هل (انخبط) ماء الشاعر كاظم جرداغ الركابي، أم ظل صافيا كالعادة تحت سماء جمعت كل سحب الموت في تلك اللحظة المروعة - قاعة يغلفها العسكر من الخارج والداخل وباشارة من سبابة رعناء تذهب ارواح بشرية ( بشربة ماء) كاظم الركابي--- هذا الشرف الشعري والذي يتناساه الاخرون مع الاسف - وأولهم الشعراء الشعبيون بحناجرهم الصاحية منها او تلك المتورمة للان من صراخ المناسبات الذليلة المنصرمة - ليتزاحموا الان على جميع الفضائيات لا يتركوا شاردة ولا واردة ليطرحوا مئات التنظيرات والحرفنيات والانويات الهزيلة بنشاز دون أن يلتفتوا مرة وبضمير مسؤول ليتذكروا الصفحات الناصعة في تاريخ القصيدة الشعبية النظيفة ومن خلفها شعراؤها - لا نطلب منهم على الاقل حتى اعتذارا - ولكن الا يستحق شاعر معتد - ككاظم الركابي - تذكرا اذا علمنا أن الركابي هو حالة شعرية تفردت كثيرا بقوة البناء وعمق الايحاء وجمال اللغة - هو من كتب جابعديش والمناجل وما لهاتين القصيدتين من سمعة شعرية عند كل الشعراء والمهتمين بالشأن الشعري وضعته كقمة من قمم الشعر الشعبي العراقي - ونستذكر اجلالا وقفته الشجاعة امام اكبر مقصلة في التاريخ البشري والتي حظرها غصبا وقهرا فاحس بالتحدي وانتفاضة الذات وانسانيتها والتي اراد الحاكم ان يسحق قدسيتها بأن تهتف كذبا له - فخلد الشاعر وقفته هذه والتي اقترنت بـ ...

أشلونكم ..

أشلون لون المستحه البعيونكم

مثل الأول ..

لو خبط مايه أو تبدل لونكم

هكذا-- وبدون التفاتة لما ستمطر غمامة الطاغية وما تصب من غضب ليعلن تمرده الشعري والخروج عن الطابور المرتجف من الشعراء والذين ما انكفوا يتزاحمون بنفاقهم لمدح قائدهم (الضروري) لجيبهم ليملؤه بدم العراقيين النشامى،  لينقلب الشعر الى مهانة لهم اولا واخيرا- أرى أن الشعراء هؤلاء باقون على مبدأ المنفعة والاستفادة من التزلف الشعري الفئوي والطائفي والجهوي ... غير عابئين بعار الموقف ونجاسته الشعرية وهم الاتون توا من فضيحة لا يغفرها الالم والجوع و الموت العراقي لهم – لأقول- (والله في خلقه ذو شؤون)- هل هم في هذا الفقر والبلاده لفهم التاريخ والشعر والانسان كمفاهيم تبني وتقوم احدها الاخرى- اما كان الشعر كائنا تنبثق من خلفه عائلة الرفض والتغير والبناء- اما ثقفوا ذاكرتهم مرة ليعلموا ان الشعر هو من يطهر النفس البشرية ويجملها قبل ان يجمل اللغة أيضا - الم يعرفوا ان الشاعر (عنترة بن شداد) حاضرا في المواقع وحاضرا في المواقف - لكنه غائبا في المغانم - الم يقرأوا ولو قليلا عن ( ناظم حكمت) وبسالته الشعرية الخالدة - الم يعرفوا ولو قليلا عن شاعر أسمه (كرومي) حينما طلب منه ملك الملوك (تيمورلنك) ان يقدر قيمته وملحا في ذلك كألحاح (صاحبنا الرئيس)- فأجابه (بأنك لا تساوي شيئا غير عشرين دينارا ثمن الحزام الذي ترتديه) - الم تعرفوا ان هنالك شاعرا شعبيا أسمه (مظفر النواب) لتثقفوا تصرفاتكم الشعرية بعيدا عن الانحناء المذل – ما أنتم و- أحمد فؤاد نجم- والذي يقف شامخا كهرم جديد شيد في القرن العشرين - حتى أقع في هذا التساؤل الصعب ما هؤلاء ورفض الشاعر - ابو سرحان - لكل وجوه المهادنة – ماهؤلاء وعذابات الشاعر - عزيز السماوي- ومحنته العراقية وغيرهم من قال قولته ومضى بسمعته البيضاء- انا لا انطلق من روح و ومنطق الفريسة للتشفي باخطاء هؤلاء بقدر ما هو موقف ينصب من وألى العلاقة التاريخية المقدسة ما بين الشعر والانسان واظن انني هنا محاور ايجابي لبناء الاحسن وذلك بالتنبية للاخطاء الفادحة التي ندفع الثمن غاليا وبالاخص عند التجربة العراقية المفجعة - ما هؤلاء ليجلسوا في الصف الاول كالاخفاف بهذا الكم من التواجدات يصولون ويجولون غربا وشرقا دون أن يفكروا مرة بتذكر تماسك هذا الشاعر (الركابي) وشجاعته رافضا ان يذكر الطاغية بخير - ويثار بعدها مئات التساؤلات الخرساء حول وقفته هذه وغيابه المفجع والذي بدوره اثار الكثير من ألاسئله ...!! بعدها كذلك- ولا يغيب عنا السبب الحقيقي لابتعاد البعض والمقربين من الشاعر جيلا او علاقته عن ذكر وقفته التأريخية تلك في زمن تهاوى فيه الأخرون تحت أقدام السلطة وبتلك الصورة المخزية والذي حدى بالشاعر العراقي الراحل (جان دمو) للقول مستنكرا ومتأسفا في الوقت نفسه– (لقد ساهم الشعراء الشعبيون في ذبح العراقيين) وانا اضيف ومع الاسف كذلك-جنبا لجنب مع (الرقاصين والمغنواتين والطبالين) وباقي الطابور- وهم الان اللاعبون بأحتراف في ساحة الشعر الشعبي العراقي مؤسسة واعلام وندوات وفضائيات ومناسبات وشوارع من المؤثرين بالقرار من الرعيل الجديد او من رواد القصيدة الشعبية العراقية وكبارها- عن ذكر ذلك الا من حق اللحظة الناضجة في التاريخ أن تذكر اعتزازا بها وبأصحابها كما يؤكد الشاعر الانكليزي الكبير(أزرا باوند) -ام تتحول عند هم جلدا لهم وحسابا لما جنوه على نفسهم فتهربوا من التحديق في تفاصيلها وتداعياتها ليدسوا رؤوسهم كنعامات بتراب التناسي ظنا منهم بأننا سننسى بدورنا كذلك وكأن جدلية التاريخ لم تؤكد على بقاء المواقف والملاحم دوما قيد الدرس جميلة مع المسير الطويل للزمن ----الا على الاقل نتذكرها للاستفادة منها وعدم السقوط ثانية في المهانة - ام عادت السمعة شيئاً ليس ذا أهمية عند الشعر والشعراء- يقال أن الشاعر الفرنسي (ارثر رامبو) لم يعر انتباها لسيرة حياته ويؤخذ عليه خطاً ذلك - لانه جسد قدسية الشعر خاصة بعد ان هجر الكتابة الشعرية هاتفا لقد وصلت الى هكذا- لم يمدح طاغية او أي جهة كانت حكومية او شخصية رغم حاجته للمال لخصوصية حياته- هذا ما مارسه الشاعر اللاملتزم الشاعر المنقطع السريالي العبثي - كيف وانتم و الذي يتقاطر شعركم اخلاقا ووطنا و(حسينا) وحبا وناسا وشجاعة ... ول في زمن الفسحة - والله في خلقه ذو شؤون-

