أعلمُ ان غرابة العنوان تستثير تساؤلاً عما وراءه. لكن ما لديَّ من اجابات لا تحسن الا السير البطيء والا الاشارات الى التفاصيل التي سبقت حضور الظاهرة.

ها أنا أشرت الى "ظاهرة". وهذه تثير تساؤلاً آخر أيضاً. فماذا يريد هذا المتكلم وهو يُتبع سؤالاً بسؤال؟ نعم هذا حقكم في الاعتراض واستنكار شدة البطء ونحن نريد الحقيقة.

لكن يا سادتي، الحقائق ليست قصباً ولا شوكاً. الحقائق نتائج فعل أزمنة ودلائل واقع كان أو واقع نعيش.

إبراهيم الخياط، العراقي، ابن ديالى، ولداً وفَتًىً. والبساتين والسواقي والانهار وما يطلع من زهر وثمر، للناس تعيش عليها أو تتمتع بها. فأن يعمل إبراهيم من اجل شعب أو من أجل زملائه في اتحاد الادباء او بين الجماهير، هو طبع موروث صقلته وأكدته التربية الحزبية التي تُعلّمُ ناسَها أدب العمل بين الجماهير.

حقيقة ثانية، لا يجب اغفالها أو المرور بها بغير ثناءً عليها: تلك هي: أننا نجد باقات من شباب لطاف مهذبين صفت نفوسهم فلا أحقاد ولا امراض وبلا عطن الأزمنة التي دمرت حياتنا وسممت ما مررنا به من أيام. شخصياً أشعر بسعادة، بفرح إذ أرى طلائع مستقبل، نتمناه، حينما أرى، مثلاً، في اتحاد الادباء مجموعة شباب يجمعون بين اللطف الانساني ومحبة الادب والثقافة ونظافة القلوب والضمائر ويمنحون المحبة لسواهم من جميع الاتجاهات والافكار.

لقد تحررت هذه النخبة من بؤس وأمراض ورداءات ظلت تفتك بالمجتمع، فكانت صانعة كراهات وشناعات. إبراهيم واحد من فريق أريحي كريم الخلق، طافح بالشباب والحيوية ومحبة الحياة. أولئك هم إبراهيم وأخوته وعديد طيبون معهم. من يقول أن أحداً من أولاء كره أو جرح مشاعر أحد أو رآه عبوساً كارهاً لا ضاحكاً مرحباً يبهج من يأتي؟

ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن المجتمع بعد ويلاته وخصوماته وعداواته وثاراته، استطاع ان يطلع نبتاً بديلاً، ان يطلع نخباً تمثل ما كان أمنيةً وظل أمنية لنا، استطاع ان يقدم نماذج من الشباب يرسمون بدء مرحلة "انتصار المواطن"

كان إبراهيم شيوعياً. حسناً، كيف كان في عمله النقابي؟ في خدماته، في لغته وسلوكه مع من يخالفونه في الافكار والاهواء ويختلفون عنه عمراً ونوع ثقافة؟ كان عراقياً نقياً خدوماً مرحباً بالجميع ومحباً!

هو زهرة ربيع جديد وهو اشارة مشرقة لمرحلة أخرى جديدة ينتصر فيها الشعب على مخلفات وكراهات ورثها زمناً حتى صار يدين بها. وتلك السيئات المدمرة للحياة، كانت لصالح الاعداء، اعداء الطليعيين واعداء مستقبلهم ومستقبل وطنهم.

هذه النخب الطالعة، هذه النماذج الانسانية صافية اللغة صافية العواطف، المحبة، تمتد صداقاتها ومحبتها لجميع من يعمل معهم أو يشاركهم في المكان. نحن نرى في كل المحافظات نماذج من أولاء الجدد الانقياء البعيدين عن أمراض وسيئات وكراهات الماضي. هي أزهار ربيع طلعت واضحة الاختلاف واضحة الاشراق ومريحة للجميع. هي في كل مدائن العراق اليوم في المنظمات وفي المقاهي الادبية وفي التجمعات. ونحن على أمل بأن نراها حيث نكون في الحياة..

هذا هو معنى إبراهيم الخياط. وهذا ايضاً سبب مظاهرات أو مواكب الفقد والرثاء والاسف على غيابه. الجميع رأوا وردة الانتصار ففرحوا بها وانكسروا جميعا حينما غابت.

بابل الكبيرة بكت تموز وهو يغيب.

هو حزن الشعب على اختفاء ظاهرة افرحته وعلى بشرى أومأت بضوء خلاص.

الآن هل اتضح حجم الخسار وعِظَم ما افتقدنا؟ يبدو أن قوة قدرية سوداء ساءها الضوء الذي اتقد، ساءتها الظاهرة الجديدة، فهي انعطافة مدهشة لشباب جديد نقي لا يعرفون غير الحب والضحك الجميل والفرح بالعمل والانجاز، يبارك ويحب الواحد الاخر ويفرح للنجاحات من كل اصحابها. هكذا تماماً، تماماً كان إبراهيم الخياط يهب محبته واحترامه وترحابه واعتذاراته للجميع ولا فرق بين معتقد وآخر وبين اتجاه وآخر. فما رأى أحدٌ منه يوما كراهة أو رفضاً أو جفاف طبع وقلة اهتمام.

وهو هذا السلوك الوطني والثقافي والمهني الجديد. وهي هذه بشائر الحياة الجديدة المتمناة. وهي هذه أيضاً روح الظاهرة الشبابية الجديدة. وهم أولاء مستحقو الثناء، إبراهيم واخوته الذين آمنوا بمحبة الوطن وبمحبة الثقافة وبمحبة الجميع!

لقد كان الفقد كبيراً، واسعاً وفاجعاً للمتطلعين الى عالم جديد والى مرحلة فاضلة غير التي اتعبت الناس والتاريخ.

جبهتان اليوم، واحدة كبيرة مثقلة بالجرائم والحروب والرداءات الاجتماعية والعداوات وآثارها وأخرى جديدة ناشئة تريد حياة وثقافة وبلداً وطناً للجميع. هي أخلاقية ثقافية جديدة وهي وطنية جديدة وهو هذا معنى إبراهيم الخياط.

كان فقيدنا الاكثر إلتماعاً في الحراك الجديد والاكثر وضوحاً أمام الافق وموت إبراهيم كان انتقام الشر من الخير القادم. موت إبراهيم:

ضربة سُدِّدت باتقان الى علامة الاختلاف التي بدأت بالسطوع، الى الوردة الذهبية التي تشتعل في جميع الجهات!

وداعاً ابراهيم

وللعراق ولكم ولكل الشعب السلام.

عرض مقالات: