كنت قريبًا من نبض هذه الحركة التي ولدت مع ولادة الحزب الشيوعي العراقي، ولم تكن ولادتها نتيجة ظروف طارئة حدثت في الثمانينيات من القرن الماضي، بل ان ما حدث للحزب بعد عام 1978 هو نتيجة للوعي الجمعي الذي بنيت عليه النظرية الماركسية. ان الوعي المادي للتاريخ لا يغير العالم إلا عبر الناس الفاعلين، شرط ان يرافق فعلهم تغيير مادي في الممارسة العملية للتغيير، وليس وفق نظرة الماديين السكولائيين الذين لا يشترطون الفعل المغير فيصطفون مع المثاليين، وفويرباخ نموذجهم الأساس. حركة الأنصار جزء من الوعي بالتغيير، وليست حركة رد فعل على ممارسات سياسية قمعية وفاشية آنية.

أقول كنت بالقرب من هذه الحركة، يوم كنت في عمان ودمشق، ولكني لم امارس عملها المتفرد، بقدر ما مارست عملها الثقافي، وكنت اردد مع نفسي: يكفي عليك هذا الموقف البسيط الذي يربط بينك وما تؤمن به.

لست بصدد تزكية هذه الحركة، وإن هي مزكاة، ولا بتوثيقها، فقد يوثقها المنضوون فيها، فلم أكن من جنودها الداخلين في بنية بيتها. ولكني اشير إلى جدواها، وضرورة استمرارها، فقد كانت رديفًا لكل المقاومة العراقية التي نشأت في ايران وسوريا وبلدان المهجر، وكانت فائدتها أنها اصطفت مع التغيير، ولكنها لم تكن تؤمن أن النتائج تأتي دائمًا بمثل ما تريد. وهذا هو الذي حدث، وعلينا ان لا نتخلى عن ثقافتها، وعن ديمومتها، وعن أي فعل يتواصل جذريا معها، كي لا يخفت صوتها ولا تتشتت أضواؤها، ولا يقل بريقها، أو تصبح جزءًا من تاريخ منسي. أشهد في بعض كتابات الأدباء في الفيسبوك وفي جلساتهم، أن نبضهم مع احياء هذه الحركة في الآنية، بشرط أن تكون في ميدانها الثقافي والتنويري،  أي إشاعة ما يكتب عنها، وتدوير إنتاجها الثقافي ،وتعميم رؤيتها. فهي ليست مجموعة بنادق بيد ثوار شيوعيين، ولا هي مجموعة من المواضع والمتاريس احتمى بها مناضلون، إنما هي حركة تاريخ فرضتها ظروف المواجهة مع قوى فاشية، فكانت نتائجها ليست بالمدى الإحصائي لإيجابياتها. فقد تكون لسلبياتها قوة الإيجابيات، لأنها حركة ليست محكومة بزمن ولا برغبة أفراد، إنما هي ممارسة عريقة كانت جزءًا من خطاب سياسي تنويري، تشكل خزينًا للوعي المغيّر للسياقات النضالية الجامدة.

 من هنا، وفي ضوء ذلك، أصبحت حركة الأنصار امتداد ًا لتلك الحركات النوعية؛ في السجون، وفي الأهوار، وفي الثقافة، وفي الممارسة الفكرية، وفي الاجتماعات المركزية. هي نبض بلاد، الوعي بها، إلا أولئك الذين جربوها، واختبروها، ومارسوها، واكتووا بنار صوابها وفشلها، إن كانت في أهوار العراق وجباله، أم في سجونه وشوارعه. إنها جزء من صوت لم يخفت أواره، ولم تنطفئ جذوته، وعلى من يهمهم الأمر أن يديموا اشتعال هذه النار الثقافية، دون أن تخرج من مواقدها النظرية والفكرية والثقافية، وان لا يجعلوا منها طريقة للمغايرة بقدر ما يصيّروها فكرة قائمة بذاتها، تنشد أن يكون هناك وعي للتغيير بها، ليس مدار نقاش، أو اجتهاد في أهدافها، وعي كان جزءًا مهما من ممارسة تاريخية، ثبت صوابها، وأتت اكلها، وحققت ضمن مدياتها ما خُطط لها.

 الآن بدأنا نقرأ روايات، ويوميات، ومذكرات، وقصصًا، ونستمع إلى أحاديث وحكايات عن الشهداء وعن مناضلين، وعن احتضان قرى كردستان لحركة الأنصار، توازنا مع نضال البيشمركة، وأحيانًا نقرأ ما يناقض ذلك. كل هذا جائز في حركة مختمرة في قاع الحياة اليومية لتيار سياسي عريق في تشكيل ممارساته، اقول نقرأ أدبًا، بمختلف اساليبه وكتاباته. فلماذا لا يكون له اسمه ووشمه الخاص، من أنه أدب مقاومة؟ فأدب المقاومة متعدد المسارب والطرقات، ويمشي  على عكازتين، الحزب والوطن، لماذا لا يكون لدينا أدب مقاومة وليس أدبا للحرب؟ فأدب المقاومة ينتمي للشعب، بينما أدب الحرب ينتمي للسلطة.