يحيلنا فيلم رجل سكة الحديد الى معادلة الجلاد والضحية مستعرضا حقائق النفس البشرية في دفاعها عن انسانيتها وبحثها عن هويتها ازاء العنف البشري، متناولا العنف الذي واجهته سرية من سرايا القوات الانكليزية التي تقع في اسر القوات اليابانية عام 1942 في تايلند. عبر سيناريو كتب عن قصة حقيقية لضابط في الجيش الانكليزي هو " اريك لوماكس " الذي عذب في سجون اليابان ابان الحرب العالمية الثانية، ادى دوره الممثل " كولين فيرت " منطويا يتابع بشغف خرائط السكك الحديدية فهو يعرف المحطات والقطارات " يسافر طوال حياته جامعا تذكارات السكك الحديدية " او كما يصفه صديقه " لم تكن حياته سوى قطارات " يتعرف بالصدفة في احد القطارات بامرأة جذابة، تؤدي دورها الممثلة " نيكول كيدمان" فيخبر اصدقاءه في نادي قدامى المحاربين والذي نعرف فيما بعد انهم القلة القليلة الباقية من السرية التي تم اسرها في عام 1942 يخبرهم "انه وقع في الحب" وبعد لقاءات قليلة، يتزوجان في الكنيسة بمباركة الاصدقاء، بعد الزواج تكتشف الزوجة انه يعيش كوابيس غريبة، فنراه في لقطات حلمه ، وهو يخضع الى تحقيق من قبل شخص ياباني ، تسأله ولاتجد اجابات لديه ، لكنها بعد تكرار هذه الاحلام تلجأ الى اصدقائه في النادي الاجتماعي، يكشف لها احدهم ماعاشوه من رعب حينما تم اسرهم وعزلهم عن العالم تماما ، يخضعون الى تحقيق رهيب من قبل ضابط الاستخبارات الياباني يؤدي دوره الممثل الياباني " هيروكي ساندا " تعذيب يتم فيه تكسير الجسد وتقطيعه وبعد انتهاء الحرب لاشيء يبقى في عقل البطل سوى صورة جلاده عالقة في ذاكرته وهي تمارس طغيانها وجبروتها عليه في احلامه .. تتأرجح علاقته الزوجية بين الاستقرار والتشنج، لكن صبر الزوجة يكاد ان ينفذ يفترقان فترة ويعودان. وفي احد الايام تصل اليه معلومة من احد رفاقة في النادي ان جلاده الياباني لايزال حيا ، ويعمل في بقايا معسكرات التعذيب كدليل للسواح بعد ان تحولت تلك المعسكرات الى متاحف لعرض ماعاناه الاسرى " اذن هو حي " يسلمه السكين التي جلبها معه من الاسر والتي كان يعذبه بها جلاده ، حالما يصل الى المعسكر الذي تحول الى متحف محاط بالحدائق ويؤمه سواح من كل مكان ، في لقطة اخراجيه هائلة يجد نفسه وجها لوجه مع جلاده ، الذي لم يتعرف عليه ، يبقى يحوم حول المتحف وقبل الاغلاق يدخل الى احدى الغرف وينتظر " ساندا " الذي يدخل ويراه .. يخبره ان المتحف قد أغلق، يقول له انه اتى من مكان بعيد .. اتى ليعرف مالذي جرى هنا وهو يشير الى صور لرجال " اريد ان اعرف ماذا حدث لهم " ثم يناديه باسمه، يسأله ألم تعرفني، يردد الجلاد اسم لوماكس ، ثم تبدأ عملية الاستجواب المعكوسة ، الضحية تستجوب الجلاد ، هنا تبدأ براعة " السيناريو " واللمسات الاخراجية الفنية المحكمة .. سيناريو يرقى الى عمق الاحداث وقوتها ، يتناغم معها الرؤية الاخراجية المعتمدة على الفلاش باك الحي وامتزاج الماضي بالحاضر ، يسأله كيف نجوت وانت مجرم حرب ، يجيبه ، قلت لهم اني مجرد مترجم ، وفيما بعد عملت في المقابر ورأيت الكثير من الجثث " يجيبه " ذهبت لتدفن من قتلتهم " " لم اكن اتصور ان يموت كل هذا العدد " وحينما تبدأ عملية التعذيب العكسية ، يضع يد الجلاد على حامل خشبي وحينما يهم بتحطيمها ، يفشل فيطيح بالمنضدة الخشبية ، ويضع السكين على رقبته فيفشل في حزها ، ويقوده الى تلك الصناديق الصغيرة التي كان يحتجز بها ايام طويلة يغلق احداها عليه ويذهب الى الغرفة المظلمة الغرفة المخيفة التي كانت تراوده فيها احلامه بشكل يومي والتي لم يستطع التخلص منها، حينها يتوصل الى يقين ان لافائدة من القتل ، يفك أسر جلاده من الغرفة الخشبية ويلقي السكين في الماء ويعود، وهو يحس بانه قد تحرر تماما من كوابيسه ... ويتلقى رسالة من الجلاد ، يشرح له فيها انه مذنب وانه مستعد لان يغرس السيف في معدته اذا لم يسامحه ..يقرر ان يسافر هو وزوجته الى تايلند وبعد وصولهما يسلمه الرسالة بيده .. فيركع الجلاد وهو يصرخ انا اسف .. هذه الرسالة الرائعة التي قدمها لنا هذا الفيلم الجميل " يجب على الكراهية ان تتوقف " رسالة في شكلها الجمالي الاخاذ .. تمثيلا واخراج الاسترالي "جوناثان تبليرتزكي" وموسيقى تصويرية وموثرات هائلة.

عرض مقالات: