بين يديَ " معجم الشعراء الشعبيين في الحلة" بأجزائه الثلاثة للباحث الأستاذ محمد علي محيي الدين، وهو بلا شك سفر توثيقي كبير، بذل في إعداده وتنظيمه الباحث جهودا مضنية، وإرادة مقدامة، ووعي عميق، وتتبع مستمر، ليضع أمام القارئ والباحث والدارس والمتتبع الصورة المشهدية الكبرى لإبداعات شعراء اللهجة في الحلة الفيحاء، يضع وبمحبة عميقة ما يمكَن الجميع من إتمام هذا الجهد التوثيقي الرائد من خلال دراسات خاصة برعيل من الشعراء، أو ظاهرة إبداعية أو تاريخية أو بحث الآخرين من الشعراء والدارسين في الاستزادة الثقافية الدقيقة لرسم الصورة الحقيقية التي حملها المعجم الكبير للشعراء الشعبيين في الحلة.

صدر الكتاب عام 2016م عن دار الفرات للطباعة والنشر وحمل الجزء الأول توثيقا دقيقا ل(53) شاعرا كان الشاعر أبراهيم البابلي قد حمل الرقم(1) والشاعر الشهيد "شاكر نصيف" الرقم(53)  إضافة إلى مقدمة تاريخية واكبت حركة التنظيم المهني والابداعي  لشعراء الحلة الشعبيين من خلال جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي، واعتبار مبادرة اتحاد الشعراء الشعبيين في بابل لعقد مهرجان الشعر الشعبي من 7-9- أيلول 2007م  هي الحصاة التي حركت المياه الراكدة لتأسيس الجمعية  وفق أسس قانونية لغاية إصدار المعجم، وسبق هذا مقدمة قصيرة  وضح فيها الباحث الامور التي راعاها في تنظيم المعجم لعل أهمها ما يتعلق برسم الكلمات الشعبية، وهو أمر بالغ الأهمية لقارئ النصوص من غير العراقيين أولا، وسبق هذه الكلمة صورة مستنسخة ل"شهادة تسجيل" جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي التي حملت العدد 2603 بتاريخ 6-12-2015 الصادرة من الامانة العامة لمجلس الوزراء.

لم يكتف الباحث باختيار نصوص الشعراء المختارين بل حاول رسم صورة لسيرهم الابداعية، ومسيرة إبداعهم منذ البواكير الأولى لهم حتى راهننا الذي نعيشه، وسعى جاهدا لإتمام هذه السير الخالدات بشكل خاص للشعراء المتوفين والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية  وأورد ذلك بنصوص أعطت سيرهم وضاءة الجهد الإبداعي والنضالي لهم، خاصة إذا ما علمنا أن بعض الشهداء ممن كانوا قد قارعوا الانظمة  التي حكمت العراق في مرحلة تأسيس الحكم الوطني في عشرينيات القرن الماضي حتى ايامنا هذه.

ولم تكن جهود الباحث محيي الدين إلا برهانا على مصداقية توجهه  الوطني والمهني والابداعي، لأنه  لم يضع حدودا سياسية أو فكرية  أو جغرافية لاختياراته فقد شمل الجميع باهتمام  واحد، وقام بإجراء حوارات ساعدته على تقديم المعجم في هذه الصورة المشرقة.

أحتوى الجزء الثاني من المعجم الذي يضم فيه الاسماء بأجزائه كلها وفقا للتسلسل الالفبائي لتكون اختياراته بعيدة عن كل ميل، أو تحزب مما قد يقود البعض الى ظنون لا مبرر لها ولا طائل منها.

لقد أحتوى الجزء الثاني على (70) شاعرا،كان حامل الرقم(1) هو الشاعر "صلاح مهدي الشمري" والرقم(70)  هو الشاعر "يحيى العيساوي" متخذا الأسلوب الذي أتبعه في الجزء الأول أساسا لبناء جهوده التوثيقية الرائعة.

أما الجزء الثالث من المعجم فقد أستهله بعد الإهداء بشهادات أدبية لمجموعة من أدباء العراق في حق المعجم  ومؤلفه، وكانت هذه الشهادات تحت عنوان "قالوا في الكتاب"  وكانت شهادة حق في تقويم جهود الصديق "محيي الدين" التوثيقية، وقد أحتوى هذا الجزء على (58) شاعرا أولهم كان الشاعر" ابراهيم الشيخ جواد المرزة" وآخرهم هو الشاعر" يعقوب ابراهيم الخفاجي" وبهذا يكون الباحث "محيي الدين" قد وثق ل(181) شاعرا بابليا، واعتمد على كم هائل من المراجع والمصادر والمقابلات والحوارات سجلها في نهاية كل جزء من المعجم، ولاحظنا جهده الكريم من خلال تتبعه الصحف والمجلات والنشرات والمطبوعات والندوات والمهرجانات التي تخصصت بالشعر الشعبي العراقي.

ولو عدنا إلى إهداءات الأجزاء الثلاثة التي صدرت،لرأينا أنها تصب في الهدف الذي قاد جهوده لتحقيق هذا المعجم، فقد أعتمد في الجزء الأول على الآيات 254- 225-226 من سورة الشعراء، أما الجزء الثاني فقد أهداه إلى "شهداء الكلمة الحرة من رجال الفكر والأدب زملائي في جمعيتنا" أما الجزء الثالث فقد كتب هذا الإهداء" إلى كل من أعانني في إصدار هذا المعجم من الباحثين والمهتمين بالتراث" ومن خلال ديباجة هذه الإهداءات نستطيع أن نكتشف الروح الحية  التي سكنت روحه وقلمه ووجدانه وهو يخوض غمار هذا العمل الكبير.

ربما يشكل هذا الجهد الوطني والابداعي والمهني علامة فارقة في سجل نشاطاتنا الثقافية والابداعية  في الحلة والعراق، لأنه محاولة جادة لحفظ نتاجات الشعراء من الضياع والنسيان والاهمال، وهي دعوة لتأسيس نواة لمركز ثقافي وطني يهتم بتاريخية الشعر الشعبي العراقي الذي يحاول الكثيرون التقليل من قيمته التاريخية والاجتماعية والفنية بحجج باهتة وظالمة تنطلق من ضيق أفق ثقافي قائم على رؤية التهميش والاهمال  للأدب الشعبي بوصفه عاملا مساعدا على ضعف اللغة العربية الفصيحة، متناسين تاريخيا أن الشعر الشعبي أو شعر اللهجة الدارجة كان متعايشا مع الشعر العربي في كل عصور الأدب بسبب من شفهية التعبير في الواقع العربي، ولنا  في ذلك شواهد تاريخية لا حاجة لذكرها في هذه المقالة.

ويبقى ثمة ملاحظة لابد من قولها هنا، فالمعجم خصص اهتمامه من خلال العنوان بشعراء الحلة، في حين إننا لاحظنا اتساعا لدائرة الاهتمام فشمل محافظة بابل كلها وهي دعوة  أن يكون الكتاب في طبعته الجديدة بعنوان" معجم الشعراء الشعبيين في بابل" ليكون أكثر تحقيقا لأهداف المتن من خلال العنوان.

تحية للصديق الباحث محمد علي محيي الدين على جهوده الكريمة والتاريخية الابداعية على هذا التوثيق الرائد لركن أساسي من أركان مشهدنا الابداعي  والمهني ونحن في انتظار الجزء الرابع الذي يستكمل هذا المشهد الأدبي الموار بالأبداع والجمال والدهشة والتواصل الاجتماعي البناء.

عرض مقالات: