الأزمة العامة للرأسمالية (General Crisis of capitalism):
هي أزمة النظام الراسمالي العالمي ككل، وتشمل جميع جوانب الحياة الاقتصادية الاجتماعية، والسياسية، في المجتمع الرأسمالي المعاصر. هذه الازمة تتسم بالحروب، والثورات، وتتطور على امتداد مرحلة تاريخية كاملة، وهي لذلك ظاهرة تاريخية مرتبطة بمرحلة محددة من تطور الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية – اجتماعية، ويقصد بها طور الامبريالية. لقد كانت مقدمات الازمة العامة للرأسمالية قد ظهرت واخذت تتراكم بالارتباط مع اشتداد تناقضات التشكيلة الرأسمالية، وفاقمتها الحرب العالمية الاولى بشكل بارز الوضوح والحدة.
ان ابرز سمات الازمة العامة للرأسمالية تتمثل في ما يلي:
انقسام العالم الى نظامين اجتماعيين – اقتصاديين متناحرين والصراع الناشئ فيما بينهما.
إنها ازمة تفكك وانهيار النظام الاستعماري.
احتدام التناقضات بين المراكز الامبريالية من اجل اقتسام الاسواق ومناطق النفوذ واعادة تقاسم العالم بين الضواري الاستعمارية.
شهدت الازمة العامة للرأسمالية أربع مراحل :
المرحلة الاولى وترتبط بالحرب العالمية الاولى وقيام ثورة اكتوبر العظمى في روسيا عام 1917. وبحسب (لينين) كانت الحرب العالمية الاولى بمثابة “أعظم أزمة تاريخية، وبداية عصر جديد”. في حين كانت ثورة اكتوبر انعطافا جذريا للمجتمع الانساني من الرأسمالية الى الاشتراكية، وايذانا ببدء عصر الثورات البروليتارية في البلدان الراسمالية، وعصر الثورات المناهضة للاستعمار في البلدان المضطهدة من قبل الامبريالية. وتتميز هذه المرحلة بجملة سمات هي:
تقلص ميدان السيطرة الاستعمارية بنتيجة الاطاحة بالنظام الرأسمالي في سُدس المعمورة تقريبا.
انبثاق ازمة نظام الإمبريالية الاستعماري.
تفاقم ازمات اقتصاد الرأسمالية وعدم استقراره من الداخل. وتجلى ذلك في الهبوط الشديد لوتائر نمو الإنتاج وتفاقم مشكلة الاسواق، وفي النقص المزمن لتشغيل القدرات الانتاجية وفي البطالة الواسعة المستمرة والتضخم المالي.
كانت الأزمات الاقتصادية العالمية لفيض الانتاج مظهرا ساطعا لعدم استقرار الرأسمالية في هذه المرحلة. ويمكن التدليل على ذلك من خلال الاشارة الى ان هذه المرحلة شهدت وقوع عدة أزمات اقتصادية عميقة قطعت سيرورات تجديد الانتاج الرأسمالي.
ظهور وتطور رأسمالية الدولة الاحتكارية.
بدء الأزمة السياسية للنظام البرجوازي
وبنتيجة اشتداد تفاوت التطور الاقتصادي حدث في الثلاثينات من القرن العشرين حدث تغير في تناسب القوى بين الدول الامبريالية واحتدام التناقضات فيما بينها والذي افضى بدورة الى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي اشعلت فتيلها المانيا الهتلرية.
ان جميع هذه الامور عمّقت التناقضات الرأسمالية، وفاقمتها اكثر فأكثر، مشكلة الاسواق، واضفى ذلك على تطور اقتصاد الرأسمالية المعاصرة طابعا غير مستقر.
المرحلة الثانية والتي بدأت إبان الحرب العالمية الثانية وانتصار الثورة الاشتراكية في عدد من بلدان أوربا و آسيا واستمرت حتى أواسط الخمسينات من القرن العشرين. ويمكن تلخيص سمات هذه المرحلة فيما يلي:
ان الاشتراكية تجاوزت اطار بلد واحد وتحولت الى منظومة عالمية. وكان هذا يعني تبلور تناسب جديد نوعيا للقوى بين النظامين.
مواصلة تعمق أزمة نظام الامبريالية الاستعماري.
استمرار تطور رأسمالية الدولة الاحتكارية وما حملته من تناقضات جديدة.
اشاعة النزعة العسكرية في اقتصاد البلدان الامبريالية، واصبحت العسكرة واحدة من اهم الوسائل التي تستخدمها الدول الامبريالية في حفز نمو الانتاج وضبط اقتصاد هذه البلدان بغية درء الازمات.
المرحلة الثالثة التي ابتدأت منذ حمسينات القرن العشرين ولاحقا. وبخلاف المرحلتين السابقتين ( الاولى، الثانية) فإن المرحلة الثالثة للأزمة العامة للراسمالية لم ترتبط بحرب عالمية.
تمتاز هذه المرحلة بالسمات التالية:
ظهرت لاول مرة في تاريخ البشرية امكانية استثناء الحروب العالمية من حياة المجتمع. فقد ظهرت هذه المرحلة ليس بسبب حرب عالمية، بل في اطار التعايش السلمي والمباراة الاقتصادية بين النظامين العالميين، الرأسمالي والاشتراكي.
انجاز انهيار نظام الامبريالية الاستعماري.
استمرار اشتداد عدم استقرار النظام الراسمالي العالمي اقتصاديا وسياسيا.
استمرار تفاقم أزمة السياسة والإيديولوجية البرجوازيتين.
المرحلة الرابعة وتشمل الفترة الممتدة منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين ولا تزال نيرانها مشتغلة. ومن ابرز سماتها:
تجري عملية إعادة الإنتاج في البلدان الرأسمالية على نحو غير متكافئ.
لوحظ ما يسمى باللاتوافق في الدورة الرأسمالية العالمية إذ امتد سريانها عدّة سنوات.
طالت هذه الأزمة البلدان الرأسمالية الأساسية، فلذا أصبحت أزمة مستحكمة طويلة الأمد يصعب إيجاد مخرج منها.
انهيار المعسكر الاشتراكي وبالتالي انهيار نظام القطبية الثنائية والهيمنة المؤقتة لـ “القطب الواحد”.
صعود المحافظين الجدد وهيمنة العقيدة الليبرالية الجديدة وتجلياتها المتمثلة في الريغانية في أمريكا والتاشرية في انكلترا، والرهان على السوق والياته الطليقة، والتي أفضت في نهاية المطاف الى الأزمة التي يعاني منها العالم اليوم والتي تفجرت في أيلول 2008 على هيئة أزمة مالية تحولت لاحقا الى أزمة اقتصادية عالمية البعد.
وفي مختلف مراحل الازمة العامة للرأسمالية يشتد اختلال توازن تطور البلدان الرأسمالية، وتتفاقم بشكل حتمي، حدّة التناقضات الداخلية في معسكر الامبريالية، كما تتنامى النزعات العسكرية في الاقتصاد، بصورة متزايدة، ويتفاقم الصراع التنافسي بين الدول الرأسمالية. ان اشاعة النزعة العسكرية في الاقتصاد تزيد من عمق جميع تناقضات النظام الرأسمالي. ويصطدم نمو الانتاج الرأسمالي، اكثر فاكثر، بالإمكانيات المحدودة لتصريف المنتجات. وتنشأ الظروف من اجل ظهور ازمات فيض انتاج، اكثر عمقا وحدّة. وتتصف الرأسمالية، في مرحلة ازمتها العامة، بتقوية الرجعية السياسية والايديولوجية، بصورة حادة، وبإنهيار الديمقراطية البرجوازية، واللجوء الى الشكل السافر من ديكتاتورية البرجوازية، أي الى الفاشية.