قد يبدو من نافل القول الإشارة الى أن من أبرز ما إتسم به حزبنا الشيوعي العراقي، وربما إمتاز به حتى عن الكثير من الأحزاب الشقيقة، إرتباط جمهرة المثقفين والمبدعين الحقيقيين به وبمساره النضالي ومنهجه الفكري وشعاراته السياسية، لأسباب كان أبرزها المكانة المتميزة التي خص بها الحزب قضية الثقافة ومهمة الدفاع عنها وعن حرية الفكر والتعبير والأبداع، حتى صار الحزب رئة من الشعر كما وصفه الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو.

ورغم مرور هذه العلاقة بظروف قاسية أحياناً جراء أسباب عديدة منها، إلتباس مفهوم الأنتماء الطبقي لفئة المتعلمين، لدى البعض ممن إبتلتهم الحياة برمادية الفكرة فلم يبصروا خضرتها الوارفة، ووقوع الحوار الفكري أسير قلاع المركزية المفرطة، وقسوة التضحيات التي دائما ما تتطلبها مهام الكفاح، في بلد إبتلي بدكتاتوريات دموية بشعة، وتباين قدرة المثقفين، كما فعل الشيوعيون منهم، على الإيثار والعطاء الثر والحر، وديماغوجيا العدو والخصوم ورنين عطاياهم، فإن العلاقة سرعان ما كانت تستعيد حيويتها وتصحح مسارها بنفسها، ليس فقط بسبب أصالتها وضرورتها الموضوعية لكل أطرافها، بل وأيضاً لأرتباط الثقافة العراقية بالهّم الوطني وإنحدار أغلبية صناعها من طبقات حملت ولا زالت راية الثورة التي تعيد للبشر آدميتهم.

واليوم، حيث يطرح الحزب مشروعه النهضوي التنويري - الوطني الديمقراطي، في بيئة تهيمن عليها الأمية الثقافية، تلك التي أدت الى هيمنة الأمية السياسية وسيادة الفقر والمرض والإستقطاب الطائفي والأثني وضعف الهوية الوطنية الجامعة وإضطراب الناس والقرع اللانهائي للطبول الجوفاء، تشتد الحاجة الى تكامل المثقفين مع الجبهة اليسارية، بل والكفاح معا ضد الفصل بين السياسي والمثقف من جهة وضد الجمع القسري بينهما من جهة مكملة، وذلك على أساس إحترام التفاعل المشترك الذي يفضي الى تحولهما لطرفي رافعة تحقق إستنهاض المجتمع من كبوته القاسية. فالمشروع النهضوي يتطلب قبل كل شيء دراسة وتحليل البنية الفوقية شديدة التعقيد والتنوع في العراق، و تشخيص معنى التخلف، وتحديد المنهج النقدي الذي يكشف عن مساره التاريخي، وذلك بغية رسم السياسة التي تنبع من الإطار الجامع لقيم المجتمع المادية والروحية ووسائل أنتاجهما، سياسة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمشروع ثقافي يعيد صياغة العلاقات الضرورية بين الفكر والأخلاق والسياسة، ويخلق فرداً ذا قدرة على التحول نحو مجتمع الديمقراطية والعدالة.

وإذا كان الشيوعيون ولكل هذه الأسباب، بحاجة الى دور ومساهمة المثقف، بالفعل وليس بالقول والأدعاء، فإن للمثقف حاجة موضوعية للعمل مع الشيوعيين جراء تناقض مصالحه، وهو المعني بالمعرفة والمثقل بالمستقبل، مع كل أشكال التخلف، إبتداءً من الإستقطابات والجهل وحتى ما يفرزه عالم الرأسمالية المتوحشة من مآس وخراب، ومن هنا تأتي الدعوات المتواصلة، التي يوجهها الحزب في كل مؤتمراته ونشاطاته الى مبدعي شعبنا للتعاون والتفاعل للمضي على طريق التحديث والتقدم الاجتماعي.  

ويستلزم هذا التعاون المرتجى، فضاءً حراً خالياً من أية حجب مهما كانت وعلى أية ذريعة تعكزت، فأي تحديد مسبق هو حجاب مغلق. لا يتيح لك أن ترى إلا ما تريد أن تراه أو ما يُراد لك أن تراه. ولا يتيح لك أن تسمع أو تفكر أو تستنتج أو تختار إلا وفق ما يريده الأخرون. كما يقتضي هذا التعاون إتقان فن سماع الأخر والتخلص من إحتكار الحقيقة ومقولات الحتمية التاريخية.. إنه يستلزم الانتقال إلى مرحلة التحرر من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في وطننا.. إنه يستلزم إشاعة مفاهيم الحرية والوعي والاختلاف وتفعيل النقاش وتنشيط الأسئلة القلقة حول كل ما مر ويمر بنا، حول مشكلاتنا التاريخية والمعاصرة، حول موروثنا وحداثتنا وإبداعنا.

وكما لا بد أن يحجم السياسي، والحزبي الملتزم بشكل خاص، عن دس إنفه في حرية المبدع، لا بد للمثقف أن يحترم الخيارات السياسية التي يتبناها المناضلون الحزبيون في إطار ساحة عملهم، لضمان نجاح ذلك التعاون المنشود.

واليوم، وفي العيد الرابع والثمانين لميلاد الحزب، تتجدد الدعوة لمزيد من العمل بين الحزب وجمهرة المبدعين من أجل الخلاص من نظام المحاصصة والقضاء على الإرهاب وتطهير البلاد من الفساد، والشروع بعملية تحديث وتنوير شاملة، وكل عام والحزب والعراق ومبدعيه وثقافته الوطنية بخير.

عرض مقالات: