ورقة قديمة، عثرت عليها في بدلة قديمة أيضاً، وثمة صور لمجموعة من الشباب وهم يرتدون ملابس بسيطة، يرسمون على وجوههم ابتسامات باهتة،  وخلف الصورة القديمة ، كتبت بخط اخضر باهت كلمة " الصداقة "  بين قوسين، وعبارة اخرى تبدأ هكذا (  ربما يفكر من يكتب عن الصداقة عاداً إياها حظا أو شيئا ربما يخضع لمعايير خاصة  يرسمها القدر خاصة حينما  تأتيك الصداقات كهبات من السماء ، كما ورد فيما بعد كلمة الاستهلال ، اشياء لاتخفي كلماتها  الرغبة الكبيرة في صداقات حقيقية مع اشخاص يقفون بجانبك حتى النهاية...

(إن حالفك الحظ / ستحصل على بضعة اصدقاء رائعين / اشخاص يقفون بجانبك حتى النهاية / تكبرون معا / تحلمون معا / وتفعلون كل شيء معا

تضحكون معا / وتبكون معا)

في آخر هذه الجمل، حاول أن يفلسف الصداقة والصداقات فيقول نقلا عن " ديكنسون ":

ــ "الاصدقاء أوطان صغيرة"

ووضع تحت العبارة خطا بقلم أحمر، وتحتها بذات الخط المتعرج عن " التوحيدي" وهو يصف الصديق بأنه:

ـــ "هو أنت في شخص آخر"

حينها سالت دمعتي وأنا استعيد صور اصدقاء كثر ربطتني بهم صداقات تشبه الأوطان الصغيرة التي تحدث عنها "ديكنسون".. واصدقاء كانوا أنا في شخص آخر، كما قالها "التوحيدي "

وفكرت، هل هناك امكانية للكتابة عن الاصدقاء ـ كما كتب رجل البدلة القديمة ـ المحطات الكبيرة التي جمعتني بهم، ربما عنيت الحياة الكبيرة والواسعة سعة الكون؟ لكني احسست بأني ربما استطعت أن أقدم شيئا للصداقات حينما سلكت سلوكا أعده معادلاً موضوعياً وهبني قليلا من الراحة، حينما اخترت أحد أهم شخصيات روايتي " لماذا تكرهين ريمارك؟ " والذي حمل اسمه، ولا أعلم " في حينها " لماذا اخترت الاسم الكامل للصديق الشاعر " أكرم عبد الرحمن " الذي اغتيل بمفخخة في الصدرية ـ ليس في الرواية ـ   بل في الحقيقة، صديقي الذي فقدته واحسست بالفقدان بعد أن وصل الوطن الى ماوصل اليه من " ازمة في الصداقة " سببت غصة احسها منذ الصباح حتى آخر الليل بل تمتد بك الى صباح اليوم التالي وهكذا " ازمة " لا منجي منها إلا بالصداقات وذكريات الصداقات .. الصداقات الوطن الصغير والصداقات التي تتحول فيها الى أنت في شخص آخر ... فهمت كيف تحرك اللاوعي لدي لأختار اسم " أكرم " كبطل رئيس في روايتي .. وفي اللحظة ذاتها اتصلت مباشرة بأصدقاء فارقتهم منذ زمن" وعرجنا على الموضوع ذاته، أن لا منجي لك من " المغثة " في هذا الوطن سوى الصداقات .. الصداقات الحقيقية .. تواصل أكرم معي رغم فقداني له، وكان يشكو من " المغثة " ذاتها  .. وحينما سألني عن مشاريع جديدة، لا أعلم كيف قفزت كلمة " الصداقة " التي عثرت عليها في بدلة قديمة .. قلت له انها مشاريع جديدة قديمة عثرت على مخطوطتها في جيب بدلة قديمة  .. وحاولت أن اشرح له افتقادي الحافز أو تلك المشاعر والاحاسيس التي كنت احسها فيما مضى حالما انتهي من كتاب، تلك الحماسة والزهو والحرص على نشر الكتاب في وقت يجعلني اتحسس الكتاب المطبوع كأنه ـ لافرق اطلاقا ـ عن صداقة يمكن أن تحيلك الى المشاعر ذاتها التي تتشارك فيها مع صديق حقيقي . فسرها صديق الواقع والافتراض؟ " لماذا لانكتب رسائل حديثة عن الصداقات ونودعها بدلات جديدة، هل هذا سبب أم أن هناك أسبابا أخرى؟

المصدر: بدلة قديمة

عرض مقالات: