الهايكو نوع من الشعر الياباني، يحاول الشاعر من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أوأحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم خمسة).
قبل أيام حصلت على نسخة من ديوان الاديبة البصرية بلقيس خالد المعنون ( دقيقتان...ودقيقة واحدة) وبعنوان فرعي ( هايكو عراقي ) صادر عن دار المكتبة الاهلية في البصرة سنة ٢٠١٩..
الديوان مقسم الى ٢٣ باباً وفي ١١٧ صفحة وبطباعة انيقة جداً..
لكن لماذا هايكو عراقي...هل يوجد هايكو حسب التقسيم الجغرافي؟
عند قراءة النصوص نجد الاجابة.
في الديوان نجد أشتغالات مهمة جداُ.
ففي الباب الاول المعنون حكايات تقول بلقيس :
(أستكانات الشاي
لاحكايات لها
حين تروي عطش الاحبة)
ونقرأ:
(لم يحتفظ الكنتور بشئ..
الكثير من الحكايات تسربت
عبر شقوق الثياب)
حيث تستعير الشاعرة من اللغة المحكية كلمات ربما لا نجد لها مثيل في اللغة الفصحى يحمل نفس الحميمية والالفة والروح العراقية..استكان الشاي له مكانة مهمة في الحياة العراقية وصيغت له الكثير من الحكايا والاساطير والطقوس .
أما الكنتور فهو دولاب الملابس الخشبي ..الفقر هنا هو قرين تلك الشقوق التي تسربت منها حكايات الشقاء والالم .
انها حكايات الاشياء وتذكرنا بسرديات الان روب غرييه عندما يجعل من الاشياء أبطال لقصصه..كذلك فعلت الشاعرة عندما جعلت للاشياء (البساتين -الصحراء- النهر الصغير- الواحات- السراب- الحجر-الزمن-فنجان-الشجر) وغيرها حالات شعرية باذخة.
وفي الباب المعنون منحدرات متصدعة نقرأ حالات نسائية لها الام غير محسوسة لغيرهن:
(في الارض الخصبة
والصحراء
وصخور الجبال
المرأة
: عشبة زرقاء)
و :
(في المساء تترك الستارة
قليلاً
:الارملة الجميلة)
تحاول الشاعرة الكشف عن الالم والمعاناة التي تعانيه المرأة بين سخط الحروب (لاتقل / لأمرأة /فقدت اولادها/:الحرب ...انتهت) والامومة التي لا يهتم اليها احد بقدر ما يهتمون بصراخ الرضيع (في آخر الليل لا أحد يفكر عند سماع/بكاء الطفل/: بمعاناة الام)
في الفصل المعنون ( مليئة بالنشيج ترتفع أسئلتي) نصوص عن حيرة عاشقة حالمة تخشى الرحيل والانتظار :
( إحلمُ
وتحلم...
والمسافة :يقضة واخزة)
في الفصل المعنون ( وحده..الذي هجرته الاسئلة ينتظر مفتاحاُ) ثمة نصوص تأخذ من الغيم والكهف والظل والسماء والنجوم مواضيعاً تصوغها الشاعرة باحتراف بالغ(كهفٌ شفافٌ: الظل)
في الباب المعنون ( ضيقٌ جلد ايامنا ) نصوص عن العلاقة بين الجسد والثياب ( حين تدس في الثياب الانيقة جسدك/يتوهمونك مبتهجا) و ( نغطي قديمها/ بجديد الثياب / :أجسادٌ نقيم فيها) 
في فصل ( وقفة ) تضرع الى اله يعرف كل شئ وحين لا يملك الانسان الا وزره فأنه يطرق باب هذا الاله مطمأناُ.
ونقرأ في فصل ( دفقة زهر ) نصوص تنتمي الى الورود والنحل وحديقة البيت ( ضرع النحلات / هذه الازهار).

الشاعرة كانت أمينة جداً على تطبيق شروط الهايكو في هذه النصوص ولا نستطيع في هذه العجالة أن ندرس تجربتها بشكل عميق لأننا مازلنا في طور القراءة والتأمل ..ربما بعد عدة قراءات للديوان نستطيع ان نفهم ونستوعب التجربة بشكل أعمق..لأن القراءات الاولى تظلم الكاتب دائما.
الديوان يمثل نقلة نوعية في الشعر العربي ويثبت بما لا يقبل الشك ريادة العراق وبالتحديد البصرة في تجديد الشعر العربي وكيف يستطيع الشاعر العراقي أن يطوع المدارس والاشكال الشعرية الاجنبية بما يتوافق مع الشعرية العربية ، لكن هل تعد قصيدة الومضة العربية هي هايكو ؟
هذا الديوان يستحق أن يوضع تحت مجهر النقد الحقيقي