وداعا ابا خلدون

الشاعر. الرائع عريان السيد خلف في ذمة الخلود. نعزي أنفسنا وشعبنا وكل محبي هذه القامة الشعرية التي عبرت بصدق وبصورة مبدعة عن مشاعر وأوجاع وآمال وشجون الشعب. والإنسان العراقي ، وخصوصا ابناء الفقراء والكادحين ، وجس التزامه بقضايا الشعب والوطن من خلال انتمائه للحزب الشيوعي العراقي. الذي ظل وفيا له ولمبادئه حتى آخر لحظة في حياته.
ستظل يا ابا خلدون حاضرا وحيا في الوجدان وتبقى ابيات قصائد تتغنى بها وتتناقلها الالسن عبر الزمان والمكان
الصبر والسلوان لعائلة الفقيد الكبير وأعمق المواساة لشعبنا بهذه الخسارة الكبيرة .

رائد فهمي
سكرتير اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي

************

رئيس الجمهورية يعزي

"أعزّي، بألم، الشعب العراقي بمختلف انتماءاته بوفاة الشاعر الكبير والمناضل الوطني الديمقراطي عريان السيد خلف، والذي يعد أحد أعمدة تجديد القصيدة الشعبية العراقية، ومن أهم أصواتها منذ الستينيات الى الآن.
الشعوبُ تُعرف بأدبائها ومبدعيها، وكان الفقيد صوتاً معبراً عن الشعب وآلامه وتطلعاته وبرحيله يفقد العراق رمزاً شعرياً ومناضلاً وطنياً من أجل الحرية والعدل.
نوجه تعازينا لأسرته، وللشعب الذي يردد قصائده منذ عقود، متمنين الصبر والسلوان لأسرة الفقيد ولمحبيه، ولروحه المغفرة والرحمة.

*************

مواساة
رئيس الوزراء

"اتقدم بأحر التعازي وخالص المواساة الى الشعب العراقي وبالأخص الوسط الثقافي والى عائلة الفقيد الشاعر الكبير عريان السيد خلف، فقد خسرنا شاعرا عراقيا وطنيا كبيرا اغنى الادب العراقي الشعبي بالكثير من النتاجات الشعرية الرصينة، تغمده الله بواسع مغفرته ورحمته، كما لا يسعني بهذه المناسبة الحزينة الا ان اشد على ايدي ذوي الراحل، داعيا من العلي القدير ان يلهم ذويه الصبر والسلوان."

عادل عبد المهدي
رئيس مجلس الوزراء

**************

تعزية رئيس مجلس النواب

“ببالغ الأسى وعمیق الحزن تلقینا نبأ وفاة الشاعر الكبير عريان السيد خلف أحد أبرز الشعراء العراقيين الشعبيين، الذي أسهم في إثراء الحركة الثقافية في العراق من خلال أشعاره وقصائده التي تغنت بحب الوطن، وبمواقفه الوطنية التي كان لها الأثر الكبير في الشارع العراقي، داعيا المولى القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم عائلته الصبر والسلوان وحسن العزاء.
محمد الحلبوسي
رئيس مجلس النواب

*************

السيدالحكيم يعزي

فقدنا اليوم قامة شعرية كبيرة من قامات الأدب العراقي، الشاعر الشعبي الكبير عريان السيد خلف يفارقنا بعد عمر قضاه في رحاب صور المعاناة والطموح العراقي التي كان يصوغها بكتاباته، نبتهل الى العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان.

عمار الحكيم

************

وداعا صياد الهموم...

وداعا عريان السيد خلف...
ينعى الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الشاعر الكبير، شاعر الشعب عريان السيد خلف، الذي وافته المنية إثر نوبة قلبية صباح اليوم في الطريق إلى مشفى مدينة الطب ببغداد.
الذكر الطيب للراحل المبدع الأصيل...
ستظل قصائده محفورة في وجدان الوطن...
والعزاء كل العزاء للعراق كله.

عمر السراي
الناطق الإعلامي
لاتحاد أدباء العراق

**************

رحيل عريان
خسارة كبيرة

إلى عائلة الشاعر الكبير عريان السيد خلف
الى الرفاق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
لقد أفجعنا رحيل شاعر شعبنا الكبير أبا خلدون، الشاعر والانسان والمناضل والذي ما ساوم يوما على المبادئ التي آمن بها، وجسد هموم شعبنا بأروع ما جادت به قريحته الشعرية، فألهب حماس الجماهير وأذكى فيها روح التمرد على كل الانظمة الدكتاتورية التي تعاقبت. فكان بحق صوتا للمحرومين، ومثلما كان نشيدا صادحا للثورية، كان كذلك شجرة تفوح بعطر المحبة والجمال، مجسدا ذلك بأحلى القصائد التي تتغنى بالجمال والحب، لهذا تغنت بأشعاره الجمهرة الواسعة من الشباب. ومثلما كان نخلة باسقة في وسط وجنوب العراق، كذلك كان شجرة بلوط بطعم حلو في كوردستان. فقد عرفته جماهير كوردستان وأحبت شعره وطريقة إلقائه للشعر، لقد كان رحيله صدمة موجعة لنا جميعا، لهذا نرجو لكم ولنا الصبر الجميل ولروحه السلام الابدي.
تقبلوا خالص تعازينا ومواساتنا.

المكتب السياسي
للحزب الشيوعي الكوردستاني

**********

في نعي الراحل الكبير

نعت لجنة الثقافة والاعلام والسياحة والآثار في مجلس النواب رحيل الشاعر الكبير عريان السيد خلف الذي وافته المنية صباح امس في مستشفى مدينة الطب ببغداد. وعبر اعضاء اللجنة عن بالغ حزنهم بعد تلقيهم نبأ وفاة الشاعر المعروف السيد خلف الذي يعد من الاسماء اللامعة في مجال الشعر الشعبي العراقي واحد اعمدته العريقة لأنه اضاف الكثير خلال مسيرته الطويلة وتاريخه الادبي. وعزت اللجنة جميع الادباء والشعراء ومحبي الفقيد وذويه بهذا المصاب الجلل، سائلين المولى القدير ان يرحمه برحمته الواسعة.

************

عن عريان السيد خلف أتحدث

عدنان الفضلي

يخيّل لمن يسمع او يتابع عريان السيد خلف في فترة ما بعد الحادثة المرورية التي نجا منها بأعجوبة، وهو يحتفي بالجمال والمرأة، ان هذا الرجل لا يحمل هماً، ولم يتأثر بسحنة الألم التي تجتاح تضاريس الوطن من أقصى جنوبه الى أقصى شماله.
لكن من يتعمق في رصد قصائده وسبر اغوار مفرداته سيجد فيه انساناً، يتسكع في شتى بقاع الوجع العراقي حاملاً حزنه الذي لم يرتض به صامتاً، يلامس به خاصرات الوطن علّه يزيل عنها اثر الخناجر، ففي مجازات النصوص التي يتعامل بها ومعها يقفز الوطن الاخضر ليعبر ضفة الهم محتفياً بأمل مازال يراود صدغيه، وفي تجلياته الشعرية ثمة ثلج يشبه بعض شيب رأسه غير الموغل بالبياض نتيجة عنايته به.
عريان السيد خلف: هو وريث وصايا الجنوب، وصاحب قصر الهدوء حين يخلط اللونين (الحسجة مع السائد)، ودائماً ما يُلبس رعيّة قصره من المتلقين والمتذوقين.. الجمال المداف بندى سومرياته .
عريان السيد خلف: يجيد العوم في أنهار المفردات السومرية، لذلك نراه يرافق مجرى جميع أنهار العراق، فتارة نراه قريباً من زقورة اور، وتارة نلمح طيفه يمرق باتجاه شط العرب، وفي انتقالاته لم يترك (السيد) بقعة يابسة الا وترك فيها اثراً يتبعه الشعراء الشعبيون من دون ان يرافقهم الغاوون، وفي خلجته المخبأة أبداً بين سنديانة واخرى، نجد أحلام الفقراء تتحول الى صورة شعرية ترسمها أنامل عريان بحرفة المتيقن من قطرات مطره، فهو ومن خلال انثيالات روحه يضمد العثرات بأكمام شعره، ويرش عليها ماء السعادة الذي يحمله بدلو الصدق.
عريان السيد خلف: خيمة متنقلة، تحرص على استضافة كل من سُحبت منه إجازة الإقامة في وطن الطرب والشعراء، فهو الباحث دوماً في صناديق الدنيا، عن أوطان منفية مزّقت الغربة قمصان انتمائها من قبل ومن دبر، فيعمد الى توزيع كسوة من قصائد يغلف بها أجساد تلك الاوطان، ومن خلال خطوات بحثه تلك نصل نحن ايضاً الى مناطق اشتغال لم نكن لنعرفها لولا كساء هذا الجنوبي المجنون برائحة الوطن.
عريان السيد خلف: ترنيمة حزن مرمية في طريق شحّ عدد سالكيه، فصار موحشاً يكتنفه ظلام لن يتبدد من دون بث شحنة من وفاء عبر منظومة الرجل السومري المعمّد بماء فراتين يسايرانه أينما شخص بصره الثاقب لكرات الصمت.
عريان السيد خلف: حقل ومحراث وغيمة، فمن يريد زراعة النبض عليه طلب اللجوء الى قلب هذا القادم من جنوب السحر والشعر والخمر والفجر والخير، ليحصل على موسم عطاء يتناسل كما قصائده الغارقة بالندى والمضمخة بعطر جنوبي ورثه من صندوق جدة له كانت تقص عليه أجمل القصص.

*************

الكعبي: شخصية وطنية وثقافية نتألم لفقدانها

نعى السيد حسن كريم الكعبي النائب الاول لرئيس مجلس النواب، رحيل الشخصية الوطنية والثقافية الشاعر عريان السيد خلف.
وأعرب الكعبي عن الالمٌ والحزن لفقدان شخصية وطنية ثقافية تغنت بحب العراق وانشدت للبلاد والأجيال عبر سنوات طويلة.
وقدم سيادته التعازي والمواساة لعائلة واصدقاء ومحبي الفقيد، داعيا المولى جلت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
وانا لله وانا اليه راجعون.
************

"سائرون": نصير الفقراء والمظلومين

نعزي الشعب العراقي والأسرة الأدبية والثقافية برحيل شاعر الشعب العراقي الكبير عريان السيد خلف الذي الهم أجيالا من المبدعين وقدم أجمل القصائد في حب الوطن والناس الفقراء والمظلومين. إن رحيل السيد خلف يعد خسارة وطنية لقامة إبداعية نذرت نفسها من أجل فقراء الوطن ومظلوميه عبر عشرات السنين من خلال ما قدمه من أعمال شعرية عبرت عن مواقفه الثابتة حيال العراق وطنا وشعبا. وفي هذه المناسبة نتقدم بأحر التعازي الى أسرة الفقيد سائلين المولى القدير أن يتغمده برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته إنه نعم المولي ونعم النصير.

الدكتور قحطان الجبوري
الناطق الرسمي بإسم تحالف سائرون

**************

عريان ينظمنا

ياسين النصير
وأنا أخطو في الليل إلى بيته كي نجتمع، اشعر أنني كنت أخطو ذاهبا لحقل يملأه صوت العراق، كنت سعيدا بتلك الصحبة التنظيمية التي جعلتني منظما لفترات قصيرة لخلية فيها عريان السيد خلف، كان يقف على الباب مراقبا لصوص الليل العفنين وهم يتتبعون خطواتنا، كان بيتا محروسا بروح االشعب، وشدو القصائد واستذكار ما يحتاجه العراق، كنا مجموعة من الرفاق الذين يأتون لاجتماعتنا، اعني من بقايا الرفاق، وكانوا ينشدون من بين ما ينشدونه من أوضاع الحزب ان يسمعوا عريان السيد خلف وهو ينشد قصائده، كنا نستمع عبر القصائد إلى تعليمات جديدة، وإلى صوت عميق لما يعانيه العراق، كانت قصيدته قيثارا في سجل محضرنا اليومي، وصوتا شعبيا مطلبيا يختصر معاناة العراقيين، عريان الذي على اسمة بقي الرفاق صامدين يتحدون كل مخاطر السلطة وزبانيتها كي تأتون للإجتماع، اي حزن يبعث الشعر يا ابا خلدون كيف يكون الموت قرينا للكبار ويهمل هؤلاء المتعفنين في سرقاتهم، الله ما اشد حزني وانا رفيقك الذي ما برحت تشيد بتلك اللقاءات الليلة حين يجتمع رفاقك من اجل ان يبدأوا في اليوم الثاني بمواصلة طرقهم النضالية.
اذكر جيدا ما حدث بعد 1979، رايتك في عدد من مواقع بغداد، كما رأيتني انت ايضا في هذه الأمكنة، نشتري قوتا لاطفالنا أو نتحاور في الذي مضى وما سيأتي، ودائما كنت كريما صوتك يتقدم جيبك، " أبو أمين خو ما محتاج " اتذكر أنك تنشدني القصيدتك الجديدة حتى وانا في الغربة، ويوم زرت هولندا، كانت كل الجالية تريد لقاءك، اي حزن ينتابني هذا الصباح وانا اسمع صوت خلدون قبل يومين "عمي انا ا ابن اخوك هل تقبل صداقتي" احسست بشيء غريب كان ذلك يوم الاثنين الماضي، ان عريانا فيه شيء غريب.
في حديقتي الصغيرة في هولندا التي سخرت من مساحتها، كنت تتندر عليها وتقول: يا أبا أمين، لا تسمي هذه حديقة، ففي العراق ملايين الامتار التي تمنحك اسم الحديقة، عريان، ايها الجبين الصداح، قرأت ونحن ننتشي بماء النهر وهو يبرد لنا عطايا الزمن، ان الغربة موت ياياسين كيف ارتضيت الهجرة بالرغم من قسوة حياتنا، وكنت لا املك الجواب، بل كنا صديقين للدموع التي جرت في تلك البقعة الهولندية التي أسميتها حديقة ورفضت انت ان تسميها حديقة. رفيق الدرب، في كل زيارة لبغداد اقصد مكانك في بيتنا الثقافي، وكنت تعيد على مسامع الجالسين: ان ياسين كان مسؤولي في الحزب لفترات معينة، كنت اخجل أن أقول أنك أنت الذي كنت تقود خلايانا، أنت الذي كنت تغذيها بصوتك وقصائدك، أنت الذي استعرت لسان الشعب كله لتكتب الشعر، أنت يا أبا خلدون أحد روافد الحداثة الشعرية عندما تكون القصيدة نابضة بروح الشارع وتجسد حياة الناس اليومية وتغني اناشيدنا الجماعية.

**************

" غيبة السلطان"


يوسف المحمداوي
تعريّن ياشعر وألطم على عريان...موشاعر فقط انسان ابو ايمان
شاعر للشعب مامدح ديكتاتور.....قصايد للفقير بوجه كل طغيان
عمر كضاه نضال وشاهد التاريخ...ولايوم التخاذل واشتكى تعبان
عمت عين الردى يختار وين الزين...اخذ بلبل شعرنه وأوحش البستان
نصبنالك عزى بكلوبنه ياحيد.....وتستاهل ادموع الاهل والصحبان
من يقره الشعر فارس منصة بزود...تصغي الروح للحسجة كبل الاذان
حكم يقره علينا وصور تمطر كيف...يرسملك اشعاره بريشة الفنان
حك انبارنه تعزي اهل ذي قار....وحك بغداد تنصبله عزى وميسان
حك دجله وفرات تنوح يامهيوب...كتبت اشعار بيهن نابعة بوجدان
ياخيمة شعر ماظن بعد تنعاد...فراضة راي يمعدّل وحلو السان
خسارة بلد كامل روحتك ياحيد...نكس بيرغ شعرنه بغيبة السلطان
بهيده يالتغسل جسد مملي اجروح...وعلى كيفك بدفن الشعر يادفان

*************

وداعا صديقي العزيز عريان السيد خلف

كامل الركابي

كأنما حننت الى ان تتمرجح في ظل الاشجار كالقصيدة، وظللت تحلم بالعودة لتلك الطفولة
ها انك ترحل
ولم تزل روحك تتمرجح
بين القصائد المغناة والمكتوبة، ورحل معك للابد الوجع الكامن في جملة الشعر التي بها وحدك تفردت في اللغة المحكية والمضمون وشكلت عمودا فقريا خاصا في جسد الشعر الشعبي العراقي( شعر العامية)
كم غنت الناس بوجعك وشاركته
واليوم تحزن من اعماقها لغيابك المبكر وتظل تردد معك
تمرجحي
بروحي قصيده !

****************

مات جيفارا الشعر

كريم النوري

رحل عنا (عرياناً) من الاهتمام الذي يستحقه وكنا نتغنى بشعره في السجن ونضمد جراحات العذاب والتعذيب بما نحفظه من قصائده ..
وفي الغربة خير انيس وجليس لوحدتنا ووحشتنا كانت قصائد عريان السيد خلف التي حفظناها
(ادكـ روحي نذر.. للجايب ابشارة..
واورجة اعلة الجروح..المالهن جارة..
جرح ينزف..جرح باني..اعلة بسمارة..
لا أرثيك بعد مماتك اذ لم ارثيك في حياتك وقد كنا نتفاعل مع قصائدك في المهجر عندما كنت بعيداً عنا ثم ابعدناك في الوطن وانت قريب منا.
هذه طبيعتنا يا عريان فلا تلمنا لاننا نؤبن الأموات ونؤنب الأحياء..
يبقى صوتك بطعم الوطن والجنوب وتبقى روحك ترفرف في أكواخ الوطن وبيوت الطين وبيوت الصفيح..

**************

هكذا جمع بين الحزب وبين مضيف اجداده
زهير الجزائري
‏لم تنغص الغيرة حياتي إلا مرة واحدة.. كنت أجلس إلى يمين عريان السيد خلف في مربد البصرة بعد ٢٠٠٣، بين لحظة وأخرى يأتي شاب، من اجيال تجهل وجودي، ويطلب مني أن أنزاح قليلا، ليجلس في مكاني ويأخذ صورة مع (أبو خلدون). حين اتباطأ ترفعني يدان قويتان وتعيداني الى مكاني. نمشي في الشارع فيوقفه واحد من المعجبين ليأخذ صورة العمر مع السيد. بعد كل المحن والأيام المرة التي عاشها عريان في منفاه داخل الوطن بقي صبوراً، بطيء الإيقاع ولكن بأحكام مثل السيد في القبيلة الجنوبية يمد يده بهدوء وإحكام ليقبلها العابرون. يغادر عريان ذاك السيد ويتعامل مع معجبيه باعتبارهم رصيده في مواجهة سلطة قاسية. قبل أن آتي من منفاي إلى بلدي عشت مع عريان أياما في بيتي بلندن، أستمع لحكاياته وهو يمتص السيكارة مثل عاشق. استعدنا معاً مفارقات العمل في قسم (حياة الشعب) وجلسات الشرب في اتحاد الأدباء وسفراتنا لجزيرة أم الخنازير. اعترف بأني كنت آنذاك، أرى الشعر الشعبي يسير ببطء وراء موجة الحداثة متمسكاً بالعاطفة والحنين. كنت أمازحه قائلا ما زلتم تكتبون بقلم الرصاص و لم تصلوا للمكير الذي وصله مظفر النواب قبل سنوات وقد غادركم بـ(الريل). باستعلاء لا أدري مصدره كنت اتحدث مع عريان وهو يصغي الي وقد أغلق عينه اليمنى ليتحاشى غيمة الدخان بيننا. ليفندني قرأ أمام جمع من محبيه قصيدة (الرميثة). مع تدفق الصور يصعد صوته وينزل ويتموج وهو يرف على سلك صوته داخل قاعة حبست شهقاتها. بين بيتين يصمت تاركاً للمخيلة أن ترى انقلاب القبور على موتاها والصرخات على مطلقيها.
بعد أن أنهى قصيدته سكت وما زال سيل الصور يترجع في مخيلتي. غَير عريان تصوري تماماً.. اللغة الشعبية اغتنت بالممارسة وتجددت وهي تعكس سيل الفواجع.
حدثني عريان عن حياته أيام الحروب والحصار، وعن الحيل التي ناور بها السلطة. أصغيت له باهتمام لأجسر الفجوة بيني وبين الوطن. الأحاديث الحبيسة في بلد الحكايات المخنوقة كانت تتدفق، ولكن بهدوء النهر، وبين كل حكايتين قصيدة مخبأة.
حين عدت للوطن وجدت عريان ما زال في جلسته في مكانه الثابت، في مدخل مقر الحزب الشيوعي. يدخن وينهض بذاك الهدوء العجيب ليستقبل الداخلين كما في مضيف أجداده.. هذا هو مكانه، قلت لنفسي. كيف جمع بين الحزب وبين مضيف أجداده؟
ما أزال اتذكر وجه السائق الذي يدور بِنَا في أزقة البصرة وهو ينظر في مرآة السيارة حائراً متكتماً على فرحه، يريد أن يصدق أن هذا الراكب في المقعد الخلفي من سيارته، هو (ابو خلدون) الذي يحفظ قصائده عن ظهر قلب. أكاد ارى في نفس المرآة الدمع ينضح من عينيه وقد عرف تواً أن عريان غادر عالمنا إلى الأبد.