تم يوم السبت الماضي (1 شباط 2020) تكليف السيد محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الانتقالية، باعتباره مرشح تسوية. وفي هذا الشأن وارتباطا بالتطورات والاحداث المتسارعة نبين موقفنا بالتالي:

اولاً: لقد جرى التكليف بالطريقة ذاتها التي لا تختلف كثيرا عن تلك التي جاءت بالسيد عادل عبد المهدي والحكومات السابقة، وهو ما رفضته جماهير شعبنا في انتفاضة تشرين الباسلة.

ثانياً: يبدو واضحا أن التكليف جاء بمباركة القوى المتنفذة الرئيسة الممثلة في مجلس النواب، وعكس التوازنات السياسية الداخلية والمؤثرات الخارجية إقليميا ودوليا، التي أغفلت عن عمد، الفاعل الكبير والأكثر اهمية في الوضع السياسي الراهن، وهو ساحات التظاهر وجماهير المنتفضين ومطالبهم. وسرعان ما انعكس ذلك في الرفض الواسع للتكليف، في ميادين الاحتجاج والاعتصام.

ثالثاً: ليس مستغرباً أن يواجه التكليف بهذا الرفض، فهو لا يلبي العديد من المعايير التي وضعتها الحشود المنتفضة، وتلك التي دعت اليها خطب المرجعية الدينية، وفي مقدمتها استقلالية المرشح عن المنظومة السياسية الحاكمة، وان يكون "غير مجرب"، كما يكون "غير جدلي". والسيد علاوي قد لا يكون جدليا في عين القوى المتنفذة، إلاّ أنه جدلي بالنسبة الى المنتفضين.

رابعاً: إن المعيار الأساسي الذي يحدد الموقف من أي مرشح لرئاسة الوزراء اليوم، هو مدى جدارته وقدرته على إنجاز المهام الموكلة إلى الحكومة الانتقالية، وأهمها التهيئة لانتخابات مبكرة حرة ونزيهة في أقرب وقت، إلى جانب الكشف عن المتسببين في قتل وقمع المتظاهرين ومحاسبتهم قضائيا، وتحريك ملفات حيتان الفساد وإحالتهم إلى القضاء. ولا يمكن أن تنهض بمثل هذه المهام، إلا حكومة تتشكل بعيداً عن المحاصصة وعن وصاية الكتل المتنفذة، وتمتلك الشجاعة والقدرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية ووفقا للمصلحة الوطنية العليا، وتحظى بثقة ودعم الجماهير المنتفضة.

خامساً: ان الكتل السياسية الحاكمة لم تخف قلقها من الانتفاضة ومن مطالبها المشروعة الداعية إلى تغيير المنظومة السياسية الفاشلة الماسكة بزمام الحكم، وخشيتها من استمرارها بزخم عال متحدية الموت وجميع أشكال القمع المسلط عليها. فكيف لتلك الكتل السياسية أن تدعم رئيس وزراء يقدم تعهدات بإنجاز مهام تهدد نفوذها ومغانمها، وتُعرضها الى المساءلة القضائية؟

سادساً: ان ترشيح السيد علاوي لم تتبنه أي من الكتل الكبيرة الحاكمة، بل انها اكتفت باعلان موافقتها عليه أو عدم معارضتها له، فيما رفضه معظم المنتفضين. فأين سيجد السيد علاوي الأدوات والوسائل والقوى، التي تمكنه من تنفيذ التعهدات الواردة في خطاب قبوله بالتكليف؟

سابعاً: إن البلاد تمر بأزمة خانقة تتحمل مسؤوليتها الأساسية القوى الماسكة بالحكم، وتديمها الآثار المدمرة لنهجها التحاصصي، والقمع الوحشي للانتفاضة، والمماطلة والتسويف في تنفيذ مطالب المحتجين السلميين المشروعة. وليس هناك مخرج حقيقي من هذه الأزمة سوى التغيير والإصلاح الشاملين في منظومة الحكم والحاكمين من خلال الانتخابات المبكرة، وغير اعتماد نهج آخر في الحكم والادارة يقوم على مبادىء المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

ثامناً: ان من معايير اختبار أية حكومة جديدة، هو موقفها من الحريات المكفولة دستوريا ومن احترام حقوق الانسان وحمايتها من الانتهاكات.

تاسعاً: نعلن إننا سنتعامل مع أية حكومة جديدة وفقا للمعايير والأسس التي سبق ذكرها، وان حكمنا عليها سيبنى على أفعالها لا على أقوالها ووعودها. وكم أغدق السابقون من الوعود والتعهدات، فيما استمر تدهور الأوضاع وتفاقم الأزمات.

عاشراً: ان جميع القوى التي شاركت وساهمت في الانتفاضة، ولها مصلحة في التغيير الشامل، مدعوة اليوم أكثر من اي وقت مضى الى التنسيق والتكاتف وعدم التفرد في اتخاذ القرارات والحرص على نجاح الانتفاضة وتحقيق اهدافها كاملة.

إحدى عشر: لقد فتحت الانتفاضة الباسلة وكواكب شهدائها الأماجد وجرأة شبابها المنتفض صفحة جديدة في تاريخ بلادنا، وبعثت الأمل مجددا في إمكانية التغيير وفي بناء مستقبل واعد لشعبنا بجميع أطيافه ومكوناته. لذا فإننا سنظل منحازين اليها وإلى قضايا شعبنا ومطالبه المشروعة، وسنواصل مع جماهيره دعم الاحتجاجات السلمية بأشكالها المختلفة، مستنكرين الممارسات القمعية بحقها والاعتداءات على المنتفضين مهما كان مصدرها وأيا كان القائمون بها.

أثنى عشر: لابد أن نشير الى ان قيام بعض العناصر المحسوبة على الانتفاضة بممارسات واعمال عنفية هنا وهناك، لا يخدم الانتفاضة، وهي تسيء إلى صورتها وطابعها السلميين.

وأخيراً.. إن استمرار زخم التظاهرات والاحتجاجات السلمية وتوسيع صفوفها وتراصها، شرط ضامن لتنفيذ خارطة الطريق المؤدية إلى تنظيم الانتخابات المبكرة الحرة النزيهة، الكفيلة بتصويب العلاقة بين الشعب ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وباستعادة ثقته بها.

إننا نتطلع مع جميع أبناء شعبنا إلى توفير الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وعودة الحياة الطبيعية للمواطنين. لكن هذا لن يتحقق بقمع الاحتجاجات السلمية والالتفاف على مطالب الممنتفضين المشروعة، وإنما بالإسراع في تنفيذها ليستعيد المواطن الثقة بوطنه الذي اغترب عنه بفعل الفاسدين ومنفذي الاجندات غير الوطنية. ويخطىء من يعوّل على ان وهج الانتفاضة المجيدة سيخبو، او يراهن على إجهاضها.

٣-٢-٢٠٢٠