ما أن رأيتُ كتاب (سيرة حياة حسين مروّة كما أرادها أن تكتب) في مكتب الصديق العزيز الشاعر كاظم اللايذ،حتى تخربطت أحوالي، تأملني اللايذ مبتسما ثم عرفتُ أنه أشترى النسخة من مكتبة الحزب الشيوعي في ساحة الاندلس، أثناء وجوده/ وجودهم في انتخابات اتحاد الأدباء في بغداد، فطلبتُه ووعدني ما أن ينتهي من مطالعته  سأكونُ أول القارئين للكتاب، وحين عرفت أنه على سفرٍ لمدة يومين أستأذنته .. وسأعيده إليه حين يعود من السفر القصير،. فتحجج اللايذ : كما ترى هو مجلد من (883) صفحة ..فتبسمتُ في وجهه وتلقفت الكتاب، ومن الباب إلى المحراب، خلال سيارة أجرة  عدت مبكرا من تجوالي إذ كان الضحى ينقّح السماء

(*)

لم أره لكنني تعقبت كل ما يصدرّه قلمه الموسوعي، وما يكتب عنه، واستفدت كثيرا من مشروعه الاسطوري بمجلداته الموسوعية الثلاثية الكبرى(النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية- دار الفارابي- بيروت – 1979) وفي كتابي(زيادة معنى العالم- دار ضفاف- الشارقة – بغداد- 2014) هناك مقالة (مروءات حسين مروّة) والمقالة  كانت قد نُشرت في مجلة (الطريق)اللبنانية – شتاء 2014

(*)

الجهد الجميل والصعب والشاق من قبل الأستاذ أحمد حسين مروّة في إعداد هذا الكتاب يجعلنا نشعر أننا نصغي للمفكر الكبير الشهيد حسين مروّة فعلا.. وهذه محاولتي ما قبل خطوتي الأولى في هذا السفر المشوق، محاولتي عتبة قراءة تليها قراءة أخرى أوسع ..

(*)

الجنوب هو الجنوب في كل مكان مميز بالوعي المتقدم وتميزه الحكومات بإهمالها وما تزال الحال كما كانت عليه والدولة العراقية في طفولتها(وكانت الدولة العراقية مقصّرة في منطقة جنوبي العراق، شأن معظم العالم العربي في جنوبه، والجنوب العراقي أغلبيته من الشيعة، وهم محرمون من خدمات الدولة العامة/109) الآن الدولة تجاوزت القرن من سنين عمرها والحكومة شيعية وحكام الجنوب شيعة  والحال على حاله أيضا!!

(*)

نحن الآن في 1929 وإرسالية تبشيرية من برتستانت الأميركيين، فتحت مكتبة ً ومدرسة ً ومستشفى بالمجان(فتقاطر أهل ُ العمارة على مستشفاها المجاني،بسبب فقدان الرعاية الصحية في المنطقة، وتهافت الشباب المتعطش للعلم والمعرفة على مكتبتها ومدرستها..) آنذاك في مدينة العمارة حبيب بن سليمان إبراهيم وهو شيخ وعالم ديني من خريجي النجف، وقد شيد الشيخ مسجدا وبيتاً ويعطي دروسا دينية للكبار والصغار في مدينة العمارة، وهو من أصول لبنانية، وهو ملقب بالمهاجر واستنجد الشيخ المهاجر بالشيخ عبد الكريم مغنية في النجف ليرسل له أحد الشيوخ الشباب وليكن من الشباب العصريين ليعمل في المكتبة والمجلة التي بادر الشيخ المهاجر بتأسيسهما ويعينه كذلك بالمدرسة التي أسسها الشيخ المهاجر أيضا

كُلف َ الشيخ الشاب حسين مروّة، بقناعة تامة من قبل الشيخ مغنية، وقصد الشيخ حسين مروّه، مدينة العمارة:(في العمارة توليتُ المكتبة،إذ سبقني شابٌ من أهل العمارة وتو لى مهمة المجلة وكلفني الشيخ حبيب الاتصال بالشباب والطلبة الثانويين وأدعوهم إلى زيارة المكتبة،فكتبتُ نداء إلى الطلبة والشباب المثقف  للتباحث معا في الشؤون الثقافية والفكرية والدينية،وغيرها من الأمور،مشيرا إلى: أنني شاب مثلكم أبحث في جميع القضايا الثقافية،ومطلع على العلوم الحديثة،وإن كنت معمما..أنا شيخ ألبس العمامة والجبة والعباءة،أي أنا شيخ كامل ٌ،ولكنني لست متزمّتا ولست ُ شيخاً واعظاً، أنا شاب مثلكم ولدي أطلاع على الفكر المعاصر والأدب المعاصر والعلوم المعاصرة،وليس بيني وبينكم حاجز) ويخبرنا كيف توافد شباب العمارة إلى (المكتبة المحمدية) التي كان يديرها الشيخ حسين مروّة وكانت المكتبة تحتوي أكداسا متنوعة الكتب والمعرفة، وبدأت مكتبة المبشرين الأميركيين تقفر من روادها..تواصل مروّة مع شباب مدينة العمارة الذين أحبهم وأحبوه آنذاك 1929وبشهادة مروّة(رأى الشباب أن عندهم شيخاً عصرياً،ذا روح متفتحة يتفاهم معهم ويناقشهم بتفهم واحترام ومحبة،فأصبح لي بينهم أصدقاء كثر،كنت أتمشى معهم في الشوارع،وعلى شط نهر دجلة ..واستمرت المحاضرات والمناقشات،وذاع صيتي في بلدة العمارة ../113) وبعد مضي شهرين على هذا النجاح، تباغت حسين مروّة أن الشيخ حبيب خاطبته قائلا : قررت الهيئة الإدارية للمكتبة فصلك من العمل فيها،لأنك تبث الزندقة والإلحاد بين الشباب../116) هنا هّب الشباب الواعي في العمارة، وبشهادة مروّة(فأسرع الشباب ملتفين حولي، واحتضنوني ثم قادوني نحو الجامع في مظاهرة ٍ أحتجاجا على فصلي،حيث الشيخ في مجلسه،وهم يسبونه ويلعنونه،وبدأوا في التقاط الحجارة يريدون رشق الشيخ،فأوقفتهم فورا...ثم أخذوني إلى فندق وأستأجروا لي غرفة فيه على حسابهم لأسكنها موقتا،وبدأوا في أقتراح فتح نادٍ ومكتبة، لأكون أنا مديره أشرف ُ عليه ويفتحون لي بيتاً أسكنه، وكان قصدهم إكرامي...) فيشكرهم مروّة على مكارم أخلاقهم ويقرر العودة إلى لنجف،فيسارعون شباب العمارة ويقيمون حفلا توديعا، ويلقي مدير المدرسة الاستاذ هاشم السعدي كلمة وداعية مؤثرة،(ثم قدّم الشباب لي هدية،قلم َ حبرٍ ذهبا../117)وسينشر المفكر الكبير حسين مروّة مقالة عنوانها(قلمي الذهبي) جريدة الصرخة 8/3/ 1954

*سيرة حسين مروّة كما أرادها أن تكتب/ ولدت ُ رجلا ً... وأموت طفلا/ إعداد :أحمد ح.مُروّة/ دار الفارابي / بيروت/ط1/ 2018

 

عرض مقالات: