اليوم نلتقي، مجدداً، في بيت الحزب الشيوعي العراقي المتواضع، في حفلنا التكريمي الذي تقيمه اللجنة المركزية لحزبنا احتفاءً بالمبدع الشاعر موفق محمد ..
ومن بليغ الدلالة أن يأتي هذا الاحتفال بشاعر العراق الكبير في عام الذكرى الخامسة والثمانين لتأسيس الحزب، الذي أنشد له موفق محمد كل حين، وكان آخر انشاد ما قدمه من اسهامة شعرية مميزة في احتفال الذكرى الخامسة والثمانين لميلاد الحزب.
اليوم نحتفي بتمرد الشاعر، وسخريته المريرة، وغضبه الثوري، وصوره المضيئة، ومثله الجمالية الرفيعة، وسيرة حياته الملهمة.
على نهر الحلة يمتد تاريخ من العنفوان يتجلى، من بين مجازات أخرى، في قول موفق محمد: "لم أكن شاعراً في يوم ما .. أنا راوٍ لشاعرة اسمها الحلة"!
ولم يغادر موفق محمد منزله الأول، فقد ظلت الحلة، حتى في ظلامها الموجع، منيرة في روحه، تمنحه الالهام والاحتجاج والتحدي، وترشده وترشدنا نحو ذلك الحلم الذي رافق الشاعر منذ ما يقرب من خمسة عقود، يوم أبدع قصيدته (الكوميدياالعراقية)، وهي سيرة البلاد، ليمتد طريق رحب، سار فيه على جسور من أشواك، فيبلغ بنا نصب الحرية، حيث (لا حرية تحت نصب الحرية).
هذا الشاعر، الذي ظل على الدوام يحمل بذور الشك، وما اتكأ يوماً على أرائك اليقين، ظل يرتوي من ينابيع الاطاحة بالسائد، وهو يقاوم وحشية المؤبِّدين للواقع المرير .. يحمل على كتفيه توابيت ملايين العراقيين من ضحايا الحروب والاستبداد، وهو يمضي مع الرايات السود والنساء النائحات على أحبتهن ..
ولكن نهر الحلة كان، ومايزال، يجري وئيداً لأنه يعلم أن موفّقاً يريد أن يصدح بمرثاته لزمان الخراب والانحطاط، ويطلق نشيده الذي يصيب سدنة الراهن بالهلع، ويقول قصيدته التي توجعنا، وتبصّرنا، وتمنحنا الأمل.
هذا الهجّاء، الذي صار، في سنوات الحصار، بائعاً للشاي على رصيف في المدينة التي ما ارتوى الا من نبعها، كانت قصائده تستنسخ مثل منشورات سرية، وتتنقل من يد الى أخرى، مضيئة عذابات الناس، واليأس المقيم، والرجاء الذي يومض من بعيد ..
وفي تلك القصائد، وفي كل ما كتب، كانت حدة وشفافية رباعيات الوتر الشعري تمتزج مع حزن الموال العراقي، مستثمرة التراث، وموظِّفة الحسي واليومي والمحلي، وعابرة، في القصيدة ذاتها، من التفعيلة الى النثر، ومازجة بين الفصحى والعامية، في ايقاع كان نسيج موفق محمد، الذي باتت قصيدته تحطم أسوار السجون والغرف المغلقة لتحلق في الفضاء، واليها تتطلع أنظار أفواج المفجوعين، والحالمين بتغيير العراق ..
موفق محمد .. أيها الشاعر الذي ولد على بعد موجتين من نهر الحلة .. معنا تسير في درب الآلام .. بك نحتفي ونفتخر .. ونعلم أننا، بأسئلتك الحارقة، ومجازات شعرك المضيئة، وأمثولتك الملهمة، نمضي الى حيث يرشدنا عذب فراتك الى ضفاف أمل اسمه العراق الذي نريد !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
كلمة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في حفل تكريم الشاعر موفق محمد أمس الاول على قاعة بيتنا الثقافي في ساحة الاندلس ببغداد. قدم الكلمة الرفيق رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب.