(في الوقت الذي وردتنا فيه انباء عن وضع صحي صعب للشاعر الكبير مظفر النواب، وردنا استذكار للقاء جمع بين المفكر واللغوي العالمي تشومسكي والشاعر النواب. ننشره في ادناه.. على امل ان يظل ألق النواب حياً بيننا).
المحرر الثقافي
قبل عام، استضاف اتحاد الأدباء العراقيين، الدكتور الجراح عزيز الشيباني، المتخصص في الأعصاب، والمقيم في أمريكا..قدم محاضرة رائعة عن علاقة الإبداع بالجهاز العصبي.. وتشرفت بتقديمها وإدارتها، وفي ليلة المحاضرة دعانا الشاعر الراحل إبراهيم الخياط (أدام الله محبته وذكراه) الى جلسة عشاء على شرف الشيباني، وكان من الحاضرين مجموعة من الأطباء الأصدقاء لضيف الاتحاد ومنهم الطبيب المعروف حيدر العلي.. وشرق الحديث وغرب عن ذكريات تخص نضاله أيام حرب الأنصار وعن المعارضة.. ثم تحدث عن أنفاس الشاعر محمود درويش الأخيرة والشاهد على موته.. وحين وصل الحديث إلى مظفر النواب.. سرد لنا الشيباني هذه القصة الرائعة..
في التسعينيات صار النواب يشكو من أعصابه، فحصلتُ على موافقة دعوته إلى (بوسطن) لغرض علاجه في مشفاي. وترحيبا به استضفته في داري، وسط فرحة عيالي .. وتحدثنا عن الشعر والسياسة والفن والفكر والتصوف.. ثم استدرك النواب طالباً ومتسائلاً : أيمكن أن ألتقي بتشومسكي؟.. فقلت، في سرّي، وما علاقتك به؟ ما الذي يجمع النواب، الشرقي الشعبي الشيوعي بتشومسكي الغربي الأمريكي الفلسفي.؟!! وحتى أخرج من خطيئته ألتفتُ إلى حاسوبي طالباً من السيد كوكل إيميل نعوم تشومسكي، فأجاب، وكتبت رسالة: (في ضيافتي شاعر عربي عراقي اسمه مظفر النواب يرغب في لقاء معك...) فأرسلتها وأخبرت النواب، وكلي ثقة بأنها (إسقاط فرض) لا غير.. وضمان لصدق خدمتي له.. وبعد ٢٠ دقيقة طنَّ الحاسوب لينبيء عن وصول رسالة، وحين نظرت فإذا بها من تشومسكي.. واستيقظت كل حواسي فيما ورد بالرسالة: ((أهلا عزيزي.. ما هذه المهزلة أتريد لقاءً سريعاً؟ وأنا مشغول لما يقارب خمس سنوات: مؤتمرات ومحاضرات وندوات وأستاذ زائر في كبرى الجامعات؟.. ولكن لا عليك ( لا أستطيع أن أرفض طلباً لمظفر النواب) نلتقي يوم (كذا) صباحاً في الساعة العاشرة، بمكتبي))، حينها (داخت) كل حواسي فجأة ودهشة :أيعقل أن يكون تشومسكي من أجاب؟ أيمكن أن يكون الإيميل مزوراً.. فأدرك النواب دهشتي و(صفنتي) فقال ( شبيك عزيز خوما أكو شي).. لا لا ماكو شي بس تشومسكي جاوب
النواب: (اي وشكال)
عزيز: رحب باللقاء وحدد الموعد
النواب: خوش.. اي خلي اكملك سالفتي..
وبت حائراً بين النواب والترحيب به وسر هذا اللغز..
وكيف يمكن ألّا أنتهز فرصة كهذه... فأخذت معي كاميرا للتصوير وجهازاً للتسجيل.. وحين وصلنا إلى المكتب حسب الموعد استأذنت تشومسكي لتسجيل الحوار وتوثيقه.. ولكن ما في داخلي لا يهدأ ولا يصبر.. فقلت لتشومسكي أيمكن أن ابتدئ بسؤال؟
قال: نعم
قلت: ما علاقتك بالنواب.. كيف عرفته.. هل قرأت له؟
قال: لم أكن أعرف النواب.. ولكن دُعيت، مرة، إلى مؤتمر علمي وفي افتتاح المؤتمر عُرض فيلم اسرائيلي يتحدث عن علاقة الرؤساء العرب بإسرائيل وكيف يدعمون الدولة اليهودية، في السر، والفيلم مبني على وثائق حقيقية.. وفي الفيلم مشهد أثارني وهو زورق في نهر فيه مجموعة من المناضلين الحقيقيين ومنهم مناضل شيوعي يهتف ضد الرؤساء العرب ويكشف زيفهم، فبقيتْ قصيدته الحماسية النضالية عالقة في ذهني، وأخذت أسأل عنه وأبحث عن أشعاره وأفتش عن حياته وتفاصيلها فلم أحظ إلا بالقليل القليل،.. وحين وصلت رسالتك شعرت بفرح كبير ولا أريد أن أضيع الفرصة...أهلا بك مظفر النواب..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس تحرير مجلة "الأديب العراقي"