تتناقض ولا تُفسد مشهد الليل العام، وكما يتخلل الليل لون الطبيعة وهو مبعث الأمل لأنها تمثل الحياة، اللوحة مرسومة بمادة الاكريلك ومواد مختلفة على كنفاس.
اما لوحة الفنان إياد البلداوي فتتميز بشدتها غير المقيدة، التي يتجاذبها تياران مختلفان من الشعور، فإما انك سترغب في الابتعاد عنها وتشعر بالنفور حيالها، وإما ستتغلب على نفسك في الخوض بصدمة من خلال التحديق والتأمل، فالمشهد في منتصف اللوحة يكون تحت نور الشمس الذي يأتي من بعيد ويرمي بظلاله على رمز الحرية ، فيما يأتي المشهد الثاني ليتحدث عن آلام الأم وهي تعاني حالة الفقد، ويأتي صاحب التكتك رافعا يده وفاتحا فاه، وكأنه يُعطي الأوامر، من رؤية بعيدة جسدتها اللوحة بإمكاننا ملاحظة الكثير من المذنبين يقدمون ذلك المشهد بطريقة تعبيرية مؤثرة، ، ارى أن الفن الواقعي الذي قدمته البلداوي أكثر قدرة على تمثيل الصراعات والحروب ومآسيها، ولكن قد تحمل بطياتها بصيص أمل لبزوغ شمس الحرية.
وأرى أن لوحة الفنانة دينا القيسي التعبيرية تعد عملا أسطوريا نجحت من خلاله لحجز مقعد لها بين مصاف الفنانين المهمين والشاهد بذلك أن تقديم أي عمل فني يجب أن يقدم بالضرورة كعمل لإثبات موهبة أو ذكاء الفنان وتقييمه للواقع الذي يعيشه، والتي تعكس ما نعيشه اليوم من أحداث، ولكن يبقى سر الأمل هو العنصر الذي يكمن في اللوحة. وهناك ملمح مهم في هذه اللوحة وهو خلوها تماما من أي أثر دموي.
بينما قدم الفنان علي خماس فكرة الغضب الذي تأجج في وجدان الشعب في عمله، حيث برزت فكرته من خلال معرض لمجموعة لوحات ملحمية، يشهد تحولا في الذوق من ناحية الألوان الدموية منبثقة من بساطة التفاصيل، بعيدا عن زخم الأحداث الذي يغرق فيه المشاهد، بالتالي فإن لوحة خماس أنبثق منها نور الأمل من خلال انبثاق اللون الأبيض والسماوي، والعلم الذي يعد ظهوره بصيص أمل من خلال تداخل ألوانه في اللوحة.
بينما قدم الفنان علاء شكري في لوحته أسلوبا عميقا وذكيا ومثقلا بالموهبة التي أثبتت نجاحها وقدرتها على تجاوز التوجهات المرحلية لتخلد نفسها على مر التاريخ، لأنها أثبتت من خلال سطوة اليد الضاربة بالحق على أن يكون نجاح هذه المرحلة سببه المتلقي والمبدع.

عرض مقالات: