تذكرت هذه الحكاية يوم سكن الحزن اجفاني وانا ارى كنيسة روتردام تحترق ومعها تحترق ذكرياتنا مع رواية هيجو الرائعة احدب نوتردام.

ربما هذه الحكاية بعيدة عن اجفان فكتور هيجو لكنها تقترب منها بخاطرة الشوق الى باريس واحلام الفقيرة وهي تتمنى الوصول اليها.

بين روتردام والاهوار حكاية جيل وحلم وغرام..!

كان رمضان الأهوار مميزا في مائدته التي تغني عن أي مائدة أخرى، حين يأتيك اللبن الرائب من مناجمه وقد تم ترويبه حالما يخرج حليبه من ضرع جاموسته ومعه يكون هناك التمر وخبز الطابك والسمك المشوي وكل تلك الاطايب تمنحها لك الطبيعة المحيطة بك حتى قبل موعد الافطار بنصف ساعة وهذا ما يوفره لمائدة رمضان الطازجة أي مكان في العالم وكنا نطلق على هكذا مائدة رمضانية (فطور 5 نجوم).

انا هنا الان، بعيدا عن تلك المائدة الاسطورية، يوم يقف شغاتي امام جمر (المطال) ليشويَّ سمكة ونحن نعجن في لون الجمر الأحمر أمانينا واساطير احلامنا، فبعد رمضان يجيء العيد وتجيء اسفار طفولة الفقراء اراجيح جذوع النخل ومسدسات (البوتاز) والدشاديش المقلمة والاحذية الكتان البيض، ومعها تكون الحياة الرائعة هي ثلاثة ايام وما بعدها يجيء انتظار عيد آخر أسسهُ النبي ابراهيم (ع) يوم أراد حز عنق ولده اسماعيل (ع) نذرا للرب، لكن الله افتداه بكبش.

تلك الجلسة قارنتها ذات مرة بتلك المائدة الهائلة التي قدمت امامنا في فندق ماريوت في الكويت يوم تمت دعوة أكثر من مئة اديب عراقي من قبل مؤسسة البابطين لتأسيس ملتقى للثقافة العراقية لما بعد 2003.

وقتها كان الى جانبي صديق خدم مثلي معلما في الاهوار، ومع المائدة الكبيرة تذكرت ذلك الحال البعيد، لبن الجاموسة والسمكة التي تطلق ابتسامتها ضد جمر المطال، ورجل المعدان الذي يبعد اطراف يشماغه عن حافة النار ففي رمضان الماضي احترق (يشماغ) شغاتي فخسرناه نحن واشترينا له واحدا جديدا من المدينة عيدية له.

قال صديقي: ذلك الطعم الطيب بمذاق المكان وبراءة أهله في موائد رمضان لن يلغيه اي صحن روبيان وبقلاوة لبنانية وهبيط خليجي.

قلت: نعم، تمر (الشويثي) و(روبة) أم مكسيم الممتلئة دسما وبراءة عينيها، وذلك الطابك الذي يكون في رمضان من دقيق الرز العنبر فتتلامس نكهة العنبر مع نكهة القصب ليشع عطرا روحياً حاولت محلات دوجلاس للعطور في شارع كونيكز هاله (شارع الأثرياء) في مدينة دوسلدورف أن تلغيه، لكنها لم تستطع، لأن المكان هناك مكان لمشاعر البدء وهي حتما تختلف عن مشاعر المهجر......!

بين افطار في فندق ماريوت بنجومه الخمسة وبين افطار على ضفاف الاهوار تدور الذكريات لأصلَ الى قناعة أن السمكة التي يقلبها شغاتي على جمر المطال تساوي في لذتها الف صحن كافيار، وأن تلك الاماسي وحدها لقادرة أن تجعلنا نؤسس مدنا للروايات والخواطر والقصائد، وأن نجعل بورخيس النصراني يفطر معنا بمرح، ويشاركنا ماركيز أكل الطابك، فيما احدهم يتمنى ان تجيء الممثلة الفرنسية كاترين دينوف لتفطر معنا ونسألها إن كانت قد قرأت رواية فكتور هيجو احدب نوتردام؟

فترد بمرح: نعم مثلما قرأتم انتم بفرح رواية الظامئون لعبد الرزاق المطلبي.

فنرد ضاحكين وبلهجة معدان الله: شجاب الجبيشة الى برج ايفل؟

ترد ثانية بلهجة باريسية من ايام ماري انطوانيت ومدام بوفاري: تجيء مادام مرحكم أجمل من ايفل لأن الجواميس تنتج لكم الحليب وظهورها ليست محدودبة.

ضحكنا: انت في كل خيال تجيئين.

فقال احدنا ضاحكا: ولكنها تجيء وهي ترتدي الميني جوب.

رد المعلم: نستعير من أم مكسيم عباءتها ونلبسها اياها وتجلس بيننا ومعها صفاء مرايا اجفانها نحاول صعود اللوفر والسباحة في السين ونتمنى من فكتور هيجو ان يضع امضاءه على روايته الرائعة احدب نوتردام...!

عرض مقالات: