ابتداء لابد أن نتعرف على " لفظة أدب شعبي " ذهب علماء اللغة في معنى لفظة "أدب"، مذاهب شتى، فمنهم من قال " عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، ويستفاد من أقوالهم جميعا: أنه خطة المحامد، وسنة الفضيلة والاستقامة. كما أن هذه اللفظة قد استخدمت، بمعنى "التعليم" كما قال رسول الله "علمني ربي فأحسن تعليمي/ او أدبني ربي فأحسن تأديبي". أما عن الأدب الشعبي: فهو التعريف بتاريخ وتراث شعب من الشعوب، الفن الشعبي، الأغنية الشعبية، الأهزوجة الشعبية، الفلكلور الشعبي، الأساطير الشعبية، عندما يتم الحديث عنها بلغة شعب من الشعوب. وقد تميز الشعر الشعبي العراقي بمزايا كثيرة، جعلته في موقف الرفض والتحدي للظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي، والتفرد السلطوي، والقمع السياسي، والفساد المالي والإداري .. (گبل جان اليبوگ .. يحوف تالي الليل هسه الظهر يسطي ومحد يرده)

وهكذا سمعنا المهوال.. وهو فلاح من الجنوب .. يحكي معاناته مع سياط الجلادين وأعدائه الطبقيين .. إضافة الى تعرضه للجوع والحرمان والقهر الاجتماعي:

على الله والعلى الله بضاعة المسكين

بشواربنه ولحانه لامرك مطـيعين

تطالبني على حـگـي وآنه اطلبك دين

"ولازم يصدف يوم الدنيا اتحول الراكب "

او كما ردد هذا المهوال وهو من أهل الرميثة.. المدينة التي شهدت انطلاقة الثورة العراقية الكبرى،حيث قال:

امشاجف والزمان مرادف الطگـات... واريض اهموم وكتي بصفنة الهوسات

تمطر غيض روحي مرافجة اللـچمات... وأنشدنك يعمري على الزمان الفات

((امشاجف دوم امشاجف.. لاجن يالحر ما ذليت))

وهذا غيض من فيض.. فيما نطق به الشعراء وهم يتبارون في نبش الواقع المأزوم في مجتمعنا..

وقد رافق الشعر الشعبي مسيرة الانسان...فكان سيفه في منازلة الباطل ومقارعة الطغيان.

ويقال أن التاريخ.. في سجالاته.. قد يعيد نفسه في بعض مواقفه.. وهذا ما قرأناه في قصيدة للشاعر الشعبي المرحوم عباس اللامي.. وهو يصف برلمان العراق قبل اكثر من 80 عاما.. وكأنه ينطق عن برلمان العراق هذا اليوم:

شو ماله حس هالمهيوب

شو حسه ما يطلع سكت... وتناوش الكرسـي ونبت

والناس ماتت وانسبت... واتزينـت بالـمـگـلوب

شو ماله حس هالمهيوب

يشرب ويطرب بالفرح... ومكيف وصدره انشرح

ما يحجي بس گـاعد شبح... سكاتي مثل المصلوب

شو ماله حس هالمهيوب

سكاتي بس يرفع رفع... بيده مثل باجي الربع

شاف الفلس وأصبح ضبع... كارص وبس يملي اجيوب

شو ماله حس هالمهيوب

انترس جيبه وما شبع... ومن الشعب حبله انكطع

باع المبادئ بالطمع... ويدور وبعـده ايلوب

شو ماله حس هالمهيوب

ايلوب ويبوس اللحه... ولابسله قاط ومسبحة

ينطي وعود وما استحه... يتوسـل ويطرق بوب

شو ماله حس هالمهيوب

يتوسل وينطي سـند... عالمبدأ وعالمعتقد

ما يصفن وعايش رغد... مثـل الصدك هم مندوب

شو ماله حس هالمهيوب

إن هذا الذي سمعناه.. من الشاعر الملا عباس اللامي ما زالت أفكاره حية ونحن نعيشها تماما.. رغم أنها قيلت قبل اكثر من 80 عاما، والنواب الآن يضعون حجر الأساس بقوة لمبدأ النهب المشرعن.. فهم لم يكتفوا بالأموال الطائلة التي يحصلون عليها.. بل إنهم يريدون امتيازات ومكافآت ومنحا مالية تضاف إلى رواتبهم الفلكية.. أما الاقتصاد المتعب والخزينة الخاوية وارواح الشهداء ومحرومية اليتامى والأرامل والحرب ضد داعش والإرهاب والتفجيرات والكرادة جريمة العصر والاستقطاعات من رواتب الشرائح الاجتماعية التي تقع في أسفل الهرم الوظيفي.. وجيوش الشهداء التي تزف إلى المقابر، ونقص الخدمات وضياع المليارات والفساد والمشاريع الوهمية.. فهذا لا يعنيهم.. أنهم يعيشون في ظل الترف الباذخ والحمايات الضخمة والقصور الفارهة.. والناس في أسفل الهرم الاجتماعي.. يعيشون تحت مستوى خط الفقر ويرافقون أكداس النفايات.. علهم يجدون ما يسدون به محنة الجوع والعوز المفرط. قال الإمام علي "ع": لو كان الفقر رجلا لقتلته ".. اين انتم أيها المترفون باسم الشعب ؟؟؟ إنكم تخلقون الفقر.. وتسحقون هامات الأطفال وتدوسون اليتامى والأرامل تحت أقدامكم..

نتحده المنايه ونسحـگ الطاغوت....

ونعبر علكلافه ولا يهمنه الموت

ومن طبع العراقي على الثجيلة ايفوت

انجان اتريد الشاهد.. عدنه الفايل بالعشرين

وهذا الفلاح المعوز والذي شاهد احد رجال السلطة الكبار. وهو يتنعم بالمأكولات والمشروبات المتنوعة.. فوقف أمامه متحديا سلطته الغاشمة.. رغم فقره وملابسه الرثة.. فقد كان ناطقا بصوت عال جدا.... ألقم الحاكم حجرا..

يا اهلا وسهلا يا وزير العيش

يمعيش الحكومة والشعب والجيش

لحم تاكل شوي والناس مامن عيش

(يا بيك ازرگنه بصمونه)

وفي زمن النظام ألبعثي الأسود، عرض فلم كان اسمه " المسألة الكبرى " وهو يتحدث عن ثورة العشرين..وعندما لاحظه احد مهاويل الرميثة.. نهض مغضبا..ورفع صوته محتجا ورافضا منطق ان تكون الثورة لغير أهل الرميثة وهم من صنع الثورة بدمائهم ورجالهم وتضحياتهم البطولية:

لون شعلان يدري انباگت الثورة

جا فج التراب وطلع من گبره

ماهي بالسوير المسألة الكبرى

الشاهد عدنه الشاهد احنه ايتام من العشرين.

وعندما اصبح صالح جبر مسؤولا كبيرا في الحكومة العراقية في النظام الملكي، فقد هزج الشاعر المهوال:

صالح من لزمها گـام ينطي اسعار

رفع سعر الشعير المن وصل دينار

ليش اليلزم العليه يهجم اديار ؟؟؟

(الخير البيكم ياخذ وزره من العريان)

وفي محاولة من النظام الديكتاتوري السابق، لسحق كبرياء وكرامة الشيوخ الاصلاء من ذوي الحسب الرفيع والأصل المنيع، فقد أقدم ذلك النظام على تنصيب شيوخ من أعوانه والسائرين تحت مظلته.. وتم عزل الشيوخ الحقيقيين وإبعادهم والتنكيل بهم.. وهذا ما دفع بأحد المهاويل ان يستدرك الموقف، ويخاطب رواد المضيف بهذه الاهزوجة الشعبية:

عمي شيوخ الاول زين كواكين

عدهم خوفة الله وناس عدهم دين

بس الساتر الله من الفگـع بعدين

عشر وجوه عنده ونرضى لو وجهين

(الشيخ الجانه مزور... لا فسفورة ولا خط بيه)

المهوال مسافر مهدي الظالمي.. من ابناء الرميثة.. وقد كان يهزج، في الايام الاولى لسقوط النظام العفلقي الاسود.. وكيف انهارت الدولة بمؤسساتها المختلفة وكيف رددت العناصر المعادية للشعب ان العراق سقط ولا يستطيع النهوض مرة اخرى.. وهكذا هزج المهوال مسافر:

آنه ابن العراق بدمي عزي اشريه

وهاي اسنين مرت جرحي اضمد بيه

جذب من گـال مجدك طاح، اسطرله زلم وابنيه

(العالم لا يتوهم، عزنه نموت اعليه)

وعنما هتفت احدى العماريات في مدينة الرميثة:

(العوجة اهتزت عينوها)

فكانت ثورة العشرين.. صيحة امرأة فراتية..

وهذه الفراتية " انجيدة " والتي وقفت على ولدها وهو ابن 18 ربيعا ولم يمض على زواجه سوى بضعة ايام.. الا أنه آثر الالتحاق بصفوف الثوار ونال شرف الشهادة.. فكانت تهزج قرب جنازته:

(عربيد اسم أمك يالآفه)

ولا يفوتني ان أذكر بمرحلة الشعر النوابي وشعراء العراق المحدثين ومواقفهم المعروفة في الدفاع عن طموحات شعبنا في حياة كريمة ووطن سعيد.. فقد كانت لهم قصائد اجادوا فيها كثيرا، الشاعر عريان السيد خلف والشاعر ناظم السماوي وحامد كعيد وابوقمر وغيرهم الكثير..