(عن الراحل احمد النعمان)

في طفولته كان يطيل النظر الى منارة الحدباء في مدينة الموصل صاحبة التاريخ العريق بالفن والإبداع والفكر والسياسة والدين، منارة الحدباء التي فجرها وحوش الظلام بعد رحيله بسنوات قليلة! في بداياته توجه الى الفن والأدب وقدم الكثير في خدمة وطنه وشعبه عبر تاريخه الطويل في محراب الإبداع والنضال، انه الفنان والكاتب الدكتور أحمد النعمان، ابن مدينة الموصل الحدباء والذي ولد عام 1939 في مدينة دهوك بسبب ظروف عائلته بالتنقل آنذاك.
تمر هذه الأيام من شهر شباط ذكرى رحيله السابعة بعد رحلة طويلة جاب فيها المنافي التي تجاوزت الخمسة عقود من الزمن حتى رحيله في لندن عام 2012.
نشأ الدكتور احمد النعمان داخل عائلة كبيرة متكونة من عشرة أبناء، وفي بدايته أحب المطالعة والفنون ونظم الشعر وكتب النثر، وفي عام 1960 جاء الى العاصمة بغداد ليكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة عندما كان المعهد يضم كبار رواد الفن العراقي، ومن ثم أكمل دراسته في موسكو ليتخرج من معهد "ستروغونوف" عام 1967 وحصل على شهادة الماجستير، وفي عام 1983 ناقش رسالة الدكتوراة في المعهد نفسه حول تاريخ الفن التشكيلي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 1975. وإضافة الى نشاطه الفني والصحافي كان نشاطه السياسي ذا حركة قوية بحكم إنتمائه الى اليسار العراقي قبل وصوله الى موسكو التي عمل فيها بعد تخرجه كنائب مدير المدرسة العراقية ثم عمل في إذاعة موسكو وكتب في الكثير من الصحف العربية.
يصاب القارئ بالدهشة لمِا يمتلكه النعمان من لغة عالية الدلالة والمعنى والتوصيف، فهو متمكن من الكتابة وله القدرة على الإقناع عندما يكتب عن الأعمال الأدبية والفنية وحتى السياسية ولعل كتاباته في الفن التشكيلي وقراءاته للوحات العالمية له أثره المميز بين نقاد الفن. ومن خلال الصحافة والأنترنيت تعرفت على الدكتور النعمان وأصبحنا أصدقاء وكان مثقفاً كبيراً ووطنيا غيوراً على بلاده وشعبه وروحه المسامحة التي تحمل كل طيبة العراق من شماله وحتى جنوبه. كان الدكتور احمد النعمان يكتب المقال اليومي في الشأن العراقي ويدافع عن حقوق الفقراء والمحرومين من كافة شرائح المجتمع العراقي قبل وبعد سقوط النظام، فدفاعه المستميت عن الفقراء والمظلومين لم يأتِ من فراغ، انما من المبادئ والفكر الذي يحمله وكانت أغلب طروحاته تدل على وعيه وفكره المتطور في التشخيص والمعالجة للكثير من الأزمات التي عصف بالبلاد والمنطقة برمتها.
أصدر د احمد النعمان رواية واحدة بعنوان "الانهيار" ونشر العديد من البحوث في النقد الفني والأدبي. وله في متحف فنون الشرق بموسكو لوحتان هما "عندما تنطفئ الشمس" و"التعذيب". وتوجد لوحاته الفنية الأخرى لدى المتاحف في الكثير من البلاد العربية وأوروبا وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. انه طاقة إبداعية كبرى يكتب في كل الإختصاصات ويرسم بتفوق عال.
في رواية الدكتور احمد النعمان صاحبة العنوان الملفت للنظر "الانهيار" يتحدث عن انهيار الاتحاد السوفيتي بداية عقد التسعينيات بعد أن عاش فيه سنوات طويلة من الدراسة والنشاط الصحفي والسياسي وعرف فوائد تجربة النظام الاشتراكي على الشعوب ، كانت الرواية التي حُبكت بلغة عالية، لغة نافرة تصور الأحداث مثل فيلم لا يخلو من الرعب لكن يلفه التشوق لمتابعة الأحداث، تمكن كاتبها النعمان من إيصال إيحاءات كثيرة عن تلك التجربة الثرية للإنسان ضمن نظام اشتراكي.
يصور لنا الدكتور النعمان المشاهد تلو الأخرى داخل الاتحاد السوفيتي الذي عاش الأمن والأمان والتفوق العلمي والتكنولوجي بعد مراحل مظلمة مرت بشعوب الاتحاد شابها الخوف والرعب.

عرض مقالات: