تدور احداث هذه الرواية التي كتبها الروائي العراقي فاضل القيسي في فترات زمنية متعددة منها فترة الحرب العراقية الايرانية وحتى انتهائها وبعدها حرب الخليج بعد احتلال الكويت وزمن الحصار وصولا الى الاحتلال الامريكي وانهيار النظام السابق.

لا تصنف هذه الرواية ضمن روايات الحرب على الرغم من ان شطرا منها يدور في فترة تلك الحرب التي كانت طاحونتها تهرس الشباب دون رحمة، فالرواية تقترب من السيرة الشخصية لبطلها (فؤاد) عبر معاناته وعذاباته والمشاق التي كابدها خلال رحلته التي اتسمت بالمخاطر والالام للهروب من اتون الحرب الى خارج البلد بهدف الهجرة الى مكان آمن. كما ان هذه الرواية رواية عراقية واقعية بامتياز.

الراوي العليم يقوم بتسليط عين الكاميرا على الاحداث كما يقوم بسرد الاحداث بتفاصيل دقيقة محاولا الامساك بالأحداث باذلا جهدا كبيرا حتى لا يفلت منه اي خيط . وهناك حوارات مباشرة بين الشخصيات تقطع هذا السرد بين الحين والاخر، وقطوعات زمنية تعيدنا الى الماضي  (فلاش باك) اشبه بقطار يخرج عن سكته وسرعان ما يعيده الراوي الى مساره على السكة.

ان واحدة من اكثر الخصائص المثيرة للاستفزاز في الرواية هو حضور الاصوات الروائية المتعددة التي غالبا ما تقفز في زمنها الى الخلف والى الامام، وهذا التكنيك يحمل امكانية تقديم الحياة الانسانية فنيا   فهناك حشد من الاصوات والشخصيات وكلها تدور حول الشخصية المحورية في الرواية (فؤاد سلطان) والذي يلقبه اصدقاؤه با (المغبون)  فضلا عن وجود امه صبرية المبروكة (ام محي) اخيه الذي استشهد في الحرب ولا تصدق انه مات وتبقى في انتظاره. امه التي تتلبسها رؤيا بان هناك جسدا شريفا لاحد الاولياء مدفون تحت صخرة وتريد ان تبني له ضريحا وقبة ليكون مزارا في قريتها. 

المشاهد الاولى في الرواية تدور في احدى الملاجئ المتقدمة في جبهات القتال حيث يؤدي فؤاد خدمته العسكرية الالزامية مع رفاقه في الملجأ ستار وسامر السمين المولع بالسينما وطلال وعايد الذي سيزوره مستقبلا في كوابيس لانهاية لها تفسد عليه منامه .

وهناك اخواته فاطمة وخديجة وشيخ القرية عدنان وصابر خاله المعلم  وهند البضة التي يرتبط معها بعلاقة جنسية وسعاد الحفافة التي يغتصبها عنوة بعد اقتحام بيتها على الرغم من ممانعتها . كذلك نجد اصدقاءه: خالد وضياء اللذين تجمعهم معه جلسات الشراب اثناء الاجازة  ولكل واحد من هذه الشخصيات دور مهم في هذه الرواية الى جانب شخصيات ثانوية اخرى التقى بها اثناء رحلة الهروب .

تقول الروائية البرازيلية نليدا بينون:

"خلال بعض الحفر في الكليشهيات  يمكن للمرء ان يروي معظم القصص السرية للعواطف الانسانية  لذا فان دور الكاتب هو هذا  جمع وتبرير العواطف  سردها  او وضع خطوط عريضة واقتناص لحظات التاريخ".

وهذا ما فعله الراوي حين تحدث عن علاقاته النسائية السرية والاحداث المثيرة للعواطف الانسانية مبررا تلك الاحداث. كما يقوم الراوي بالسرد ويقص قصصا ضائعة وهو يمتلك دورا استثنائيا يتوغل في الخفاء الى حيث يستطيع الفنان ان يذهب  فالفن يمتلك هذا الدور في شق عباب البحر والتوغل في اعماقه.

ومن خلال رحلته الطويلة منذ هروبه من جبهة القتال الى سفره نحو الشمال ثم تهريبه الى الحدود السورية واعتقاله واستجوابه واطلاق سراحه وبعدها الدخول الى لبنان سرا لغرض اللقاء بمهرب يقوم بتهريبه على ظهر مركب نحو جزيرة قبرص ثم فشل تلك المحاولة بعد القبض عليه وايداعه السجن لسنتين في بيروت ثم الهرب الى عمان بجواز سفر مزور حتى حصوله على اللجوء ورحلته نحو السويد (ارض الخلاص) واستقراره هناك نجد تفاصيل كثيرة واحداث متلاحقة لا يتسع المجال لتدوينها هنا.

ان رواية "سلمون عراقي" واحدة من الروايات العراقية القليلة التي يحق لها ان تتصدر هذا المشهد بما تمتلكه من عناصر الشد والتشويق واللغة المتماسكة حيث تتلاحق الاحداث وتتسارع وتجعل من الصعب على القارئ ان يلتقط انفاسه ان الكاتب فقط هو الذي يتقبل الكمال  والكمال في الرواية غير ممكن وفقا لطبيعتها كتعبير عن الحالة الانسانية وسط الفوضى الاجتماعية .

واخيرا يلخص الكاتب هروب فؤاد ورحلته حيث يمثلها بسمك السلمون فيقول:

"نحن نمتلك عناد سمك السلمون كي نصل لأهدافنا السلمون يسبح ضد التيار لهدف نبيل. قد تموت الكثير من الامهات في تلك الرحلة ولكن الاخريات يضعن بيضهن اعالي النهر ليولد جيل جديد تستمر به الحياة. اما أنتم فتسبحون ضد التيار املا بكسر تلك البيوض وقتل الحياة. تسبحون ضد التيار ساحبين معكم مجتمعا وبلدا باسره الى ماض تنبشون به يوميا بحثا عما يدعم مسلماتكم."

وهذا ما فعله فؤاد حين عاد من المهجر (السويد) الى بلده وقريته بعد سقوط النظام ليقرر البقاء ويعتمر العمامة.