تذكروا أغنيته (ينجمه) عام 69 أول لحن للمبدع كوكب حمزه ...رددوها مع أنفسكم ...!!!

لم يكن الركابي شاعرا متكسبا ولم يكتب مدحا لاحد الطغاة، وأنما كتب قصيدته المتجهة دوما للحرية والانسان بدون ان يفكر في كتابة القصيدة المنافقة قرأ قصيدته المعروفة (ثلاث اغنيات شجاعة .. الى عبدالخالق محجوب)... مهداة للمناضل ألسوداني (عبد الخالق محجوب) القائد الشيوعي الذي أعدمته الفاشية العروبية ..!! وذلك عامي 71 و72 في كل المحافل ... وما يعني هذا الاسم في قاموس السلطة آنذاك من ازعاج لهم وتحدي، وراح يقرأها امام مسؤولي (البعث) والسلطة بهدوئه وتماسكه المعروفين - وحينما كتب مضطرا انشودة (احنا مشينا للحرب) والتي قد تؤخذ عليه عند البعض كتبها وهو واقف عراقي النزعة والاحساس لم يذكر فيها ما يريدوه وما اراده أنذاك الملحن (المعروف جدا) ولو مفردة واحده يذكر فيها الرئيس الضرورة للانشودة - مقابل اغراء كبير آنذاك (سيارة ومبلغ كبير من المال) - لكنه رفض الا أن تكون – ركابية مؤدبة ( هذا العراقي من يحب أرضه ) لم يلتق الشاعر كاظم الركابي مرة مع الشاعر الكبير مظفر النواب، لكنه وحين يتصل هاتفيا مع صديقه الشاعر علي الشباني وكذلك في رسائله.. يسأله النواب كثيرا عن هذا الشاعراعتزازا به كأنسان وكشاعر بما عرف به كقمة شعرية بنصوصه والتي تميزت بتماسك البناء وحداثة الاسلوب وتفردها صورا ومفردة وموضوعا - هذا الموقف النوابي هنا بدلالاته وأشاراته المعيارية الثقيلة التي اعتبر الركابي بها كشاعر لم يسىء التصرف في اللحظة الحرجة ونحن نفهم الرفض النوابي لجميع انواع المهادنة والترهل عند الشعراء هذا الموقف الذي ابعده مسافات وازمان طويلة عن العراقيين بمقياس لكنه قربه جدا الى حد انه سكن في كل قلب عراقي شريف تعرض للجور والجوع والحرمان وأذاقه المنفى الطويل حب واحترام العراقيين - وبودي ان اسجل هنا أن التاريخ فرز ما بين الشاعر المنقاد الى المزبلة غير عابئ بلمعانه السلطوي وذلك الرافض الذي وقف مع الاخرين بمحنتهم . رحل الركابي سريعا عنا و كأنه أختار يوم ( 28 / نيسان) يوم ميلاد الطاغية يوما لرحيله..!! وعلينا أن نقر بحضوره الدائمي ونفسح له ما يليق به شاعرا خلاقا وانسانا صلبا نقرأه دوما لنتعلم كيف يتصرف الشاعر في زمن المحنة والتهديد والمساومة كي لا تنحني القصيدة الشعبية ثانية للطغاة.

عرض مقالات: