كثيرا ما كُبّلنا بالرعب، وغالباً ما أمست الأحزان ديدننا. ابتعد بلدنا عن الفرح، نفته الحروب الى قيعان جحيمها، ونهشه جبروت الطغيان فأضحى دموعا.
فرَّ الفرح من قلوب العراقيين.
الفرح صناعة، ابتكار، مئات من عوالم وأمكنة يخصصها البعض "هناك" في "الخارج" لتحضن اختراعات الفرح، وطرق وأفكار الضحك، وتأليف وتطوير مظاهر البهجة. الفرح صناعة يتقنها عشاق الحياة ومريدو المسرة وأتباع الجمال. لا شيء أجمل من أن ترى راية بلدك ترفرف فوزا، أو أحد أبنائه يصنع فرحا، أو مسرة بحجم الأمل تختلس الفرح من بين الخراب لتصنع واحة لابتكار الحلم وتطريز الوجوم بابتسامة ودودة ولحظة اعتزاز.
في واحة "طريق الفرح 6"، غدا الفعل مصاحبا للمسرة، فبين ندوة حوارية وجلسة احتفاء ثمة فنانة ترسم لوحة، وأطفال يفترشون الأرض الخضراء ويخربشون على الورق. وبين القاء محاضرة ومتحدثين في شأن ثقافي ما هناك شعر شعبي يصدح بالعراق وللعراق، وهناك فعاليات موسيقية وغنائية وتشكيلية ومسرحية. وبين هذا وذاك هناك منتجات صنع في العراق ومصنوعات عراقية يدوية.
امتزج الغناء مع الرقص والحوارات مع المعروضات واللقاءات مع القادمين من الخارج الى أحبابهم في الداخل.
طوبى لمن صنع لحظة الفرح هذه، ومن أثبت أنه أدرى من غيره في هذا المطلب الانساني الصادح بالعطاء. فمثلما ينتشي الطير في لحظة فرح، لا بد لنا نحن المغموسين بالألم من لحظة حضارية تتجلى فيها مباهج الألفة وعطر المحبة وجمال التواصل.
مع طريق الشعب، طريق الفرح 6، في واحة مهرجانها السادس، أحسست بأمرين: الفرح والتأمل. الفرح الذي تلمسته في اللقاءات والحوارات والفعاليات، والتأمل المشحون بكل صور الخلق، النابع من تشغيل مساحات باردة أو معطوبة أو عاطلة، فاذا بهذا البق يئن كأنين نواعير الأنبار بعد كساد طويل ملغوم بالألم.
لا بد أن نعرف كيف يصنع غيرنا الفرح ويوجده ويخطط له، ولا بد لي، أنا ابن الحروب أن أستذكر كيف كنت أبتاع الشموع من سيارة "الحانوت" وأحرق بعض أكياس الرمل لأتهيأ لطقس القراءة الليلي داخل ملجأ رطب وشديد البرودة. الشموع لتتكرم علي ببصيص من ضوء، ودخان الأكياس المحروقة ليعينني على مقاومة جحافل البق في نوبته الليلية القاسية داخل ملجأ مظلم!
هكذا يُصنع المعنى من بين اللا معنى، وهكذا تبتكر الغاية من موت السعي، وهكذا في لحظة تأمل، أدركت كيف صنع "طريق الفرح 6" رعشات أنوار مبهرة في "قلوب الحياتيين" وغدا مجلبة للفرح، ولحظة لانتشال عزلتنا من مزالق الوجوم.