تشهد الاوضاع في بلادنا بمرور الايام والاسابيع مزيدا من التعقيد والتشابك والتدهور، وتستفحل الازمة العامة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما تطحن البلاد ازمة بنيوية مفتوحة على الاحتمالات كافة، بما فيها الاسوأ. وبجانب هذا تتكاثر المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم الفاشلة، القائمة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي.

وفي حين تتعمق هذه الازمة بجوانبها المتعددة، تُظهر القوى المتنفذة والمتشبثة بالسلطة عجزا واضحا عن تقديم حلول ومخارج لها. وتجلى ذلك مؤخرا في الفشل البيّن في تشكيل حكومة السيد محمد توفيق علاوي وتمريرها في مجلس النواب، الامر الذي عكس ازمة المنظومة السياسية بكاملها، وخطل  الآليات النافذة في ادارة الدولة منذ ٢٠٠٣، وعلى الصعد كافة.
ويجسد هذا الفشل في الوقت نفسه اجواء عدم الثقة السائدة ما بين القوى والكتل المتنفذة، وبينها جميعا وابناء الشعب وشبيبته، الذين انتفضوا عليها وعلى حكمها ونهجها ونمط تفكيرها، ساعين الى تخليص البلد من التدهور والفساد والبؤس والجوع والمرض وثلم القرار الوطني المستقل، ومن فوضى السلاح وتغول المليشيات وضياع هيبة الدولة، ومتطلعين الى اقامة دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .

وفي هذا السياق نرى أن المهمة الملحة اليوم هي تشكيل حكومة وطنية جديدة مؤقتة ومصغرة، من دون ابطاء ومماطلة وبعيدا عن نهج المحاصصة واخطبوط الفساد، بما يقي العراق من المزالق الخطرة الناجمة عن الاستعصاء السياسي والتدخلات الخارجية، وبما يضمن   تداول دستوري وسلمي للسلطة، يضع في الاعتبار الحقائق الجديدة التي أفرزتها الانتفاضة.

وبناء عليه يتوجب ان يقوم رئيس الجمهورية بالخطوات الضرورية لاختيار وتكليف رئيس للوزراء، وفقا للدستور وبموجب معايير الوطنية والكفاءة والنزاهة والاستقلالية، والقدرة على اتخاذ القرار وعلى تنفيذ البرنامج الحكومي الموقت، بعيدا عن المناطقية والطائفية السياسية والتحزب الضيق والاملاءات الخارجية.

ويهمنا ان نشدد في الوقت عينه على وجوب مباشرة الحكومة المؤقتة فور تسلمها مهامها، بالعمل على تحقيق الآتي:

* اجراء الانتخابات المبكرة في موعد لا يتجاوز السنة كحد اقصى.

* مراجعة قانون انتخابات مجلس النواب، واعتماد صيغة منصفة وعادلة.

 * مراجعة تشكيل مفوضية الانتخابات بما يضمن ان تكون مستقلة حقا، وقادرة على ادارة عملية انتخابية نزيهة وشفافة وذات صدقية، بعيدا عن المال السياسي والسلاح، وباشراف دولي فاعل.

* اعلان ضحايا الانتفاضة والاحتجاجات شهداء للشعب، ووقف القمع ضد المنتفضين وإطلاق سراح المعتقلين منهم وإبطال اجراءات ملاحقتهم والكشف عن مصير المغيبين. كذلك اعلان نتائج التحقيق في قضية قتل المنتفضين والمحتجين، ومحاسبة كل من تورط في الجرائم المرتكبة بحقهم.

* مباشرة إجراءات جدية وملموسة لمكافحة الفساد، وتقديم المتهمين بمختلف مستوياتهم، خاصة الكبار، الى القضاء.

* انجاز الخطوات الآنية العاجلة لتأمين القوت للشعب، وتطمين حاجاته المعيشية والخدمية الملحة.

 ان تحقيق هذه الاهداف وغيرها مما يتطلع اليه الشعب والانتفاضة ويطالبان به، يستلزم خلق ارادة شعبية وطنية ضاغطة على القوى المتنفذة، عبر توسيع الانتفاضة وتنظيم صفوفها وزيادة مساحة تأثيرها وتوحيد رؤاها وتصوراتها، وفتح حوارات جدية بين المنتفضين وسائر القوى والشخصيات الوطنية الداعمة لهم والتي تحملت معهم الظروف الصعبة التي مرت بها الانتفاضة، وشاركتهم شرف تقديم الشهداء والتضحيات، لتأمين قيام اصطفاف شعبي وسياسي وطني واسع، داعم ومساند للانتفاضة، بما يديم زخمها وحيويتها ومواصلة الضغط لتحقيق اهدافها، وفتح الطريق امام التغيير المنشود الذي بات ضرورة ملحة.

ختاما ندعو جماهير شعبنا والقوى المدنية الوطنية والديمقراطية، التي تشاركنا هذه الرؤى والتوجهات، الى التحرك العاجل لانقاذ البلد من الازمة المستعصية، والى تفعيل دورها والارتقاء بتنسيق مواقفها واجراءاتها، والسير معا نحو تحقيق اهداف الشعب وتطلعه الى عيش آمن وكريم وحياة مدنية، في ظل دولة مؤسسات وقانون تحترم حقوق الانسان، وتسود فيها قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية. 

5-3-2020