يمكن تعريف التحالف السياسي او التحالف الحزبي بأنه اتحاد بين حزبين او أكثر تجمعهم افكار متقاربة وتسعى الى تحقيق اهداف محددة كأن تخوض الانتخابات بقائمة مشتركة او تحكم بلداً... الخ، ويكون لكل طرف بالتحالف سياساته الخاصة وتوضع الخلافات جانبا لمصلحة الأهداف المشتركة. (1)

والتحالفات او الجبهات كما تسمى لها طابع سياسي وتنظيمي عام وشامل، وهي عبارة عن تجميع قوى مختلفة لتحقيق هدف عام، ويختلف ذلك عن النضالات النوعية في موقع محدد، نقابة او مصنع او جامعة ... الخ، حيث ان في تلك المواقع توجد روابط ومصالح عضوية مشتركة بين اعضائها على اختلاف أيدولوجياتهم وهذه الوحدة العضوية في المصالح تجعل نضالهم معا مطلوبا وضروريا ومقبولا. ولا يجب اخذ موقفا انعزاليا بشأنه أياً كانت الانتماءات السياسية للمشاركين فيه. (2)

ان عقد التحالفات ليس بدعة لدى الماركسيين، فقد دافع ماركس عن تحالف العمال والمزارعين والبرجوازية الصغيرة تحت قيادة الطبقة العاملة في معرض حديثه عن ثورة 1848 في فرنسا حيث اكد على ان العمال ليس بمقدورهم بمفردهم تحقيق اية خطوة الى الأمام دون هذا التحالف. وعمق لينين مسألة التكتيك الثوري بحيث اصبحت قضايا التكتيك والاستراتيجية جزءاً من علم قيادة نضال البروليتاريا الثوري معتبرا التحالفات الظرفية التي تعقد حتى مع العناصر غير الثابتة ضرورية لوجود اي حزب.

كما قال ماو تسي تونغ أن من دون ادوات للثورة لن يبقى منها سوى الاسم، مؤكدا على ضرورة وجود حزب ثوري يقود جيش العمال والفلاحين في اطار جبهة تضم كل الطبقات الشعبية. وتجربة الصين في  التحالفات غنية بالدروس ، فبين سنتي 1931 – 1941  وبمبادرة الحزب الشيوعي الصيني تشكلت جبهة وطنية تضم في صفوفها بشكل رئيس حزب الكيومنتانغ والذي سبق وان اباد حوالي اربعة اخماس الحزب الشيوعي الصيني واجبر الحزب على العمل السري وهذا التاريخ الدموي المشترك لم يمنع الشيوعيين الصينيين من تشكيل جبهة هدفها الرئيس ليس بناء الاشتراكية او الديمقراطية وانما طرد الغازي الياباني، وبهذا الصدد يقول (ماو) (ان تطور التناقض بين الصين واليابان قد جعل التناقضات المحلية بين الطبقات وبين الجماعات السياسية تنحدر، من ناحية الأهمية السياسية الى مركز ثانوي وتابع ،الا ان هذه التناقضات ما زالت موجودة ولم تتقلص او تختفي بأية  حال من الأحوال) ، بل استطاع الحزب الشيوعي الصيني ان يقدم تنازلات في مسألة الاصلاح الزراعي لصالح بعض الاقطاعيين الذين دعموا الجبهة المتحدة ضد اليابان وسماهم بالإقطاع المستنير.

ان مسألة بناء التحالفات لا تقوم على التاريخ الدموي المشترك ولا على اهلية هذا التيار او ذاك في الاستمرار في التحالف، فتطور الصدام الطبقي يفرض عليك في لحظات معينة كسب حليف جماهيري مؤقت من اجل انجاز خطوة عملية تقتضيها الحركة، فالانتصار على عدو أشد بأسا لا يمكن الا ببذل اقصى الجهود ولا بد اثناء ذلك من الاستفادة من اية امكانية مهما كانت ضئيلة لكسب حليف جماهيري وليكن حليفا مؤقتا ومتذبذبا لا يركن اليه وبشروط. (3)

كذلك اهتم لينين بالتحالفات في اللحظة التاريخية المحددة ومنها مع من يكون التحالف الطبقي وما هي اهداف النضال الطبقي والنتائج المطلوبة. فالتوافق السياسي هو تجسيد لالتقاء المصالح الطبقية. واكد لينين على ضرورة قيام البروليتاريا بضم جماهير الفلاحين لسحق مقاومة الاوتوقراطية (والاوتوقراطية هي شكل من اشكال الحكم تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب واصلها يوناني تعني الحاكم الفرد) بالقوة وشل تذبذب البرجوازية، وبين أنه في الانقلاب الاشتراكي على البروليتاريا ضمت اليها جماهير العناصر نصف البروليتاريا من السكان لسحق مقاومة البرجوازية بالقوة وشل تذبذب الفلاحين والبرجوازية الصغيرة وكان هذا الطرح عام 1905. وقد سئل ذات مرة لينين عن الذي يجمعهم مع الفئات المتدينة وعن وجود متدينين في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي وعما اذا كان ذلك يشكل تناقضا؟ اجاب لينين بعدم وجود أي تناقض قائلا: (نحن لا نسير في دروب السماء، نحن موجودون على سطح الكرة الأرضية وتجمعنا وتوحدنا الكثير من المشاكل التي تتطلب ان نتعاون جميعا من اجل حلها ونباشر في بناء جنة على الأرض نعيش فيها ونحن على قيد الحياة ونترك ما بعد الممات الى الممات). هكذا طرح الأمر مؤسسو الماركسية.

كما صاغ القائد الفيتنامي الكبير (هوشي مينه) التحالفات ايام الانتفاضة في العاصمة هانوي اثر الحرب العالمية الثانية وقدم درسا رائعا للمناضلين، حيث كتب عن ذلك الجنرال جياب في مؤلفه المعنون (ايام لا تنسى): (استعان بالقوات الصينية المتواجدة على الأراضي الفيتنامية لطرد القوات اليابانية التي كانت تحتل فيتنام، وعندما اخذت القوات الصينية تتصرف كقوات احتلال استعان بالفرنسيين   لإخراجها من فيتنام. ولطرد القوات الفرنسية انسحب من القصر الجمهوري مع باقي الكوادر الى اعماق الريف ليتزعم المقاومة البطولية ضد تلك القوات والتي حقق النصر الباهر عليها في معركة (ديان بيان فو) الشهيرة وعاد الى القصر الجمهوري ليقود عملية بناء فيتنام الشمالية ويوفر الدعم الكامل لثورة الشعب في فيتنام الجنوبية ضد حكم الجنرالات خدم الأمريكان والانتصار عليهم جميعا واعاد توحيد شطري فيتنام. (4)

اما غرامشي فيرى ان الحزب الذي يعبر عن البروليتاريا يستطيع ان يشكل الكتلة التاريخية من الطبقات الشعبية وهو لن ينتصر دون ان يحقق ذلك لأنه بها يتحول الى اكثرية الى قوة شعبية حقيقية تفرض شروطها على الأحزاب الاخرى وتستطيع الانتصار.

لقد ركز لينين على كسب (الطبقات الشعبية) التي تتوافق لتحقيق المهمات الديمقراطية كطبقات مع التركيز على تعرية مواقف الاحزاب، فقط عند الضرورة يعقد معها (صفقة). ان منظور غرامشي الخاص بإيطاليا التي كانت جزئيا رأسمالية وجزئيا في (الجنوب خاصة)، وبهذا فقد ركز غرامشي على تشكيل الكتلة التاريخية التي يمكن ان تسمح بانتصار الشيوعيين حيث ركز على (الطبقات الشعبية) ويعتقد بضرورة بناء نقابات واتحادات وهيئات ولجان تمثلها، ومنها يجب على الحزب الشيوعي (الكتلة التاريخية) اي الكتلة الشعبية التي تتوافق مصالحها الى تغيير النظام الرأسمالي القائم. (5)

هذه التحالفات لم تكن غائبة عن سياسة الحزب الشيوعي العراقي حيث أكد الشهيد الخالد فهد على سياسة التحالفات والعمل على ايجاد التحالفات الميدانية والاتصال بالأحزاب السياسية الوطنية من أجل تحقيق أهداف معينة حسب اللحظة التاريخية وحسب العوامل الموضوعية الملموسة.