كم هائل من الروايات العراقية صدر وما زال يتواصل.. وحركة النشر في تسارع مستمر عن العطاء الروائي حتى أصبح فن كتابة الرواية ظاهرة في الحياة الثقافية العراقية بعد 2003. وبهدف الوقوف عند هذه الظاهرة ومعرفة ابعادها واهميتها وجدواها؛ توجه الزميل علاء الماجد الى عدد من الروائيين والنقاد لاستطلاع آرائهم التي سننشرها في ثلاث حلقات.

  • الروائي احمد خلف

يمكن إدراج عدد من الروايات المطلوبة، هنا، في هذا التحقيق ولعل أبرز الروايات هي: (سيدات زحل) للروائية لطفية الدليمي ... اذ نجد انفسنا امام تقطيع درامي ولغة محترفة ومبصرة ومدركة ازاء ما تفعله من اجل الحرية / حرية المرأة تحديدا وتاريخ اضطهادها الاجتماعي والسياسي .

(الحفيدة الأمريكية) للروائية العراقية المقيمة في باريس إنعام كجه جي .. نهج جديد في الرواية العراقية في تناول مشكلاتنا الوطنية وبأسلوب يعتمد التشويق والمفاجأة وبلغة جميلة وآسرة ..

(السرمدية) للروائي عبد الخالق الركابي .. في هذه الرواية تتجسد مقدرة الراوي (المؤلف) على ادارة السرد بطرائق متميزة وتظهر احترافية السارد بمزجه الواقعة التاريخية بالحدث الواقعي / اليومي بحيث نتلمس مقدرة الفن الروائي وجدارته بالقراءة الضرورية.

(أعوام الذئب) للروائي حميد المختار .. احدى التجارب المبكرة في تناول الخلل الجسدي وتحويل البقعة الدامية الى رمز يشير الى وطن يموت في مصح، وقد تسلمنا ذلك على هيئة مخطوطة ...

(ترنيمة امرأة، شفق البحر): للروائي سعد محمد رحيم .. في هذه الرواية تتضح مقدرة الروائي على منح ابطاله فرصة تجسيد ذواتهم عبر الوعي الثقافي وبأسلوب جسّد تمكن سعد محمد رحيم على ادارة فنه ...

(حرائق بغداد) للروائي وارد بدر السالم .. تمتاز معظم كتابات هذا الروائي بالجرأة واقتحام قلاع الفن بروح شابة كما في هذه الرواية التي تفضح الارهاب وتخفيه بأزياء مختلفة ، تنم حرائق بغداد عن موهبة في لغة السرد ..

(فندق كونستيان) للروائي خضير فليح الزيدي أسلوب هذا الروائي يقدم المعضلة الروائية بتأنٍ مقصود ويوفق بين ادارة هموم الداخل وما يأتيه من احداث خارجية اي الواقع العياني وربما هو من أوائل من تعرض للشخصية اليهودية العراقية في فنه الروائي بالجرأة المطلوبة .،

(دهاليز للموتى) للروائي حميد الربيعي تجسيد لتاريخ كفؤ للبابلي الذي يعيش مراحل من تاريخنا الوطني وما يتلقاه من محن غبر تاريخنا المتقلب وبإدارة فن تميز بالرشاقة الأسلوبية ...

(شرق الاحزان) للروائي عباس لطيف .. تتصدى الى روح الفردية وما تحمله من اضطهاد وقسوة جائرة تؤدي الى دكتاتورية تتحكم بمصير شعب .. حازت الرواية على عنصر الجذب والتشويق من خلال تقطيع المعضلة الروائية بدراية واتقان ..

