تحالفنا مع سائرون اثار الكثير من الجدل لدى الرفاق والاصدقاء، ويبدو ان العديد منهم قد فهم تحالفنا في سائرون كونه تحالفا فكريا وايديولوجيا وبالتالي تلمسوا التباين الكبير بين التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي في حين تحالفنا مع سائرون لم يقم على اساس الفكر او المعتقد او الايديولوجيا بل هو تحالف برامجي مرحلي يحاكي الواقع الذي نعيشه سوياً، اي انه قام على اتفاق في تشخيص معوقات بناء الدولة الوطنية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية في ظرفها الحالي وسبل تذليل هذه المعوقات بمعنى تحالفنا مع سائرون يتوافق مع متطلبات المرحلة الآنية اي انه تحاف وفق الضرورة الموضوعية للمرحلة الراهنة.
نعم التباين بين المتحالفين يكمن ذهنياً في الفكر والايديولوجيا والمعتقد وإذا تخندق كل تيار او كيان سياسي تخندقا ذهنيا يردد مقولاته بطريقة ببغائية ولا يتفاعل مع الواقع ولا يتعرف على تناقضاته فلا يمكنه الاصطفاف او التحالف مع اي كيان سياسي لأنه يتحرك وفق معطيات ذاتية وبالتالي فهو يستشعر الخلاف الكبير بينه والآخر، لذلك علينا كشيوعيين ان نسترشد بالماركسية في معرفة طبيعة المرحلة (ما بعد 2003) والوقوف على تناقضاتها وكيفية التعامل معها.
التحالفات تشترط وجود مقاربة مع الآخر ولكن أية مقاربة؟ ذاتية ام موضوعية؟ دائما المقاربات تكمن في العامل الموضوعي لا الذاتي وتحالفنا مع المختلف ذاتيا (سائرون) يقوم على اساس العامل الموضوعي الذي تكمن فيه المشتركات، الا من سيادة القانون والبناء والاعمار وتوفير الخدمات ومعالجة البطالة ونبذ المحاصصة الطائفية وحصر السلاح بيد الدولة وبناء مؤسسات الدولة ..الخ.
التحالف نهج ثابت في مسيرة حزبنا، تحالف 1948 وكان شفهيا نتج عنه انتفاضة الوثبة وتحالف عام 1954 حصول المتحالفين على 11 مقعد في البرلمان العراقي، فيما تحالف 1957 نتج عنه ثورة 14 تموز الخالدة، بداية تحالف 1973 نتج عنه استقرار سياسي الى حد ما وازدهار اقتصادي، في كل التحالفات التي دخل فيها حزبنا كانت وفق قراءته المتناقضات الموضعية للمرحلة ذاتها، مع الاقرار باستقلالية كل طرف وحريته في التحرك وفق منطلقاته الفكرية.
اعتمد حزبنا التقييم النسبي وليس المطلق في تعامله مع القوى السياسية المتنفذة بعد 2003 وذلك بعدما حدد طبيعة المرحلة واشر بشكل واضح اللوحة الطبقية التي تتصدرها الكومبرادورية التجارية والبيروقراطية السياسية ومن خلال ذلك شخص المتناقضات الرئيسة للمرحلة وتبيان الخصوم والاصدقاء نسبة لهذا الظرف التاريخي.
تؤكد الماركسية ان المرحلة التاريخية تفهم من خلال ظرفها الموضوعي قبل كل شيء لا بالأفكار السائدة فيها. لذلك فان تحالفنا مع سائرون يقوم على اساس معطيات المرحلة الراهنة نعتمد الموضوعي في اقامة اي تحالف ومدى المقاربة التي تتحقق وفق برنامجنا الوطني. علما ان التناقضات الواضحة والفاعلة في المشهد السياسي العراقي الحالي ليس بين النظرية الاشتراكية والنظرية الرأسمالية وحتى لم يكن واضحا التناقض بين اليمين واليسار رغم وجوده الموضوعي لا الفكري بمعنى وجود كادحين كطبقة بذاتها لا لذاتها. التناقض الفاعل والمتحرك في المشهد السياسي العراقي منذ 2003 حتى الآن هو بين الوطني واللا وطني، بين الدولة المدنية والدولة الدينية، لذلك كانت شعارات مؤتمرات الحزب تؤكد على هذا الجانب (دولة مدنية ديمقراطية، عدالة اجتماعية) اضيفت كلمة التغيير لهذا الشعار في المؤتمر العاشر، وهذا يؤكد ان ثنائية الرأسمالية والاشتراكية وكذلك ثنائية اليمين واليسار غير فاعلة بقدر فاعلية ثنائية الدولة المدنية والدولة الدينية كمتناقضات من المرحلة الراهنة، على اعتبار الدولة المدنية الديمقراطية هي دولة جامعة بين ما هو يساري وما هو يميني ونهجها الديمقراطية هو لإدارة هذا التناقض بطريقة سلمية وهي التي تسمح لهذا او ذاك بتشكيل الحكومة.
على ضوء ما تقدم يصطفون بجانب الدولة المدنية لا يجمعهم فكر محدد فهم ذوي مرجعيات فلسفية وفكرية مختلفة فمنهم الماركسي وهناك الليبرالي والاسلامي المعتدل والقومي والعلماني..الخ. وهذا يؤكد ان المقاربة دائما تكمن في العامل الموضوعي والمفارقة في العامل الذاتي ووفق ذلك تكون برامج العمل انها تحالفات تحكمها طبيعة المرحلة وتناقضاتها، وعند انتصار الدولة المدنية الديمقراطية ويكتمل بناؤها وتهيمن المفاهيم المدنية على الوعي الاجتماعي تنتهي ثنائية دولة مدنية/ دولة دينية كمتناقضات لتظهر الى الوجود ثنائية اليمين واليسار كمتناقضات في المرحلة الجديدة.
الماركسيون يفهمون الظاهرة من خلال ظرفها الموضوعي لا الذاتي وظاهرة التحالفات يجب ان تفهم من خلال دراسة الواقع العراقي وتشخيص تناقضاته الفاعلة بدقة والاشتغال وفق هذه المتناقضات.
الكثير من الرفاق تفهموا الامر وقبلوه وغيروا مواقفهم من معارض الى مؤيد للتحالف رغم تأكيدنا ان لا ضمانات ملموسة في أي تحـــالف يعقد.