لون شعلان يدري نباكت الثورة

جا شك التراب وطلع من كبره

عدنه عالسوير المسألة الكبرى

الشاهد عندي الشاهد.. ذولة ايتام من العشرين

انه صوت المهوال السماوي الراحل حداوي ابو عبد الظالمي الذي خاطب الدكتاتور حينما رافق وفد المحافظة لاسترضائه بعد الانتفاضة الشعبانية.. فارتجل هذه الاهزوجة التي اوقفت عرض فيلم المسألة الكبرى وادانت اولئك الذين حضروا بين يديه.. لانها بينت حقيقة حادثة القطار التي حدثت في منطقة (السوير) لا كما عرضها الفيلم في الفلوجة.. هذا يعني ان النزعة الثورية التحررية طغت على الاصوات الشعرية التي حملت لواء النهضة والاصلاح.. فتغنوا بالوطن وطالبوا بالحرية التي هي (وعي الضرورة) وتبنوا منهجا ثوريا تحرريا كان له الاثر العميق في المكونات الدلالية لمضامين قصائدهم واساليبها فلعبت دورا كبيرا في بث الوعي والروح الوطنية في وجدان الذات الجمعي الآخر..كما ورد على لسان الشاعر مظفر النواب وهو يصرخ ضد السحق الطبقي المتمثل بالاقطاع ودوره الاستغلالي..

لا تفرح بدمنه لا يلقطاعي

صويحب من يموت المنجل يداعي

وعلى الامتداد التاريخي للنضالات العراقية كان الوجود المجتمعي كما نرى اليوم في انتفاضة الشعب التشرينية موحد بصوته المطالب بوطن حر بعيد عن الاحتلالات والنهب والسلب والقتل والخطف وهو يستذكر اهزوجة الشيخ منذر آل فرعون..

ما تنداس ثايتنه وحدنه

مبارد ماتحد بينه وحدنه

نشك شكوك ونخيط وحدنه

شك ما يتخيط شكينه

وها هي الجماهير تنتفض من الادنى الى الادنى وعلى امتداد الوطن المفقود.. لذا صرخت باعلى اصواتها(نريد وطن)..

  ولا يفوتنا مشاركة المرأة بفعلها الثوري والامومي وهي تتخذ من صورة المرأة التاريخي عموما وامرأة ثورة العشرين خصوصا.. والتي كانت المرأة فيها فعل محرض وساند للثورة والثوار .. ودليلنا الشاعرة الفطرية (فطيمة) من عشيرة الظوالم خير دليل اذ يعود اخوها من المعركة فتسأله عن ابنها فيجيبها باهزوجة حماسية(جن لا هزيتي او لوليتي) دلالة على استشهاده .. فتجيبه مفتخرة (هزيت او لوليت هذا).. اما (عفته بنت صويلح) فلاهزوجتها خصوصية بث الحماسة في روح ولدها خصوصا والمقاتلين عموما حين مر البريطانيون بولدها مأسورا فتشاهده مقيدا فتخاطبه (بس لا تتعذر موش انه)..فيجيبها (حطوني بحلكه وكلت آنه)..هذا يعني ان الاهزوجة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمع ومناسباته وهي مفعمة بالحكمة والتحريض تعززها التورية والمجاز واعتمادها بحراً متجانس التفعيلة انه الخبب (فعلن فعلن فعلن فعلن....).. وتسمى لدى الشعراء الشعبيون بـ (الهوسة) ومنهم من يسميها (الطربكة) نسبة الى قوائم الخيل (طربك طربك)= فعلن فعلن... ومنهم من يسميها (الاهزوجة) التي تتشكل من ثلاثة ابيات مختومة بالاهزوجة الدلال على المقصود.. كما في قول الشيخ مرزوك العواد الذي يعد من رجالات ثورة العشرين وقادتها الذين اجبروا بريطانيا على تشكيل حكومة وطنية.. فكان تنصيب الملك فيصل الاول نكاية بالثوار الذين يريدون زعيما عراقيا من بينهم.. وفي زيارة للملك لبعض الالوية العراقية يرافقه وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني فمروا بالشامية قاصدين الشيخ مرزوك الذي استقبلهم بما يوجب عليه حق الضيافة والاستقبال.. حينها طلب الملك من الشيخ ان يقدم له هوسة.. فاجابه الشيخ: انا لست بمهوال.. وكرر الطلب الكيلاني آمرا (مرزوك هوس لجلالة الملك)فاغتاظ الشيخ من الكيلاني وامره وتجاوزه المشيخة..فاجاب والشرر يتطاير من عينيه.. (هسه حلت وحلت الهوسة) فانشد:

ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكية

وابن (عليه) وزير ويامر اعليه

ابحظك هم شفت هاي الافندية

بالرارنجية انت ويانه

وابن (عليه) هو الكيلاني الذي لم يذكر له اسم في ثورة العشرين لكن الصدفة والعلاقات هي التي منحته السلطة..

  ولا يفوتنا ان نستذكر الشاعر الشعبي الساخر عبود الكرخي سياسيا واجتماعيا وهو يجعل من مجلس الاعيان آنذاك بؤرة سخريته التي تجرنا للقول ما اشبه اليوم بالبارحة..  باسلوبه النقدي لسياسيي الصدفة..

قيم الركاع من ديرة عفج

تشوفه هيبة وعنده لحية مسرحه

يشتم بلا خجل وبلا مستحه

من يحس المقعد شوية اندعج

قيم الركاع من ديرة عفج

ان بروز ظاهرة الشعر الشعبي بهذا المنحى الثوري الممزوج بالعاطفة انما هو امتداد تاريخي لما سبقه.. بتعابيره الصادقة التي تلامس نبض الشارع ومتطلبات شعبه من اجل وطن حر وسعادة حقة..

عرض مقالات: