ولد الشاعر زامل سعيد فتاح في مدينة الشطرة في محافظة الناصرية عام 1941، اكمل دراستة الابتدائية والمتوسطة فيها وليدخل دار المعلمين، ومن خلال تعايشه في بيئة ريفية فقد منحته احساساً مرهفاً مملوءاً بالصدق وكان له صوت غنائي جميل لكنه اخذ بنصيحة صديقه وابن مدينته الملحن (طالب القره غولي بأن يستمر في كتابة الشعر لانه شاعر ذو خصوصية لا يملكها غيره من الشعراء)، اعتلى عرش الاغنية العراقية فكلماته تنبض بمشاعر صادقة وتحمل اروع الصور الشعرية التي تدخل الى القلب بدون استئذان وكما يقال (ان كل ما يخرج من القلب يدخل الى القلب)، انتقل الى اطراف بغداد عام 1970 وتزوج واستقر فيها ولقد التقى بالكثير من الشعراء والمطربين وتأثر بالحياة في العاصمة. في بغداد أصدر الشاعر زامل سعيد فتاح ديوان (المگيَّر) عام 1971 في مطبعة الجامعة ببغداد وفيه (35) قصيدة منح من بين وريقاته اغاني عراقية مهمة ما زال العراقيون يتذكرونها ويتغنون بها وبالعودة إلى هذا الديوان نجد أن الملحن طالب القره غولي قد أخذ حصة الأسد في تلحين أغلب قصائده، فبالإضافة إلى أغنية (هذا آنه) لحن طالب القره غولي أغنيتة الشهيرة (جذاب) التي انتشرت بين البيوتات العراقية بشكل غريب، ويمكن أن يقال إن ما من مطرب عراقي عرفه الجمهور إلا وتغنى بهذه الأغنية:

جذاب دولبني الوكت بمحبتك

جذاب ... روحي تمرمرت من عشرتك

جذاب … وتريد أرد إنوب إلك

لا ما أرد وأنسى المضى

ويبدو أن الشاعر زامل سعيد فتاح قد غير كلمات القصيدة بشكل كبير كي تخرج إلى مسامع الجمهور في صورتها الجميلة والسلسة التي عرفناها. لطالب القره غولي أغنية أخرى في هذا الديوان هي أغنية قصيدة (يا ليل) هذه الأغنية التي غناها لأول مرة المطرب السوري جميل قطشة الذي كان يقيم في العراق، ليغنيها ويتألق بها بعد ذلك المطرب ياس خضر.

حيل اسحن بروحي سحن

ما گولن احاه واون

يا ليل صدق ما أطخلك راس

وأشكيلك حزن.

قدم الشاعر زامل سعيد فتاح في ديوانه البسيط هذا، أجمل صور العشق العراقية، فقصائده المتنوعة بحكاياتها وبنائها الشعري قد تكون السر في أن يكون هذا الديوان رافداً مهماً من روافد الأغنية العراقية، وما زلنا نتحدث عن القصائد التي لحنها طالب القره غولي، غنى له حسين نعمة (فرد عود) القصيدة مكونة من مقطعين شعريين، يحتوي كل مقطع منها على صورة شعرية ذات دلالة لم تعرفها الأغنية العراقية من قبل – فترة الستينيات –

سَيَّر علينه الهوى

وجَفَّل بقايا الشوگ

وكلمة هلا ومرحبا

بس إلحبيبي اتلوگ

هذه الصورة الشعرية التي أراد شاعرها أن يفصح عن عشق سكن داخل الروح العاشقة منذ سنين طويلة، ولكنه سرعان ما تحرك وطفحت معالمه عند قدوم الحبيب. أما الصورة الشعرية الثانية فقد حولت صورة النخلة العراقية إلى عاشقة تذرف الدموع عسلاً.

يا روحي عشق الراح

دمع التبرزل عسل

وعثوگه ما تنلاح.

فلقد أخذ منه أشهر المواويل التي غناها وسميت باسمه مثل (يا عيني عليمن اربيّه … ولا جيه بعد منهم … ولا گعدات گمرية…)، حيث غنى هذا الموال على نغم العجم. وعلى نغم الرست له كذلك موال من قصيدة (ديس العنز) الذي أخذ شهرة كبيرة والذي يقول فيه:

روحي ..؟ طريِّه وتشتهي

صوباط عنبك عالي

ردناك يا ديس العنز

وأمك تسوم بغالي.

أما القصيدة الثالثة والتي أخذ منها المطرب حسين نعمه مقطعاً ليغنيه موالاً على نغم الرست أيضاً، هي قصيدة (قداح)، حيث تقول الأبيات الثلاثة الأولى:

قداح .. والقداح يذبل من تريد اتجيسه

وخد الترف يكثر حماره ويرتوي بالبوسه

يا بوسة العريس ليلة زفته بعروسه

هكذا يفصح لنا ديوان الشاعر زامل سعيد فتاح (المگيَّر) عن قصائد أصبحت تحفاً غنائية غالية الثمن بسيطة التناول عصية على النسيان، ولم يكتفِ هذا الديوان الصغير بذلك، بل راح يشكو عشقه الجميل إلى كل من عرف فرحة العشق. من بين أوتار الملحن طالب القره غولي في قصيدة (شكوى) التي عرفها المستمع العراقي بصوت المطرب رضا الخياط من خلال كلماتها الدافئة:

تكبر فرحتي بعيني

وأشوف الدنيه بعيونك

ويمر بخاطري وظنّي

أمل وردي من أشوفنك.

انتشرت هذه الأغنية بصوت رضا الخياط وطالب القره غولي بشكل ملفت للنظر، حيث دخلت كل البيوتات العراقية بعدما سكنت قلوب العاشقين، على الرغم من إنها بقيت حبيسة الكاسيتات ولم تصور إلى التلفزيون. نصل إلى قصيدة (نسينه يا هوى)، هذه القصيدة التي أصبحت أغنية عراقية دافئة عندما سمعتها الأذن العراقية بصوت المطرب فؤاد سالم، هذه الأغنية خرجت بجملها الموسيقية الجميلة والمتقنة من بين أوتار الفنان الملحن ياسين الراوي.

نسينه يا هوى انسينه

وتبعنه قلوبنا وحبينه

وعلى شاطي المحبَّة اسنين

ودروب الهوى امشينه

ولاتزال هذه الأغنية ساكنة أذهان العراقيين، حيث كان يطلب الجمهور سماعها في كل مرة يكون فيها المطرب فؤاد سالم في حفلة من حفلات منفاه. أما قصيدة الغلاف فقد اختار مصمم الغلاف قصيدة (يا غريب الدار) من بين قصائد الديوان لتكون الوجه الحقيقي والمعبر عن ما يحتويه، فلقد أهداها الشاعر زامل سعيد فتاح إلى صديقه حيدر الجاسم الذي كان يقيم في إيطاليا، وهي قصيدة تشكو البعد والغربة، وهي صورة شعرية وأحاسيس لحالة إنسانية لم يكن العراقيون قداعتادوا عليها بعد.

يا غريب الدار من دار الأهل

هاك بوسة شوق معتز بيها

من نواعير الغفت حدر النخل

من ثنايا الهور، من برديها

خرجت هذه الأغنية من بين أوتار ملحن ترك أثره الواضح في تاريخ الأغنية العراقية، إنه الملحن الراحل كمال السيد، هذا الملحن الذي لحن لأغلب المطربين العراقيين، فما من مطرب عراقي عرفه الجمهور وسمعه باحترام إلا وكان للسيد حصة فيه، أما هذه الأغنية ( يا غريب الدار ) فلها طعمها الخاص، كونها خرجت إلى المستمع العراقي بصوت مطرب صدّاح احترمه الجمهور العراقي بشكل مميز إنه المطرب قحطان العطار، صاحب أغاني الفرح الذي أتعبته الغربة وبلاد المنافي.

توفى زامل سعيد فتاح رحمه الله عام 1983 إثر حادث مروري مؤسف