(مثلث الموت) للروائي علي لفته سعيد  تسعى هذه الرواية الى فضح اساليب الانتهازية السياسية وروح الارهاب وتحين بعض الشخصيات للفرص القادمة لإنقاذ ما تصبو اليه وذلك من خلال مجموعة من الصحفيين الشباب ... واذا كان لا بد من تجاوز حالة التواضع والتردد الذي تفرضه اخلاقيات مجتمعية قاهرة أجد من الضروري ان اذكر روايتين من رواياتي وهما ( الحلم العظيم ) وهي تتعرض الى تجربة انتفاضة الاهوار التي قام بتنفيذها مجموعة من الشباب اليساريين في منتصف الستينيات من القرن الماضي .. اما روايتي الثانية فهي : (تسارع الخطى ) حيث تتعرض صفحاتها الى ازمة المثقف العراقي في السنوات الاخيرة من تاريخنا السياسي والاجتماعي ..

  • الروائي محمد حياوي

يصعب تحديد رواية واحدة جيدة على مدى أكثر من (13) عاما، فقد كتبت مئات الروايات في تلك الفترة، لكن لا يمكن الإشارة إلى أكثر من عشر روايات جيدة من وجهة نظري، من بين تلك الروايات (طشاري) لأنعام كجه جي، و(وحدها شجرة الرمان) لسنان أنطوان و(حدائق الرئيس) لمحسن الرملي. فضلاً عن طبعاً إلى روايات (عشاق وفونوغراف وأزمنة) للطفية الدليمي و(فرانكشتاين في بغداد) لأحمد سعداوي و(عذراء سنجار) لوارد بدر السالم و(مالم تمسسه النار) لعبد الخالق الركابي و(فاليوم عشرة) لخضير فليح الزيدي و(مقتل بائع الكتب) لسعد محمد رحيم و(مأوى الثعبان) لحميد المختار. وهناك روايات لفتت الأنظار إلى شكلها الفني وتجريبيتها العالية، مثل رواية (قارئ الطين) لحسن فالح و(سفاستيكا) لعلي غدير و(طائفتي الجميلة) لمرتضى كزار و(أسد البصرة) لضياء الجبيلي و(بلدة في علبة) لحامد فاضل.

يصعب اختيار رواية واحدة بحد ذاتها في الحقيقة، لأن معايير الاختيار تختلف من كاتب الى آخر ومن قارئ الى آخر.. لكن وفق معيار الرواج والترجمة والانتشار أعتقد أن رواية (طشاري) مناسبة إلى حد ما كخيار قرّاء، علماً أن هذا لا يعني التقليل من أهمية بقية الروايات الكبيرة التي أعدّها منجزاً للرواية العراقية عبر تاريخها الطويل.

  • الناقد علوان السلمان

العمل الروائي عالم متعدد الاشارات بامتلاك لغته وظائفها المتعددة والمركبة التي لا يمكن اختزالها في صور الانزياحات عن المألوف.. لذا فإن فاعليتها مقصودة لذاتها جماليا مع قدرة على تقديم الانموذج الانساني ومن ثم نجاح العمل الفني الذي يكمن سره في مقدرة منتجه على امكانية منح شخوصه حرية الحركة في فضاءات متحررة من اطرها الطبيعة .. كي تصبح اكثر شمولا وقدرة على رسم ابعادها وسماتها بتحويل واقعيتها الى رؤية فنية قادرة على الانطلاق من الخاص الى العام ومن الجزئي الى الكلي.. اذ ان مهمة السارد تنحصر في استعماله القوة الكامنة في الكلمة المكتوبة لكي يجعل متلقيه يسمع ويحس واهم من ذلك كله يجعله يرى ..)..  وهذا لا يتم الا بتحقيق التوافق بين الشكل والمضمون لكي يصل الى تجسيد الحالات والمواقف والحوارات التي تشكل بمجموعها جملة الحدث، اما فيما يتعلق بأفضل عشر روايات عراقية فانا اجزم بان اغلب المنتج العراقي متميزا ومنه:

(شرق الاحزان)

عباس لطيف

لأنها تستحضر المكان والشخوص التي تشكل قوام القوى الاجتماعية الفاعلة كونها تعد مؤشرا دلاليا على طبيعة الاصوات الساردة التي يكشف عنها اسلوب الراوي الذي اعتمد اسلوب التناوب المشهدي كي يحقق نوعا من الحيوية في متابعة الاحداث مع توظيف تقنيات السرد (التقاطع والتداخل بين عنصري الزمان والمكان بشقيه المغلق والمفتوح/الحوار بشقيه الذاتي والموضوعي/الاسترجاع/التذكر...).

(فندق كوستيان)

خضير فليح الزيدي

فالنص يعتمد بنية حكائية مرتبطة بالحالة السوسيونفسية للأصوات المتحاورة داخل فضاءات النص كونها تعتمد (التنوع الاجتماعي للغات والاصوات الفردية تنوعا منظما..)على حد تعبير باختين لتحقيق اللحظة الادهاشية وتناميها بتنوع الضمائر التي تدخل فضاءات الصراع بأبعادها الاجتماعية والنفسية كي تحقق وجودها الحالم وتعبر عن ذاتها بالصورة والرمز الذي هو (تعبير عن فكرة مزدوجة المعنى..)..فضلا عن انه يوظف عنصري الاستدراج والاستقراء فينطلق من الجزء الى الكل من اجل مباغتة المستهلك واختراق المألوف وتجاوزه، فضلا عن تأثيثه بتلاحق صوره ومشاهده القابضة على لحظة الانفعال المتغيرة الامكنة باعتماد الجملة السردية البسيطة في وظائفها الحكائية والمتميزة بخاصية الحركة وسمة التوتر الناتج عن تغلب الجملة الفعلية وانتشارها بين ثنايا السرد وبداياته، مما يمكن السارد من الانفتاح على تقنيات السرد  البصري السيمي الذي انعكس على كيفية حضور المكان داخل السرد الحاضن لمجموعة من الاحداث والانفعالات..

(سفينة نوح الفضائية)

صادق الجمل

كونها تعتمد بناء معماريا يتكئ على النتاج الانساني التكنولوجي الممزوج والادب التخييلي عبر اللغة الموحية المكتظة بصخب الحياة، القادرة على تصوير الواقع المأزوم واستلهام تناقضاته ورصد تحولاته القائمة على الاهتمام بمظاهره اسلوبا وبناء ودلالة، من خلال دائرة متسعة تتمتع بشموليتها لخارطة الوجود وانفعالها وتفاعلها والحدث وتوتراته. ابتداء من العنوان الذي تتداعى فيه المعاني والدلالات والمقاصد ومنه تتفجر الاسئلة بصفته قيمة سياقية وعلامة سيميائية مكتنزة بدلالة رمزية، فضلا عن انه يشكل تناصا و(سفينة نوح)القرآنية التي حاولت انقاذ البشرية من الطوفان والحفاظ على النوع..

(الذباب والزمرد)

عبد الكريم العبيدي

قدم الروائي توليفة انسانية للطوائف البصرية واسواقها مع حضور المرأة في أحداثها وهي تعلن عن سقوط كل اقنعة الزيف بتنوع سردها وثرائه المرتبط جماليا بفكرة انهيار الواقع في حقبة (التسعينيات والحصار الاقتصادي) وهو يسبح بين ضفتين: ولهما السرد التخييلي وثانيهما الحكي المستثمر تقنيات السيرة الذاتية..اذ ان ذات الروائي وتجربته الحياتية مخزون المادة المسرودة عبر نصه الذي يشتغل على خامات مستوحاة من واقع تاريخي معاصر زمانيا  بلغة اكثر قدرة على الايصال وتقنية مميزة الى جانب غوصها داخل الحدث التاريخي ومحاولة رسمه من الداخل وهذا يعني ان الروائي يقتنص الزمن الماضي ويخرجه من حيزه ليضخ فيه حيوية الحركة المتحررة من زمنيتها بتوظيف شخوص فاعلة ومتفاعلة بحيويتها وطبيعة النسيج الحكائي وكثافة الاحداث..

عرض مقالات: